بحث حول وسائل الإعلام والاتصال
وسائل الإعلام والاتّصال
لم يعد إتقان فنون التواصل ودراسة وسائل الاتصال أمراً ثانوياً، حيث نقضي 70% من حياتنا ونحن نتواصل عبر النقاشات والأخبار التي نتناقلها والمعلومات المختلفة التي تردُنا كلّ يوم، وبالنظر إلى المفهوم العام للاتصال نجدُ أنّه عملية مشتركةٌ تُتبادَلُ من خلالها المعلومات والأفكار والآراء وحتى المشاعر؛ فالإنسانُ كائنٌ اجتماعي بطبعه، يأبى الانعزال ويحرصُ على تطوير وسائل تواصله بشكل مستمرّ.[1]
تعددت عناصر الاتصال ومن أهمها المُرسِلُ، والرسالةُ، والوسيلة المُستخدَمة لتمريرها، والمُرسَل إليه مُتلقّي هذه الرسالة وأثرُها عليه، واليوم ومع انتشار وسائل الإعلام وتسارع التكنولوجيا حافظت هذه العناصر على مكانتها رغم التطوّر الهائل الذي شهدته وسائل الإعلام والاتصال بوتيرة مُتسارِعة لا تتوقّف.[2]
مستويات الاتصال
تتنوّع مستويات الاتصال؛ حسب عناصر الاتصال المُستخدَمة في كلّ مستوى، وتُقسَم مستويات الاتصال على النحو الآتي:[3]
- الاتصال الذاتي: هو الحوار والخواطر التي يُحدّث بها الإنسانُ نفْسه.
- الاتصال الشخصي: هو التواصلُ المباشر بين شخص وآخر.
- الاتصال الجمعي: تكونُ الوسيلة هنا قائمةً على تلاقي مجموعة محددة من أفراد المجتمع؛ لتلقّي رسالة معينة عبر وسيلة تغطّي نطاق التقائهم، مثل: الزيارات، والمؤتمرات، والندوات.
- الاتصال العام: يكون هذا النوع من الاتّصال بين فرد ومجموعة كبيرة من الأفراد عبر وسيلة تشمل حيز اجتماعهم، مثل: الخطابات الجماهيريّة.
- الاتصال الوسطي: هو اتصال محدّد بوسيلة ما وجمهور يستخدم هذه الوسيلة، ومثاله: محطّة التلفاز المغلقة التي تكون مُخصّصةً للجامعة وطلّابها.
- الاتصال الجماهيري: حيث يعتمد على وسيلة واسعة الانتشار، قادرة على إيصال الرسالة لعدد كبير من المُتلقّين المتباعدين زمانياً ومكانياً، حيث تصلهم نفس الرسالة في ذات اللحظة وبسرعة وجودة فائقة؛ بهدف إيصال المعلومة وتكوين رأي عامٍّ عنها.
وسائل الاتصال الجماهيري
تُصنَّف وسائل الاتصال الجماهيري حسب الوسائل المُستخدَمة لتمرير الرسائل الإعلامية بين المرسل والمتلقي، وذلك بما ينسجم مع حواس الإنسان التي تستقبل الأصوات والصور وتقرأ الكلمات،[4] وتبعاً لذلك تُصنَّف الوسائل كالآتي:
الوسائل المقروءة
تشمل الوسائل المقروءة كُلّاً من المطبوعات، والصُّحف الورقية، والمجلات؛ ففي منتصف القرن الخامس عشر تمّ اختراع أول مطبعة في العالم على يدَي المخترع الألماني يوحنا جوتنبيرغ، وبذلك الاختراع بدأ عصر الاتصال الجماهيريّ، وتسارعت عمليات تطوير الطباعة لما حقّقته من ازدهار في المُدن، وتنامٍ في تدوين العلوم وانتشارها، وقد صدرت الصحيفة الأولى في عام 1502م، تلاها بستّين عاماً صدور المجلة الأولى في إيطاليا، حيث كانت تلك بدايات نشوء الصُّحف والمجلات، وقد صاحبها ازدهار الطبقة الوسطى في المجتمع، على الرّغم ممّا عانته من صرامة قوانين النشر في تلك الحِقبة.[5]
