صفات سيدنا إبراهيم
مولد سيدنا إبراهيم ونشأته
سُمّي سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بأبي الأنبياء، وقد كانت له هذه التسمية لأن جميع الأنبياء والرسل الذين جاؤوا من بعده كانوا من نسله، وكان سيدنا إبراهيم أمّة قانتاً لله حنيفاً، اختصّه الله -تعالى- بأن جعله خليلاً له دون البشر، ووُلد سيدنا إبراهيم في مدينة بابل في العراق، وقد كان أهلها بعيدون عن عبادة الله، حيث انقسم الناس في ذلك الوقت إلى ثلاثة أقسام؛ فمنهم من كان يعبد الكواكب، ومنهم من كان يعبد الأصنام، ومنهم من كان يعبد الملوك، وهي بيئة منحرفة عقدياً، حيث تربّى سيدنا إبراهيم في مثل هذه البيئة، كما أن أباه لم يكن عادياً، فهو الذي كان يقوم بصناعة الآلهة والتماثيل ثم يبيعها للناس كي يقوموا بعبادتها.[1]
وكبُر سيدنا إبراهيم وقد رزقه الله الفهم والحكمة، فكان كارهاً للأصنام مستغرباً مما عليه أبيه وقومه من عبادة ما لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر، وكيف أنهم يصنعون الآلهة ثم يعبدونها، وظلّت هذه التساؤلات تدور في عقله حتى توصّل بقلبه وعقله وفطرته إلى أنه لا بد من وجود خالق لكل هذه المخلوقات، وهو الذي يستحق العبادة لا غيره، وكان سيدنا إبراهيم نجيباً ذكياً على الرغم من صِغر سنّه، وقادراً على المحاورة والمواجهة، وقد قرر أن يواجه قومه، فسار يوماً في الصحراء فأراه الله مظاهر ربوبيته، فبدأ يتأمل آيات الله في ملك السماوات والأرض، فرجع إلى قومه وكان هدفه أن يُظهر لهم بطلان ما يدّعون.[1]
ولمّا بدأ الليل وعمّ الظلام، رأى سيدنا إبراهيم كوكباً لامعاً، فقال لهم: هذا ربي، ثم بعد فترة اختفى هذا الكوكب، فقال لهم: الإله لا يمكن أن يختفي عن معبوده، ولا بدّ أن يكون قائماً بمصالح عباده، وهذا الإله يغيب كثيراً ولا يمكن أن يُعبَد، ثم بعد ذلك ظهر القمر في السماء ساطعاً، فقال: هذا ربي، وبعد ذلك أفل القمر، فقال لهم: إن الذي يأفل لا يصلح أن يكون إلها، ولئن لم يهدِني ربي إلى طريق الحق، لأكوننّ من القوم الضالين عن الصراط المستقيم، وانتظر حتى غاب القمر وظهرت الشمس، فقال لهم: الشمس أكبر من الكوكب والقمر، لا بد أنها الإله، ولمّا غابت ذهب إليهم وأخبرهم أنه بريء من عبادة هذه الكواكب التي يعبدونها، وأنه يعبد إلهاً واحداً لا شريك له، ودعاهم إلى عبادته فرفضوا وبدأوا بمحاورته ومجادلته، وبعد حوار طويل دار بينهم تركهم وانصرف، بعد أن أقام الحجّة عليهم، وبيّن لهم بطلان ما يعبدونه.[1]
صفات خليل الله إبراهيم
اتّصف سيدنا إبراهيم بالعديد من الصفات، منها ما كان في نفسه، ومنها ما كان في أهل بيته، ومنها ما كان في مجتمعه، وكل هذه الصفات أهّلَتْه لأن يصفه الله -تعالى- بالصفة الجامعة ويقول فيه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)،[2] والأمّة؛ هو الإمام الذي يُقتدى فيه، وهو الذي يقوم بتعليم الناس الخير وما يتعلق بدينهم، وفيما يأتي بيان لبعض الصفات التي أهّلت سيدنا إبراهيم لأن يكون أمّة:[3]
- توحيد الله -تعالى- وعدم الإشراك به، والتوحيد هو الاعتقاد الجازم بأن الله خالق كل شيء، وهو وحده المستحق للعبادة، والمتّصف بصفات الكمال، والمنزّه عن كل نقص.
