حق الله على العباد طب 21 الشاملة

حق الله على العباد طب 21 الشاملة

حقُّ الله على العباد

خلق الله جَميعَ المَخلوقات بأكمل وأتمّ صورة، وكان الهدفُ والغايةُ الأولى المَقصودة من جميع تلك المخلوقات هي عبادة الله - سبحانه وتعالى - وتقديسه وتنزيهه، وأنّه هو الإله المُتفرّد بالخلق، وهو الأحقّ بأن يُعبدَ من دون وجود شريكٍ له في ذلك، فلذلك كما خَلَقهم وأحسن في خلقهم كان حقّاً عَليهم أن يَشكُروه بحُسن العبادة، والعمل بجَميع الأمور والأعمال التي يَطلبها منهم دون إبداء امتعاضٍ من كثرة تلك الأعمال أو صعوبتها إن كان فيها شيءٌ من الصعوبة، ويجب أن يَعتقد الناسُ جميعاً أنّهم مهما قدّموا لله من العمل والعِبادة والطاعة فلن يوفوهُ ما وَهبَهم من نعمه.

إنّ حقّ الله على العباد بالدرجة الأولى هو عبادته وتوحيده وتنزيهه عن كلّ نقصٍ يرد لغيره من الخلق، ومع كلِّ ذلك فإنّ الله غنيٌ عن الخلق، فليست له حاجةٌ في عبادتهم، كما أنّه لا يتضرّر بكُفرهم به، وقد ورد عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال: (يا عبادي؛ إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظَالموا، يا عبادي كلّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي كلّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلّكم عارٍ إلا من كسوتُه، فاستكسوني أكْسُكُم، يا عبادي، إنّكم تُخطؤون بالليلِ والنّهارِ، وأنا أغفرُ الذّنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرُ لكم، يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني، يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلِ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني فأعطيتُ كلّ إنسانٍ مسألتَه، ما نقص ذلك ممّا عندي إلا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ، يا عبادي إنّما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه).[١]

معنى العِبادة

العِبادة في اللّغة

العبادة مصدر عَبَدَ، وعَبَدْتُ اللهَ أَعْبُدُهُ عِبَادَةً؛ بمعنى الانقِيَاد وَالخُضُوع، ومنها العَابِدُ، وَالْجَمْعُ عُبَّادٌ وَعَبَدَةٌ، وَالعَبْدُ خِلَافُ الحُرِّ، وَهُوَ عَبْدٌ بَيِّنُ العَبْدِيَّةِ وَالعُبُودَةِ وَالعُبُودِيَّةِ، وجمعها أَعْبُدٌ وَعَبِيدٌ وَعِبَادٌ، ويُقال: أَعْبَدْتُ زَيْدًا فُلَانًا؛ أي مَلَّكْتُهُ إيَّاهُ لِيَكُونَ لَهُ عَبْدًا، وَاسْتَعْبَدَهُ وَعَبَّدَهُ بِالتَّثْقِيلِ؛ أي اتَّخَذَهُ عَبْداً.[٢]

العِبادة في الاصطلاح

ذكر العلماء مجموعة من التعريفات للعبادة، من ذلك قولهم إنّ المقصود بالعبادة: هي اسمٌ عامٌ جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضى به من قولٍ أو عملٍ باطنٍ أو ظاهر، ويرى ابن تيمية أنّ العبادة هي: طاعة الله المُتمثّلة بامتثال ما أمر به وأخبر به عنه الرّسل والأنبياء؛[٣] حيث إنّ العبادة لله هي الغاية الأولى من خلق الخلق فهي صفةٌ محبوبةٌ عند الله - عزّ وجل - بها يرضى عن الخلق، قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).[٤]

لإتمام غاية عبادة الله وتفهيمها للناس أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء، فبلّغوا عن الله بمضمونها؛ حيث إنّ جميع الشرائع والرسالات التي جاء بها الأنبياء قد اتفقت حول هذه الغاية؛[٥] ويظهر ذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)،[٦] فدلّ ذلك على أنّ الغاية التي جاب بها جميع الرسل والأنبياء من خلق الناس والخلق كافّة هي العبادة لا غيرها.

