أرسل الله -سبحانه وتعالى- رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- وجعله إماماً للمتقين، ورحمةً للعالمين، ونجاةً للموحّدين، وحُجّةً على الخلائق أجمعين، وشفيعاً للمذنبين، وهدى به النّاس إلى سبل الرشاد، وطرق النّجاة، وافترض علينا توقيره، وطاعته، والقيام بحقوقه، ورعايته، والصلاة والسلام عليه، حتى قال بعض العلماء إن ممّا يُميّز سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنّ الله -سبحانه وتعالى- لم يصلِّ على غيره من الأنبياء، لا في القرآن الكريم ولا غيره، فقد قال -تعالى- في محكم كتابه: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).[1][2]
قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتبليغ رسالة ربّه على أكمل وجه، وقد نصح الأمّة ودلّها على الخير وحذّرها من الشر، فبشّر وأنذر، وأدّى الأمانة، وسلّم المسلمون الرسالة، فكان عليهم التسليم والانقياد لما جاء فيها، ليحقّقوا السعادة في الدنيا والآخرة،[3] ومن الأمور التي بيّنها وحث عليها هي الصلاة والسلام عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وفيما يأتي بيان فضل الصلاة على رسول الله:[4]
بيَّن الله -تعالى- أنّه -سبحانه- وملائكته المقرّبين يدعون للنّبي -صلى الله عليه وسلم- ويُثنون عليه، ثمّ أَمَر المؤمنين أن يصلّوا ويسلّموا على رسول الله؛ لأنّهم الأحق بذلك، لِما نالهم من شرف وبركة رسالته في الدنيا والآخرة، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمّته كيف يصلّون عليه في ما رواه كعب بن عجرة، حيث قال: (إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقُلنا: يا رسول اللَّه، قد علمنا كيف نُسلم عليك، فَكيف نُصلي عليك؟ قال: فقولوا: اللَّهُم صلِّ على مُحمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، اللَّهُمَّ بارِك على مُحمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ).[9][10]
إن قول المسلم اللَّهُمَّ: تعني يَا الله، ومعنى الصلاة من الله أي الثناء من الله -سبحانه وتعالى- على نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- في الملأ الأعلى، ورفع ذكره، والصلاة من الملائكة -عليهم السلام- تعني طلب الملائكة من الله -تعالى- أن يُثني على نبيّه، ويُعلي ذِكره، أمّا الصلاة من المسلم المصلّي على رسول الله فتعني الثناء على رسول الله، والطلب من الله أن يُثني عليه في الملأ الأعلى، ومُحمَّد جاءت على صيغة مبالغة، لتفيد كثرة الحامدين له، واستحقاقه لهذا الحمد مرةً بعد أخرى، وآل محمد قيل: إنّهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وبنو المطلب، وبنو هاشم، واختار جماعة من العلماء منهم الثوري، والنووي، والأزهري، أنّها تشمل اتّباع النبي إلى يوم القيامة.[10]
وتعتبر الصلاة على آله من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأنّها مما تقَرّ بها عينه، ويزداد بها شرفاً، والمقصود بآل إبراهيم أنّه لما كان النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- خير آل إبراهيم، اقتضى ذلك أن يطلب المصلّي عليه من ربّه أن يصلّي عليه، ويبارك فيه كما صّلى على إبراهيم وآله وبارك فيهم، ويكون ذلك كأنّه صلّى عليه مرّتين بصلاته عليه، وصلاته على آل إبراهيم؛ لأنّه داخلاً فيهم، وهذا السر في أنّ الصلاة الإبراهيمية أفضل الصيغ للصلاة على النبي لكونها تضمّنت فضل الصلاة على النبي، وفضل الصلاة على إبراهيم ومن كان في ذريّته من الأنبياء والمرسلين، والحميد هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى ناسب ذكره هنا؛ لأنّه يعني أنّ الله له من أسباب الحمد ومن الصفات ما يقتضي أن يكون محموداً بذاته، والمجيد هو اسم من أسماء الله الحسنى، يعني المستلزم للجلال والعظمة، وقد ناسب أن تختم هذه الصلاة بهذين الاسمين طلباً لزيادة الكمال في حمد النبي وتمجيده عند الله تعالى.[10]