نتائج غزوة خيبر
أسباب غزوة خيبر
وقعت غزوة خبير في شهر محرم من السنة السابعة للهجرة، وقد كانت مدينة خيبر ذات قلاعٍ، وحصونٍ، ومزارع، وتبعد ستين أو ثمانين ميلاً عن المدينة المنورة من جهة الشمال، وكانت خيبر مصدر الدسائس والمؤامرات التي تُعدّ لقتال المسلمين، فأهل خيبر هم الذين جمعوا الأحزاب على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وأثاروا قبيلة بني قريظة من اليهود على الغدر بالمسلمين وخيانتهم، وكانوا يخطّطون لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تأخّر المسلمون في فتحها؛ لأنهم كانوا يُواجهون قوةً أكبر وأقوى ألا وهي قريش، واتّجه المسلمون إليها لما انتهى أمر قريش، وانكسرت شوكتهم، وكان الله -تعالى- قد وعد نبيّه -صلى الله عليه وسلم- بفتحها، ونيل ما فيها من المغانم، وذلك في قوله تعالى: (وَعَدَكُمُ اللَّـهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـذِهِ).[1][2]
نتائج عزوة خيبر
فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصون خيبرٍ حصناً حصناً، فكان أوّلها حصنٌ يُسمّى ناعم، وعنده قُتل الصحابي محمود بن مسلمة، بسبب رحى أُلقيت على رأسه فقتلته، ثم افتتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصن القموص، وهو حصن بني أبي الحُقيق، وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم سبايا، وكانت منهنَّ صفية بنت حييَّ بن أخطب رضي الله عنها، فاصطفاها النبي -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، فأعتقها وتزوّجها بعد إسلامها، وحاصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسُّلالم، حتى إذا أيقن أهل الحصنين بالهلاك، سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُجليهم، ويحقن لهم دمائهم، فرضي بذلك، وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع حصونهم وأموالهم، وصالح أهل فَدَك على أن يعملوا في أرضهم، ويكون للنبي -صلى الله عليه وسلم- نصف ما يخرج منها، واشترط النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُخرجهم منها متى شاء.[3]
أمَّا عدد الشهداء من المسلمين فلم يزد عن عشرين رجلاً، بينما زاد عدد القتلى من اليهود عن التسعين، وقد غنم المسلمون في غزوة خيبر ألف رمح، وأربعمئة سيف، ومئة درع، وخمسمئة فرس، وكمّياتٍ كبيرة من المحاصيل الزراعية، والأمتعة، والمواشي، وكان ممّا غنمه المسلمون أيضاً صفحات من التوراة، وقد أعادها النبي -صلى الله عليه وسلم- لليهود عندما طلبوها منه، وساد سلطان النبي -صلى الله عليه وسلم- على جميع اليهود، وانقطع كل ما كان لهم من النفوذ في شبه الجزيرة العربية.[4]
أحداث غزوة خيبر
التجهّز للقتال
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتجهّز لفتح خيبر، وكان من عادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد غزواً وَرَّى بغيره، إلا في غزوتين هما خبير وتبوك، أمَّا خيبر؛ فلأن الله -تعالى- وعد نبيّه بفتحها، وأمَّا غزوة تبوك؛ فلأن المسافة كانت بعيدةً جداً، وكانت الحرب مع أعظم دولةٍ في ذلك الوقت وهي الروم، فكان لا بد من أخذ الاستعداد الكامل لها، ولمَّا تجهّز النبي -صلى الله عليه وسلم- للخروج جاء الذين تخلّفوا عنه في غزوة الحديبية يُريدون الخروج معه طمعاً في الغنائم، فلم يأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحدٍ منهم، ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- منادياً يُنادي في الناس: أن لا يخرج معنا إلا راغبٌ في الجهاد، فلم يخرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أصحاب شجرة بيعة الرضوان، وكان عددهم ألفاً وأربعمئة، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو طلحة الأنصاري أن يجد له غلاماً يخدمه في الطريق إلى خيبر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ لأبِي طَلْحَةَ: التَمِسْ غُلَامًا مِن غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حتَّى أخْرُجَ إلى خَيْبَرَ فَخَرَجَ بي أبو طَلْحَةَ مُرْدِفِي، وأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ)،[5] واستخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على المدينة سِباع بن عُرفُطة الغفاري رضي الله عنه.[6]