الفرق بين العبادَة والطَّاعَة

يوجد فرقٌ ظاهرٌ بين الطّاعة والعبادة؛ فالْعِبَادَة تعني غَايَة الخضوع والتذلّل للمعبود، وَلَا تكون العبادة إِلَّا لمُنعمٍ مُتفضّلٍ شديد الإنعام، ولذلك فلا تصدق العبادة ولا يستحقّها إلا الله سبحانه وتَعالى؛ فهو وحده الإله المُنعِم المُتفضِّل بالنِّعَم، وهو وحده الخالق الرزّاق، وَلَا توجد العِبَادَة إِلَّا لمن عرف معبوده وخضع له خضوعاً تاماً وانقاد لأوامره وانتهى عن نواهيه، أمّا الطَّاعَة فتعني: الفِعل النّاتج عن طلب من هو دون اللهِ في المنزلة من حيث القدر ومن حيث الإنعام، وفي هذه الحالة يُسمّى الفعل الناتج عن ذلك الطلب طاعةً، ويصحّ إيراد لفظ الطّاعة على المخلوق كما أنه يصدق ويصح إطلاقه للخالق، فيقال أطاع فلانٌ ربه، ويصح أن يُقال في معرضٍ آخر: أطاع فلانٌ سيده، أو أطاع والده، إلى غير ذلك.

العِبَادَة لا تكون إِلَّا للخالق عزّ وجل، وتكون الطاعة بأن يتَّبِع المدعوّ الدَّاعِي في تنفيذ ما طلبه منه وإن لم يقصد الانقياد له، فيحصل أن يُطيع الإنسان الشيطان ببعض الأعمال دون إرادة طاعة الشيطان في الحقيقة، لكنّه يفعل ذلك اتباعاً لهواه فيطيع الشيطان دون قصدٍ مباشرٍ لطاعته، أو إقرارٍ منه بأنه منقادٌ له، فيكون قد أطاعه في المضمون دون الانقياد، أمّا العبادة فلا تتحصل إلا بالانقياد التام كما سبق بيانه.[٧] أما ما يريده الله من عباده فهو العبادة المرافقة للطاعة التامة المطلقة، فمجرد إطاعة الله في بعض الأعمال لا تعني كمال العبودية له، بينما تصدق العبادة عليهما معاً.

أنواع العبادة

يُمكن للعبد أن يُطيع خالقه ويتقرّب إليه بمجموعةٍ من الأعمال والوسائل الموصلة إلى الله، والتي تصل إلى تأدية حق الله على العبد بالنتيجة، وتجعله يُقيم الغاية التي جاء وخُلق لأجلها، ومن تلك الأمور:[٨]

شروط قَبول العبادة

للعبادة شرطان رئيسان لا بُدّ من توافرهما في العمل المقصود منه التقرُّب إلى الله سواءً كان ذلك العمل قلبياً أم جسدياً أم لسانياً، وهذان الشرطان هما:

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2577.
  2. ↑ أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثمّ الحموي، أبو العباس، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 389، جزء 2. بتصرّف.
  3. ↑ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (2002)، تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد (الطبعة الأولى)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 29. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
  5. ↑ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (1984)، التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار طيبة، صفحة 191. بتصرّف.
  6. ↑ سورة هود، آية: 50.
  7. ↑ أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري، الفروق اللغوية، القاهرة - مصر: دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع، صفحة 221. بتصرّف.
  8. ↑ عبدالله بن صالح القصيِّر (4/5/2016)، "أنواع العبادة في الإسلام"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25/1/2017. بتصرّف.
  9. ↑ سورة الإسراء، آية: 57.
  10. ↑ سورة الزمر، آية: 2-3.
  11. ↑ سورة البينة ، آية: 5.
  12. ↑ سورة الأنعام، آية: 153.
  13. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 23536.