- التمكّن والاطمئنان واليقين في عبادته لربّه، ويظهر ذلك في الكثير من الآيات، منها ما قاله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[4]
- الصدق، والوفاء، والكرم، فقد وصفه الله بأنه كان صِدّيقاً، كما أخذ العهد والميثاق من الله في إقامة الدين وإبلاغ الرسالة، ووفّى في هذا العهد، أما كرمه فيظهر في قصّته مع الملائكة، قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ).[5]
- تأييد الله له بالمعجزات، فعندما حطّم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- آلهه قومه والأصنام التي يعبدونها، أشعلوا النار ورموه فيها، فأمر الله -تعالى- هذه النار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم، فلم تؤذيه، قال تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)،[6] وكذلك أيّده الله -تعالى- بمعجزة إحياء الموتى، حيث أمره بذبح الطيور وتقطيعها أجزاءً، ثم تفريقها على الجبال ثم مناداتها، ففعل ذلك إبراهيم عليه السلام، ولمّا دعاها اجتمعت وصارت حيّة بعد أن كانت ميّتة.[7]
- الإخلاص والقنوت والرحمة؛ فقد كان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- منحرفا عن عبادة الأصنام والشرك إلى التوحيد، وهذا هو معنى حنيفا، كما كان كثير الشكر لله -تعالى- على نِعمه، وكثير الاستغفار والدعاء والذكر والرجوع إلى الله، وعظيم الصبر في مواجهة قومه، كما اتّصف بالشجاعة أيضا؛ فقد أعلن التبرّؤ من الشرك والمشركين.[8]
أولو العزم من الرسل
إن الأنبياء والمرسلين هم أفضل خلق الله، ويأتي بعدهم في الأفضلية من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهؤلاء الرسل يتفاوتون في الأفضلية، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)،[9] حيث إن أفضل الرسل على الإطلاق، هم الذين أوحى الله لهم وشرع لهم الشرائع، ثم يأتي بعدهم من أوحى الله لهم وأمرهم بتبليغ ما أوحاه لهم، وأفضل الرسل خمسة، هم الذين سُمّوا بأولي العزم من الرسل، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلم، قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)،[10] وأفضل أولو العزم من الرسل هم الخليلان محمد وإبراهيم عليهما السلام، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لو كنتُ متَّخذًا من أَهْلِ الأرضِ خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولَكِن صاحبُكُم خليلُ اللهِ)،[11] والخُلّة هي تمام المحبة.[12]
ومن الضروري التنبيه على بعض الأحاديث التي ورد فيها النهي عن تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، فلا تعارض بينها وبيْن ما جاء في الآيات القرآنية من تفضيلهم على بعض، لأن النهي الوارد إنما جاء إذا كان تفضيلهم ينبع من باب الحَميّة أو الانتقاص أو ما يكون على وجه العصبيّة، مما يؤدي للفتنة والتنازع وانتقاص بعض الأنبياء، وقد ادّعى بعض أهل البدع أن مشايخهم وأئمّتهم أفضل من الأنبياء والرسل، حيث إن الشيعة الإمامية يقولون: (إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل)، كما أن الغُلاة من الصوفية يقولون بأن الولاية أعظم من النبوّة، وهي أقوال كاذبة لا تمُتّ إلى الكتاب والسنة بشيء.[12]
المراجع
- ^ أ ب ت هبة أبو شوشة (4-5-2015)، "قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام (1) للأطفال"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 120.
- ↑ حسام إبراهيم (23-1-2013)، "الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل -عليه السلام- "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 260.
- ↑ سورة هود، آية: 69.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 69-70.
- ↑ "معجزة إبراهيم عليه السلام"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019. بتصرّف.
- ↑ "صفات إبراهيم عليه السلام التي استحق من أجلها أن يكون خليل الرحمن"، www.islamqa.info، 23-11-2009، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 253.
- ↑ سورة الأحقاف، آية: 35.
- ↑ رواه الألباني، في شرح الطحاوية، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 294، صحيح.
- ^ أ ب عادل العزازي (21-1-2016)، "تفاضل الرسل عليهم السلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019. بتصرّف.