متى وقعت غزوة احد
الجِهاد
ينظر الإسلام إلى الجهاد على أنّه وسيلة لدفع الباطل، وردّ العدوان، ورفع الظلم، ومواجهة المُعاندين لرسالة الرّحمة التي جاء بها هذا الدين الحنيف، وطيلة التاريخ الإسلاميّ لم يكن رفع السيف هدفاً وغايةً بذاته، بل إنّ الإسلام دين لا يجبر أحداً على الدخول فيه؛ فلا إكراه ولا إجبار فيه، إنّما دعوة بالحكمة، ومُجادَلة بالحُسنى، وقبول بالآخر، واعتراف بحقّه في الحياة الآمنة، لكنّ الصّراع بين الحقّ والباطل صراع أبديّ؛ فالباطل عبر التاريخ يواجه الحقّ بمنطق الأذى والعدوان.
وقد واجه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- صنوفاً من الأذى والشرّ من كفّار قريش في مكة المكرمة، وصبروا عليها واحتسبوها لله عزّ وجلّ، وبعد الهجرة النبويّة أذِن المولى -سبحانه وتعالى- للمسلمين بردّ الأذى ودفع الباطل، فشُرِع الجهاد في سبيله تعالى، وكانت غزوة أُحُد من الغزوات التي حدثت بين المسلمين ومُشركي قريش، فمتى وقعت، وما أسبابها، وما هي أهمّ أحداثها ونتائجها؟
وقت وقوع غزوة أُحُد
تُعدّ غزوة أحد التي جرت أحداثها يوم السبت في السابع من شهر شوال في السنة الثالثة للهجرة النبوية من المعارك المهمّة والمفصليّة في مسيرة الدعوة الإسلاميّة؛ حيث لقِيَ المسلمون فيها هزيمةً موجعةً بعد أن حُسِم أمر النّصر لصالحهم، وقد حدثت هذه الغزوة بعد غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً على مشركين قريش في السنة الثانية من الهجرة النبويّة، حيث بيّتَ كفار قريش نيّة الثّأر من الإسلام والمسلمين؛ بسبب فقدانهم الكثير من رجالاتهم وزعمائهم في غزوة بدر.[1]
وقد أعدّت قريش العُدّة لذلك؛ حيث حشدت جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل لمواجهة المسلمين، وعندما علم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بشأن هذا الحشد استشار أصحابه -رضي الله عنهم- حتى استقرّ الأمر على الخروج خارج المدينة لملاقاة جيش المشركين، وفي الطريق تخلّف ثلاثمئة مقاتل من المنافقين عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بقيادة عبد الله بن أبي سلول، وقد تواجه الطّرفان ودارت بينهما ملحمة عظيمة، وكان النّصرُ في بدايةِ الأمر لصالح المسلمين.[1]
وعندما شعر المسلمون بأنّ النّصر لصالحهم ولاحظوا فرار المشركين، بدأ الجيش الإسلاميّ بجمع الغنائم التي خلَّفها وراءهم جيش قريش، عندها سارع فريق الرّماة الذين كلّفهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بحماية ظهر المسلمين بالنزول من موقعهم على الجبل؛ لجمع الغنائم مع المسلمين، وقد كان هذا الموقف سبباً مهمّاً في انكشاف ظهر المسلمين لأعدائهم، وانقلاب نتيجة القتال لصالح المشركين.[1]
مواقف من غزوة أُحُد
لم تكن غزوة أحد كغيرها من الغزوات؛ فقد كانت مليئةً بالأحداث والتّضحيات والبطولات، منها ما يأتي:[2]
- جعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- خمسين مقاتلاً من المسلمين على جبل الرُّماة؛ ليحموا ظهر المسلمين، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير -رضي الله عنه- وقال لهم: (انضحوا الخيلَ عنَّا بالنّبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت الدائرة لنا أو علينا فالزَموا أماكِنكُم، لا تؤتينَّ من قبلِكم. وفي رواية قال لهم: احموا ظهورنا، إن رأيتمونا نُقتَل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نَغنَم فلا تُشرِكونا).[3]
- استبسل عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في القتال، فأجهز على حملة الألوية من مُشركي قريش.
- ظهرت شجاعة أبي دجانة -رضي الله عنه- عندما قبِل أن يأخذ السّيف بحقّه من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأبلى بلاءً حسناً.
- استُشهِد حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- على يدَيْ وحشيّ الحبشيّ، ومُثِّل بجسده الطاهر.
- أوذِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فشُجّ رأسه، وكُسِرت رباعيّته.
- جاء أبيّ بن خلف مُقبِلاً على فرسه يريد قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فطُعِن أبيّ بن خلف في عنقه.
- تعرّض عدد من شُهداء أُحد الذين بلغ عددهم سبعين شهيداً للتمثيل بجُثَثهم.
دروس وعِبَر من غزوة أُحُد
كانت غزوة أُحد من أهمّ الغزوات التي حملت في مُقدّماتها وأحداثها ونتائجها دروساً وعِبراً كثيرةً، من أهمّها ما يأتي:[4]
- أهميّة الشورى في حياة المسلمين؛ حيث كان قرار الخروج لملاقاة المشركين في أُحد بعد مشورة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للصحابة رضي الله عنهم.
- إنّ الشدائد تكشف حقيقة النفوس؛ فكانت غزوة أُحد سبباً في كشف المنافقين وعدم صدق إيمانهم؛ حيث انسحبوا بثلث الجيش لحِجَج واهية، وعادوا إلى المدينة المنورة.
- ظهور حماسة الشُّبان الصغار لحماية الدين ونصرة العقيدة، مثل: سمرة بن جندب، ورافع بن خديج؛ حيث استأذنا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالمشاركة في الغزوة.
- كشف غزوة أحد عن أهميّة التخطيط العسكريّ، وتنظيم أماكن الجُند، حيث ظهرت براعة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في التنظيم، ووضع الخطط اللازمة قبل بدء المعركة.
- بيان أنّ مخالفة أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- تجلب إلى الأمّة المَهالك والشرور؛ إذ كانت مخالفة الرُّماة لأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واجتهادهم بالنزول عن جبل الرُّماة سبباً مهمّاً في انقلاب نتيجة الغزوة لصالحِ مُشركي قريش.
- إشاعة خبر مقتل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيها إشارة إلى ضرورة أن تتهيّأ الأمّة لذلك اليوم الذي لا يكون بينهم الرّسول صلّى الله عليه وسلم، وأنّ مسيرة رسالة الإسلام مستمرّة إلى قيام السّاعة خلافاً لمُبلّغها، قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).[5]
المراجع
- ^ أ ب ت إيهاب أحمد (3-3-2015م)، "عرض إجمالي لغزوة أحد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ محمد الجنباز (12-1-2017م)، "أحداث غزوة أُحد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن محمد بن إسحاق، الصفحة أو الرقم: 251، صحيح.
- ↑ محمد البوطي (1426هـ)، فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دمشق: دار الفكر، صفحة: 177-182. بتصرّف.
- ↑ سورة 144، آية: آل عمران.