فتح الحصون
كانت خيبر تتكوّن من ثلاثة حصونٍ منفصلةٍ بعضها عن بعض، وهي: حصون النطاة، وحصون الكتيبة، وحصون الشق، وكان حصن نطاة مكوناً من ثلاثة حصون تتبع له، وهي: حصن ناعم، وحصن الصعب، وحصن قلّة، وأما حصن الكتيبة فيتكوّن من حصنين، وهما: حصن أبي، وحصن البريء، ويتكون حصن الشق من ثلاثة حصون، وهي: حصن القموص، وحصن الوطيح، وحصن السّلالم، فبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بحصون النطاة، وعسكر المسلمون شرقيها بعيداً عن مدى النبال، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع النخيل لإرهابهم؛ حتى يُسلموا، فقطع المسلمون أربعمئة نخلة، ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- إصرار اليهود على القتال نهى عن قطع النخيل، وابتدأ القتال مع حصن ناعم بالرمي، واستمرّ المسلمون بالمناوشة حتى إذا كانوا في الليلة السابعة أَسَرَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد كان حارس الجيش بيهودي خارج في جوف الليل، وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصابه الخوف قال: إن أمّنتموني على نفسي أخبرتكم بأمرٍ فيه نجاحكم، فأمّنوه على نفسه فقال: إن التعب قد أصاب أهل هذا الحصن، وهم خارجون لقتالكم غداً، فإذا فتح الله عليكم الحصن فسوف أدلّكم على بيتٍ فيه منجنيق ودبّابات؛ وهي آلة تستخدم للحروب فتدفع إلى جدار الحصن فينقبه الجنود وهم في جوفها، ودروعٍ، وسيوفٍ تُسهّل عليكم فتح بقية الحصون.[7]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله، ويُحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الصحابة -رضوان الله عليهم- كلّهم يرجوا أن يُعطى الراية، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما تمنّيت الإمارة إلا يومئذٍ، فلما أصبح الناس سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن علي بن أبي طالب، فقيل له: إن في عينيه رمد، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من يأتي به، ثم تفل في عينيه فشفاهما الله تعالى، ثم أعطاه الراية، فتوجّه علي -رضي الله عنه- مع المسلمين لقتال اليهود، ففتح الله على يديه الحصن، وانهزم اليهود إلى حصن الصعب، ثم تبعهم المسلمون حتى فتحوا حصن الصعب، ثم فتحوا حصن القلّة، ثم اتّجهوا إلى حصن الشقّ ففتحوه، ثم تبعوا اليهود إلى حصن البريء ونصبوا عليه المنجنيق، فوقع الذعر في صفوف اليهود، وهربوا منه، وانطلق المسلمون إلى حصون الكتيبة، ففتحوا حصن القموص، ثم ساروا إلى حصني الوطيح والسّلالم فأخذوهما من غير قتال.[7]
وفي غزوة خيبر حرّم النبي -صلى الله عليه وسلم- لحوم الحمر الأهلية، وأخبر أنها رجس، وأمر بالقدور التي كانت فيها فأُلقيت القدور وهي تفور بما فيها من اللحم، ثم أمر بغسل القدور، وأحلّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ لحوم الخيل، وأطعمهم إيّاها، وكان حصن الصعب بن معاذ أكثر الحصون طعاماً، وأوفرهم ودكاً؛ وهو دهن اللحم الذي يُستخرج منه، وكان شعار المسلمين يومئذ: أمت أمت، وكان آخر الحصون التي افتتحها المسلمون هما حصني الوطيح والسّلالم.[8]
المراجع
- ↑ سورة الفتح، آية: 20.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 333-334. بتصرّف.
- ↑ ابن هشام (1995)، السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، صفحة 330-337، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، بيروت: دار الندوة الجديدة، صفحة 328-329. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2893، صحيح.
- ↑ موسى العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية، صفحة 399-401، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الباجوري (1425)، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفيحاء، صفحة 180-182. بتصرّف.
- ↑ السيد الجميلي (1416)، غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 106. بتصرّف.