تعود بدايات عصر الصحافة الحديثة إلى منتصف القرن التاسع عشر، لتطوّر سُبُل المواصلات، ونموّ العمل السياسي، وتزايد الإعلانات عبر الصحف، ممّا ساهم في زيادة حِدّة التنافس بين الصحف، ومع اختراع الحاسوب والأقمار الصناعية حقّقت الصحافة طفرةً في سرعة الإنجاز والانتشار، وسهولة حفظ البيانات ومُراجعتها، ولا تزال الصحافة تواصلُ تطوير أدواتها لا سيما الصحافة الإلكترونية؛ لتصل إلى أكبر عدد من الجماهير بكلّ الوسائل المُتاحة.[5]
الوسائل المسموعة
تشمل الوسائل المسموعة المذياعَ، ويرجع اختراعه إلى سلسلة مُتتالية من الاختراعات، بدأت بإرسال بعض الموجات الكهرومغناطيسية عام 1896م، واليوم تُبَثّ الموجات الإذاعية عبر الأثير بنظام بث أفقيٍّ للموجات وآخر عمودي، تتفاوت فيما بينهما مساحة البثّ ونقاوته.[5]
كانت بداية الإذاعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ثمّ انتشرت في أوروبا عام 1920م؛ حيث كانت بريطانيا هي أول دولة أوروبية نشأت فيها الإذاعات المحلية والعالمية، وفي عام 1925م أنشأت مجموعة من الهواة أولى الإذاعات في مصر والوطن العربيّ.[6]
توسّع انتشار البثّ الإذاعي ليشمل كافة أقطار الوطن العربي، ورافق هذا الانتشارَ تطوّرٌ ملحوظ على تكنولوجيا الإرسال، وأبراج البثّ، وأجهزة الاستقبال؛ فقد صار المذياع حديث الكلّ في الشارع العربي؛ لتميّزه بتغطية جغرافية واسعة، ومساهمته في دعم العملية التعليمية وتخطّي حاجز الفقر والجهل، بالإضافة إلى كونه أداةً فعّالةً في الترويج والإعلان على الصعيد الاقتصادي، أمّا على الصعيدين السياسي والإخباري فقد كان له بالغ الأثر في رصد السّبق الصحفي ونقله.[7]
الوسائل المرئيّة والمسموعة
بعد عشرات الاختراعات الأوليّة، وأثناء أكثر من نصف قرن قدّم فيه العلماء اكتشافاتهم، تُوِّجت هذه المحاولات بتحقيق أول بثّ تلفزيونيّ مُنتظَم، وكان ذلك في هيئة الإذاعة البريطانية عام 1936م، وكانت الهيئة هي أول من يُجري البث الحي للبرامج واللقاءات من خارج استديوهاتها، بعد ذلك بدأ البث التلفزيوني في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وفي منتصف خمسينات القرن العشرين افتتحت أولى الدول العربية محطّاتها الرسمية، وكانت على رأسها دول المغرب، والعراق، والجزائر.[8]
تميّز التلفاز منذ نشأته بجاذبيّة عرضه؛ لما يتمتّع به من مشاركة لحاسّتَي السّمع والبصر، ممّا ساهم في شدّ انتباه الجمهور وتعلُّقهم به، كما تميّز بتقليل الحواجز الثقافية بين الشعوب والمُشاركة الفورية للأحداث عبر العالم، وقد عُدّ أداة ترفيهية مميزة، استطاعت السيطرة على اهتمامات فئة من الحضور، والتأثير على قناعاتهم واهتماماتهم اليومية، ولعقود متواصلة أصبح التلفاز جزءاً لايتجزّأ من الحياة اليومية للفرد والأسرة.[8]
كانت للتلفاز إسهامات مشهودة في دعم العملية التعليمية؛ حيث كان يُمثل حلقة الوصل بين المدرسة والأسرة، واستطاع أن يصل إلى مدى أوسع من جدران المدارس؛ عن طريق برامج محو الأُميّة، وإتاحة المعلومة لكلّ فئات المجتمع بشكل مستمرّ، وأسلوب مُدعَّم بوسائل بصرية أكثر وضوحاً وتشويقاً.[9]
