ضمانات التحقيق و بطلان التحقيق
كانت ضمانات التحقيق الأولي، في أوروبا قبل سنة 1897، تكاد تكون معدومة. فقد كان قاضي التحقيق يتمتع بسلطات واسعة تتيح له اللجوء إلى جميع الوسائل لانتزاع اعتراف من المدعى عليه. كما كانت إجراءات نظام التحري والتعقيب تجيز تعذيب المدعى عليه. ولم يكن التحقيق وجاهياً، بل كان يجري بسرية تامة، حتى بالنسبة للمدعى عليه، حيث يبقى جاهلاً وقائع الدعوى إلى ما بعد إحالته إل مرحلة المحاكمة؛ فلم يكن قاضي التحقيق يطلعه على التهمة المنسوبة إليه ولا على الأدلة والشبهات القائمة ضده، وكان ممنوعاً من حضور أعمال التحقيق، وليس له الحق في الاستعانة بمحام، كما كان من حق القاضي أن يمنعه من الاتصال بمحاميه . وقد اقتبس الشارع العثماني هذه الأحكام لدى إصداره قانون أصول المحاكمات الجزائية سنة 1879، فكانت المادة (88) منه تنص على أنه يتعين أن يستجوب المدعى عليه سراً بحضور كاتب التحقيق. ولم يكن للمدعي الشخصي أن يحضر هذا الاستجواب .
ولكن المنعطف التاريخي تم في فرنسا بإصدار قانون 8 كانون الأول 1897، الذي شكل نقلة نوعية في نظام التحقيق الأولي، فقد قرر لأول مرة بداية العلنية أمام قاضي التحقيق، إذ سمح بدخول شخص جديد إلى مكتب التحقيق، وكان هذا الشخص هو محامي المدعى عليه، كما أوجب على المحقق أن يطلع المدعى عليه على التهمة المنسوبة إليه، وأن ينبهه إلى حقوقه، خاصة حقه في الاستعانة بمحام. كما تطلب وضع محضر التحقيق تحت تصرف المحامي في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة. كما كفل حرية اتصال المدعى عليه بمحاميه وعدم جواز منعه من ذلك. وبعد أن كان المدعي الشخصي غريباً عن التحقيق، صدر القانون الفرنسي في 22 آذار 1921 فكفل له الضمانات ذاتها المقررة للمدعى عليه . وقد استفادت تشريعات بعض الدول العربية من هذا التطور، فقررت التخلي عن سرية التحقيق بالنسبة للخصوم ووكلائهم مع إيراد بعض الاستثناءات. ومثال التشريعات التي اقتبست عن التشريع الفرنسي القانون اللبناني والسوري والأردني والمغري والتونسي والجزائري .
إن في إجراءات التحقيق يجب أن تكون كلها موثقة اي ثابتة بالكتابة للرجوع إليها ، ويوجب القانون كتابة كافة الإجراءات التي يقوم بها المحقق، مثل سماع شهادة الشهود، واستجواب المشتكى عليه، والتفتيش، وضبط الأشياء المتحصلة من التفتيش، فإن في الواقع عملية تدوين سائر الإجراءات التي تتخذ أثناء التحقيق الأولي هي أساسية لإثبات حدوث هذه الإجراءات والتقيد ضمن الأصول المحددة في نصوص القانونية، إلا أنه لكي يكون لهذا التدوين آثاره القانونية ينبغي أن يتم بواسطة الكاتب الذي يستصحبه المدعي العام معه في سائر الإجراءات ، حتى تكون لإجراءات التحقيق الأولي حجيتها وتصلح أساساً لما يبنى عليها من آثار ونتائج لابد من إثباتها بالكتابة، نظرا لاستحالة الاعتماد على ذاكره المحقق التي قد تخونه بمرور الوقت،" كما أنه حتى يتفرغ بذهنه كلية لمجريات التحقيق ولا يصرفه عن ذلك كتابة المحضر فعلية أن يستعين في تدوين التحقيق بكاتب.