سبب نزول سورة الفتح طب 21 الشاملة

سبب نزول سورة الفتح طب 21 الشاملة

سورة الفتح

تُعدّ سورة الفتح من السور المدنية؛ إذ إنّها نزلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما رجع مع أصحابه من الحديبية، وقد بلغ عدد آياتها تسعاً وعشرين آية، أمّا كلماتها فبلغت خمسمئةٍ وثلاثين كلمة، وحروفها ألفين وأربعمئةٍ وثمانٍ وثلاثين حرفاً،[1] وكان نزول سورة الفتح قبل نزول سورة التوبة وبعد نزول سورة الصف، أمّا موضع نزولها فكان في المنطقة الواقعة بين مكة والمدينة والتي يُطلق عليها كُراع الغميم، وتقع سورة الفتح في الترتيب الثامن والأربعين في المصحف العثماني.[2]

سبب تسمية سورة الفتح

سمّيت سورة الفتح بهذا الاسم لِما تضمّنته من ذكر الفتح الذي تحقّق للنبي -عليه الصلاة والسلام- والمسلمين بعد الذي اعتراهم يوم الحديبية من منع المشركين لهم من أداء المناسك، وقد وردت تسمية سورة الفتح على لسان الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُعرف لها اسمٌ آخرٌ، وتعدّدت الروايات والأحاديث التي ورد فيها ذكر سورة الفتح، منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أنّه قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ علَى ناقَتِهِ، وهو يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ، وقالَ: لَوْلا أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كما رَجَّعَ)،[3] إضافةً إلى ما رُوي عن سهل بن حنيف يوم صفّين حين قام بين الناس وقال: (اتَّهِمُوا أنْفُسَكُمْ فَلقَدْ رَأَيْتُنَا يَومَ الحُدَيْبِيَةِ -يَعْنِي الصُّلْحَ الذي كانَ بيْنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُشْرِكِينَ- ولو نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ فَقالَ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ أليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ، وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا ونَرْجِعُ، ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا، فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أبَداً، فَرَجَعَ مُتَغَيِّظاً فَلَمْ يَصْبِرْ حتَّى جَاءَ أبَا بَكْرٍ فَقالَ: يا أبَا بَكْرٍ ألَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ قالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ إنَّه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أبَداً، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ).[4][2]

سبب نزول سورة الفتح

تمثّل سبب نزول سورة الفتح بصلح الحديبية؛ حيث كان ابتداء الأمر حينما عزم النبي -عليه الصلاة والسلام- على أداء مناسك العمرة، فتوجّه إلى مكة المكرمة مُحرماً وساق الهدي معه، وحينما علمت قريش بمقدم النبي تجهّزت لقتاله وبعثت رسولها إلى النبي، فبعث -عليه الصلاة والسلام- عثمان بن عفان رسولاً إليهم ليبيّن لهم أنّه ما جاء إلّا مُحرماً معظّماً بيت الله الحرام، وأنّه لا يريد قتالاً، إلّا أنّ قريشاً حبست عثمان بن عفان ووصل الخبر إلى المسلمين بأنّه قُتل، فدعا النبي المسلمين إلى مبايعته على قتال الأعداء والصبر على ذلك، ثمّ وصلت أخبارٌ إلى النبي تؤكّد سلامة عثمان من القتل، وحينما علمت قريش بأمر البيعة وأظهرت نوايا الصلح بعثت سهيل بن عمرو للنبي ليعرض عليه الصلح فوافقه النبي، وعُقدت بين الفريقين معاهدةٌ عُرفت بصلح الحديبية، وقد أظهر النبي مرونةً كبيرةً في إتمام هذا الصلح، ومن ذلك أمره لعلي ابن أبي طالب أن يكتب "باسمك اللهم" بدلاً من "بسم الله الرحمن الرحيم" حينما اعترض عليها سهيل بن عمرو، وكذلك كتابته "محمد بن عبد الله" بدلاً من "محمد رسول الله"، وبعد إتمام الصلح تحلّل النبي من إحرامه، فحلق رأسه، ونحر هديه، ثمّ ارتحل عن الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح بين مكة والمدينة.[1]