تصدّر التلفاز قائمة وسائل الإعلام لعقودٍ مضت، واليوم ينازعه الإنترنت هذه الصدارة، إلى أن ظهر مصطلح الإعلام الجديد الذي نشأ عن اندماج ثلاث وسائل، هي: جهاز الحاسوب، وشبكة الإنترنت، والوسائط المُتعدّدة، ومن هنا اكتسب الإعلام الجديد قوّته؛ حيث يتميز عن الإعلام التقليدي بالكيفية التي تُبَثّ فيها المادة الإعلامية، وكيفيّة تمكّن المتلقي من الوصول إلى المواد المنشورة والتّفاعل معها.[10]
والإعلام الجديد يمنح المتلقي قدْراً من الحرية لتخصيص تجربته والتفرّد فيها، وكأنّه إعلام مستقلٌ، وللفرد حرية التصرف في محتواه؛ فقد مكّن الإنترنت المُستخدِم من التواصل الفوري، وتبادل الصور والوثائق وحفظها، والاطّلاع على ما يتماشى مع ميوله ومعتقداته في أيّ وقت وأيّ مكان، وكلّ ذلك ساهم في زيادة انتشاره والتعلق به.[11] وتُعدّ شبكات التواصل الإجتماعي من أهمّ وسائل الإعلام الحديثة، حيث أُنشِئ موقع فيسبوك عام 2007م، وهو الموقع الأول والأكثر انتشاراً، وهناك وسائل متعددة أخرى، مثل: المدوّنات، والمنتديات، ومواقع الويكي؛ وهي مواقع تسمح بإنشاء محتوىً موضوعيٍّ مع إمكانيّة المساهمة في تعديله، ومواقع التدوين الصوتيّ، والتدوين الصوري، والتدوين المُصغّر.[10]
ساهم كلّ هذا التنوع بتغييرات جذرية على هيكلة البنية الأساسية للإعلام التقليدي، حتّى يُواكبَ التطور، ويحافظ على تقديم المحتوى للجماهير بكلّ وسيلة متاحة، ولتحقيق هذه الغاية ظهرت مصطلحات ومجالات جديدة، مثل: الصحافة الإلكترونية المعتمدة على الانترنت، والإذاعة والتلفزيون الرقميّين المُعتمدَين على موجات ثنائية تتكوّن من الأصفار والآحاد، ممّا يُعطي وضوحاً أعلى في الصوت والصورة وجودة البث، وميّزاتٍ مضافةً، مثل: استخدام شبكة الإنترنت، وتصفّح النصوص والصور عن طريق التلفاز. كلّ تلك الوسائل التي شهدت تطوراً على مستوى سرعة نقل الخبر، وإمكانيّة تدعيمه بالصور والفيديوهات المباشرة، مع زيادة الحرص على التحقق من المصدر، وضبط معايير قبول المحتوى المُضاف، شُيّدت هذه الجهود لفتح مجالات الإبداع في صناعة المحتوى عبر الإنترنت.[12]
المراجع
- ↑ منال محمود، كتاب مدخل إلى علم الاتصال، صفحة: 11/18. بتصرّف.
- ↑ محمد الموسوي، نظريات الاتصال والإعلام الجماهيري ، صفحة: 7-8. بتصرّف.
- ↑ فهد الشميمري، التربية الإعلامية، صفحة: 48. بتصرّف.
- ↑ منال محمود، كتاب مدخل إلى علم الاتصال، صفحة: 90. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عصام الموسى (2009)، كتاب المدخل في الاتصال الجماهيري (الطبعة السادسة)، الأردن: دار إثراء للنشر والتوزيع، صفحة: 44-51. بتصرّف.
- ↑ أمجد الصفوري، المدخل إلى الإذاعة والتلفزيون ، صفحة: 19. بتصرّف.
- ↑ ماجي حسين، محمد مهنى، مقدمة في الفنون الإذاعية والسمعبصرية ، صفحة: 18-27. بتصرّف.
- ^ أ ب أمجد الصفوري، المدخل إلى الإذاعة والتلفزيون ، صفحة: 54-61. بتصرّف.
- ↑ ماجى حسين، محمد مهنى، مقدمة في الفنون الإذاعية والسمعبصرية ، صفحة: 80-82. بتصرّف.
- ^ أ ب نسرين حسونه، الإعلام الجديد المفهوم والوسائل والخصائص والوظائف، صفحة: 2-7. بتصرّف.
- ↑ فهمي النجار (6-7-2014)، "من وسائل الإعلام (الإنترنت) "، www.alukah.net، صفحة: 1. بتصرّف.
- ↑ محمد الموسوي، اتجاهات إعلامية معاصرة، صفحة 101-110. بتصرّف.