يؤدي جهاز الدّوران المُكوَّن من القلب والأوعية الدّموية في جسم الإنسان وظيفةً شديدة الأهميّة، فهو ينقل الغذاء من الجهاز الهضميّ، والأكسجين من الرّئتين عبر الدّم، إلى أنسجة الجسم وأعضائه المختلفة، وينقل الفضلات من الخلايا إلى الأعضاء المتخصّصة بطرحها خارج الجسم، مثل: الكبد، والكليتَين، وينقل ثاني أكسيد الكربون من خلايا الجسم إلى الرّئتين اللتين تطرحانه بدورهما خارج الجسم. يؤدّي جهاز الدوران وظيفة النّقل من خلال نظام الدّورة الدّمويّة، التي تُقسَم إلى دورة دمويّة كُبرى، ودورة دمويّة صُغرى.[1]
يُعدّ العالم والطّبيب العربي المسلم أبو الحسن عَلاء الدِّين عليُّ بن أبِي الحزم، المعروف بابن النَّفيس (1210م-1288م)، أوّل من اكتشف الدّورة الدّمويّة الصّغرى، وقد ضمّن اكتشافه في كتابه شرح تشريح القانون، ويكون بذلك قد سبق كلّاً من سيرفيتوس ووليم هارفِي بقرونٍ طويلةٍ، كما أنّه هو الذي صحّح أخطاء العالم جالينوس الذي افترض أنّ الدّم الموجود في الجهة اليُسرى من القلب يمكن أن يختلط بالدّم الموجود في الجهة اليمنى، وأشار ابن النفيس إلى وجود جدار صلب يفصل البطين الأيسر تماماََ عن البطين الأيمن، وأن الدّم يجب أن ينتقل من البطين الأيمن إلى الرّئتين قبل أن ينتقل إلى البطين الأيسر، ومع ذلك لم يحظ هذا العالم المسلم بما يستحقّه من شهرة وتكريم؛ بسبب الأوضاع السّياسيّة المُضطربة التي كانت سائدةً في الدّولة العربيّة الإسلاميَّة في ذلك الوقت، بحيث لم تكن مُلائمةً لانتشار أفكار عالمنا الجليل ابن النفيس ومكتشفاته.[2][3]
وُلِد ابن النّفيس في دمشق، وتعلّم في مدارسها، ثمّ تعلَّم الطّب في مستشفى النُّوري الكبير في دمشق، ثمّ انتقل إلى مصر ومارس الطّب في المستشفى النَّاصري، ثمّ انتقل إلى المستشفى المنصوريّ الذي أنشأه السُّلطان قلاوون، وتولّى منصب عميد الأطباء فيه، وفيما بعد أصبح ابن النّفيس الطّبيب الخاص للظاهر بيبرس حاكم مصر في ذلك الوقت، وقد حظِي بتقديره فعيّنه رئيساََ لأطباء مصر. ألّف ابن النّفيس الكثير من كُتب الطّب، من أهمّها: شَرح قانون ابن سينا، والشّامل في الطّب، والمهذَّبُ في الكحل المُجرَّب، والموجز في الطّب، وشرح فصول أَبقراط، وبغية الفِطن من علم البدن، وغيرها من الكتب.[2]
برع ابن النّفيس في الفلسفة، والفقه والحديث، واللغة، وألّف كُتباََ منها: الرِّسالةُ الكامليّة في السِّيرة النَّبوية، وكتاب فاضل بن ناطق، وهو كتاب شبيه بكتاب حيّ بن يقظان لابن طُفيل الأندلسي، ويَفترِض ابن النفيس في كتابه هذا تَخلُّق إنسانٍ من العَناصِر الأربعة: الماء، والهواء، والأرض، والنّار، ويتدرّج فيه حتّى يصل إلى كيفيّة توصُّل هذا الإنسان الوحيد إلى اكتشاف الحكمة والعلوم المختلفة، ثمّ التّوصُّل إلى معرفة السُّنن الشّرعيّة.[2]
يُعدّ العالم وليم هارفي (William Harvey) أوّل من اكتشف الدّورة الدّمويّة الكبرى، وقد كان الاعتقاد السّائد قبل هارفي أنّ الكبد هو الذي يضخ الدّم المُحمَّل بالغذاء إلى أجهزة الجسم، وأنّ الدّم الذي يتمّ إنتاجه يُستهلَك من قِبَل أجهزة الجسم مباشرةََ. قادت معرفة وليم هارفي إلى وجود صمّامات في الأوردة، تسمح بمرور الدّم باتجاه واحد، وتمنع رجوعه إلى الخلف لاكتشاف أنّ الدّم يسير باتجاه واحد داخل نظام من الأوردة والشّرايين، وأنّ القلب هو المضخّة التي تضخ الدّم، وليس الكبد كما كان الاعتقاد سابقاََ.[4]
تلقّى وليم هارفي (1 نيسان/1578م-3 حزيران/1657م) الطّبيب الإنجليزي تعليمه في مدرسة الملك في كانتربري، وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1597م من جامعة غنفيل وكيوس في كامبريدج، ثمّ تخرّج كطبيب في عام 1602م من جامعة بادوفا في إيطاليا، وبعد تخرّجه عاد إلى إنجلترا وحصل على درجة أستاذ في الطّب من جامعة كامبريدج، وفي عام 1618م أصبح الطّبيب الخاص للملك جيمس الأول حتّى وفاته، ثمّ اختاره الملك تشارلز الأول ليصبح طبيبه الخاص.[5]
نشر وليم هارفي العديد من الدّراسات العلميّة، منها: دراسة تشريحيّة عن حركة القلب والدّم في الحيوانات، ودراسة عن التطوّر التّدريجي للأجنّة في البيضة، إلا أنّه لم يتمكّن من فهم عملية تخصيب البويضة بواسطة الحيوانات المنويّة، وقد كان اكتشافه للدورة الدّمويّة الكُبرى في جسم الإنسان هو أهمّ اكتشافاته.[5]
توضّح الدورة الدّمويّة الصّغرى، أو الدّورة الرّئويّة (بالإنجليزيّة: The pulmonary circuit) مسار الدّم بين القلب والرّئتين، وتمرّ بالمراحل الآتية:[1]
توضّح الدّورة الدّمويّة الكبرى، أو الدورة الجهازيّة (بالإنجليزيّة: Systemic Circuit) مسارَ الدّم بين القلب وأجزاء الجسم المختلفة باستثناء الرّئتين، وتمرّ بالمراحل الآتية:[1]