فضل سورة الفتح

تعدّ سورة الفتح من المثاني التي أُوتيها النبي عليه الصلاة والسلام، إذ قال: (أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ)،[5] كما أنّ سورة الفتح من أحبّ السور إلى قلب النبي؛ فقد وصف نزولها عليه بأنّها أحبّ إليه من الدنيا وما فيها، فقد رُوي عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب أنّه قال: (كنا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفَرٍ، فسأَلْتُه عن شيءٍ ثلاثَ مرَّاتٍ فلم يَرُدَّ عليَّ، قال: فقُلتُ لنَفْسي: ثَكِلَتْكَ أمُّك يا ابنَ الخطَّابِ، نزَرْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ مرَّاتٍ فلم يَرُدَّ عليكَ، قال: فرَكِبتُ راحِلَتي، فتقَدَّمتُ مَخافَةَ أن يكونَ نزَل فيَّ شيءٌ، قال: فإذا أنا بمُنادٍ يُنادي يا عُمَرُ، أينَ عُمَرُ؟ قال: فرجَعتُ وأنا أظُنُّ أنه نزَل فيَّ شيءٌ، قال: فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نزَلَتْ عليَّ البارِحَةَ سورةٌ هي أحَبُّ إليَّ منَ الدنيا وما فيها، إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)،[6][7] كما كانت بعض آيات سورة الفتح سبباً في إدخال السرور إلى قلوب المسلمين كما أدخلت آياتها السرور إلى قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فحينما نزل قوله تعالى: (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)،[8] تساءل المسلمون عن نصيبهم من السورة فنزل قوله تعالى: (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا).[9][10]

مقاصد سورة الفتح ودلالاتها

تضمّنت سورة الفتح العديد من المقاصد والدلالات والدروس والعِبر، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[2]

تفسير سورة الفتح

فسّر الإمام السعدي سورة الفتح، وبيّن العديد من الأمور التي اشتملت عليها، وبيان ذلك فيما يأتي إضافةً إلى ما ورد في كتاب الدرّ المنثور في التفسير المأثور للإمام السيوطي:[11][12]

هل قراءة سورة الفتح تيسّر الأمور؟

إنّ قراءة سورة الفتح في وقتٍ معينٍ بحُجّة تيسير الأمور بدعةٌ من البدع التي لا أصل لها في السنة النبوية، وقد عرّف الإمام الشاطبي البدعة بأنّها أداء عباداتٍ معينةٍ في أوقاتٍ معينةٍ دون تعيين ذلك في الشريعة، والالتزام في ذلك وفق هيئاتٍ وكيفياتٍ معينةٍ،[44] وأمّا ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مغفل أنّه قال: (قَرَأَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ، سُورَةَ الفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا، قالَ مُعَاوِيَةُ: لو شِئْتُ أنْ أحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَفَعَلْتُ)،[45] فلا يدل على تخصيص قراءة سورة الفتح بنية النصر على الأعداء، والدليل على ذلك أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعلّم ذلك لأصحابه، ولو علّمهم ذلك لكانت سنةً، كما لم يرد في السنة ذكر الوقت الذي قرأ فيه النبي سورة الفتح وهل كان ذلك قبل الفتح أم بعده، كما تدلّ قراءة النبي لتلك السورة يوم الفتح أنّها جاءت لمناسبة المقام والحدث، فقد أُنزلت يوم الحديبية حينما بشّر الله -تعالى- المؤمنين بفتح مكة، فأراد النبي تذكير المسلمين بتصديق الرؤيا التي رآها، والوعد الذي وعدهم االله إياه، وبيّن لهم أنّ الله لا يخلف وعده، وأمّا ما يُشرع من التوسّل فهو ما كان توسلاً بالأعمال الصالحة والطاعات التي تقرّب إلى الله تعالى، وقراءة القرآن، والذكر على كلّ حالٍ.[46]

