بر الوالدين طب 21 الشاملة

بر الوالدين طب 21 الشاملة

بر الوالدين

برّ الوالدين هو ما كان ضدّ العقوق، حيث قال ابن منظور:" والبرّ ضدّ العقوق، والمبرّة مثله، وبررت والدي: بالكسر أبرّه برّاً، وقد برّ والده يبرّه ويبرّه برّاً، فيبرّ على بررت، ويبرّ على بررت "، وقال:" ورجل برّ من قوم أبرار، وبارّ من قوم بررة، وروي عن ابن عمر أنّه قال: إنّما سمّاهم الله أبراراً لأنّهم برّوا الآباء والأبناء "، وقال:" كما أنّ لك على ولدك حقّاً كذلك لولدك عليك حقّ ". (1)

وقال ابن الأثير رحمه الله:" لبِرُّ بالكسر الإحسان، ومنه الحديث في برّ الوالدين: وهو في حقّهما وحقّ الأقربين من الأهل ضدّ العقوق: وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقّهم "، واصطلاحاً: برّ الوالدين: هو الإحسان إليهما، بالقلب، والقول، والفعل تقرّباً إلى الله تعالى. (2)

حكمه التكليفي

لقد أولى الإسلام الوالدين اهتماماً بالغاً، حيث جعل طاعتهما وبرّهما من أفضل القربات إلى الله تعالى، ونهى كذلك عن عقوقهما، وشدّد على هذا الأمر كثيراً، كما ورد في القرآن الكرين قوله سبحانه وتعالى:" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً "، الإسراء/23 .

وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وقد قرن برّ الوالدين بذلك، وكلمة القضاء في الآية السّابقة جاءت بمعنى الوجوب، والإلزام، والأمر. كما أنّه سبحانه وتعالى قد قرن شكرهما بشكره في قوله سبحانه وتعالى:" أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ "، سورة لقمان، 14 ، فإنّ الشّكر لله سبحانه وتعالى يكون على نعمة الإيمان، وأمّا شكر الوالدين فيكون على نعمة التّربية الصّالحة، وقد قال سفيان بن عُيينة:" مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَهُمَا ".

وقد ورد في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود قال:" سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَْعْمَال أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَل؟ قَال: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ "، رواه البخاري . فقد أخبرنا النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّ برّ الوالدين من أفضل الأعمال بعد الصّلاة، والتي هي دعامة من دعائم الإسلام.

وقد قدّم الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - برّ الوالدين في الحديث على الجهاد، حيث أنّ برّ الوالدين فرض عين، ولا ينوب عنه فيه أحد آخر، فقد قال رجل لابن عبّاس:" إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَغْزُوَ الرُّومَ، وَإِنَّ أَبَوَيَّ مَنَعَانِي. فَقَال: أَطِعْ أَبَوَيْكَ، فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرَكَ "، ولا يختصّ برّ الوالدين بكونهما مسلمين، بل حتى ولو كانا كافرين فإنّه يجب عليه أن يبرّهما، ويحسن إليهما، ما لم يأمراه بشيء فيه شرك أو معصية للخالق (3)، قال سبحانه وتعالى:" لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "، سورة الممحتنة، 8 .

كيفيّته

إنّ البرّ بالوالدين يكون من خلال الإحسان إليهما، والقول اللين، والتّرفق بهما، ومحبّتهما، وتجنّب القول الغليظ الذي يسبب نفرتهما، ومنادتهما بما يحبّان من الألفاظ، وقول ما ينفعهما في أمور دنياهما وآخرتهما، وتعليمهما ما يحتاجان من أمور الدّنيا والدّين، ومعاشرتهما بالمعروف، وهو كلّ ما عرف جوازه في الشّرع، وإطاعتهما في كلّ ما يأمرانه به، من أمر واجب أو مندوب، وترك ما يأمران بتركه ما لم يكن في ذلك ضرر.

وإنّ من برّ الوالدين أيضاً عدم محاذاتهما في المشي، وعدم التقدّم عليهما، إلا في حالات الضّرورة مثل الظلام، وعدم الجلوس عند الدّخول عليهما إلا بإذنهما، وأن لا يقوم إلا بإذنهما، ولا يستقبح منهما أمراً حال كبرهما وعجزهما لأنّ ذلك يؤذيهما، قال الله سبحانه وتعالى:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "، سورة النّساء، 36 .

وقال ابن عبّاس:" يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ، فَلاَ يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ، وَلاَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا، وَلاَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا "، وإنّ من أوجه البرّ والأحسان إليهما أيضاً عدم الإساءة إليهما بسبّ أو شتم، أو إيذاؤهما بأيّ شكل من الأشكال، لأنّ ذلك يعدّ من الكبائر بلا أيّ خلاف، فقد ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُل وَالِدَيْهِ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ: وَهَل يَشْتُمُ الرَّجُل وَالِدَيْهِ؟ قَال: نَعَمْ، يَسُبُّ الرَّجُل أَبَا الرَّجُل فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ "، وفي رواية أخرى:" إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُل وَالِدَيْهِ. قِيل: يَا رَسُول اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُل وَالِدَيْهِ؟ قَال: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُل فَيَسُبُّ الرَّجُل أَبَاهُ "، رواه البخاري

وإنّ من برّ الوالدين أيضاً صلة من كان ودّاً لهما (3)، فقد ورد في الصّحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُل أَهْل وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ، فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ يَحْفَظُ أَهْل وُدِّهِ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الإِْحْسَانِ إِلَيْهِ "، رواه مسلم

أدلة بر الوالدين

إنّ الأدلة على وجوب برّ الوالدين من الكتاب والسّنة النّبوية كثيرة، نذكر منها: (2)

بر الوالدين بعد موتهما

يمكن للإنسان أن يبرّ والديه بعد موتهما وذلك من خلال ما يلي: (2)

المراجع

(1) بتصرّف عن كتاب عقوق الوالدين: أسبابه - مظاهره - سبل العلاج/ محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد/ موقع وزارة الأوقاف السعودية.

(2) بتصرّف عن كتاب بر الوالدين/ د. سعيد بن وهف القحطاني/ مطبعة السفير- الرياض/ الجزء الأول.

(3) بتصرّف عن الموسوعة الفقهيّة الكويتية/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.