________________________________________________________________

الهامش:

المراجع

  1. ^ أ ب الإمام القاضي مجير الدين المقدسي الحنبلي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة 1)، دولة قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 330-332، جزء 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "مقاصد سورة الفتح "، www.islamweb.net، 2018-9-30، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 4281، صحيح .
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 4844، صحيح.
  5. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة، الصفحة أو الرقم: 1059، صحيح.
  6. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1/114، إسناده صحيح.
  7. ↑ الشيخ محمد بن رزق بن طرهوني (1414)، موسوعة فضائل سور وآيات القرآن (الطبعة 2)، السعودية: مكتبة العلم، صفحة 117-120، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب سورة الفتح، آية: 1.
  9. ^ أ ب سورة الفتح، آية: 5.
  10. ↑ محمد فقهاء (2018-4-16)، "خواطر حول سورة الفتح (2)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
  11. ↑ "سورة الفتح - تفسير السعدي"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
  12. ↑ الإمام جلال الدين السيوطي (2011)، تفسير الدر المنثور في التفسير المأثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 507-545، جزء 7. بتصرّف.
  13. ↑ رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4150، صحيح.
  14. ↑ سورة الفتح، آية: 2.
  15. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 2819، صحيح.
  16. ↑ سورة الفتح، آية: 3.
  17. ↑ سورة الفتح، آية: 4.
  18. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3264، إسناده صحيح.
  19. ↑ سورة الفتح، آية: 6.
  20. ↑ سورة الفتح، آية: 7.
  21. ↑ سورة الفتح، آية: 8.
  22. ↑ سورة الفتح، آية: 9.
  23. ↑ سورة الفتح، آية: 10.
  24. ↑ سورة الفتح، آية: 11.
  25. ↑ سورة الفتح، آية: 12.
  26. ↑ سورة الفتح، آية: 13.
  27. ↑ سورة الفتح، آية: 14.
  28. ↑ سورة الفتح، آية: 15.
  29. ↑ سورة الفتح، آية: 16.
  30. ↑ سورة الفتح، آية: 17.
  31. ↑ رواه الإمام السيوطي، في كتاب الدر المنثور في التفسير المأثور، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 13/478، إسناده حسن.
  32. ↑ سورة الفتح، آية: 18.
  33. ↑ سورة الفتح، آية: 19.
  34. ↑ سورة الفتح، آية: 20.
  35. ↑ سورة الفتح، آية: 21.
  36. ↑ سورة الفتح، آية: 22.
  37. ↑ سورة الفتح، آية: 23.
  38. ↑ سورة الفتح، آية: 24.
  39. ↑ سورة الفتح، آية: 25.
  40. ↑ سورة الفتح، آية: 26.
  41. ↑ سورة الفتح، آية: 27.
  42. ↑ سورة الفتح، آية: 28.
  43. ↑ سورة الفتح، آية: 29.
  44. ↑ "حكم قراءة سورة الفتح لهذه الأمور المذكورة في السؤال "، www.islamweb.net، 2009-9-14، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20. بتصرّف.
  45. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 4835، صحيح .
  46. ↑ "حكم قراءة سورة الفتح بنية النصر على الأعداء "، www.islamqa.info، 2009-6-9، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-20.
  47. ↑ "ابن المنذر"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  48. ↑ "ترجمة التابعي ابن جريج"، www.alukah.net، 9/12/2015، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  49. ↑ "التعريف بالإمام ابن جرير الطبري"، islamqa.info، 28-09-2019، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  50. ↑ "ترجمة الإمام البيهقي"، ar.islamway.net، 2017-03-22، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  51. ↑ "الإمام الطبراني"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  52. ↑ "ابن مردويه، أحمد بن موسى"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.
  53. ↑ أ. د. محمد بن تركي التركي (20/10/2011)، "ترجمة موجزة لابن أبي حاتم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2019. بتصرّف.