موضوع عن عقوق الوالدين
فضل الوالدين
إنّ برّ الوالدين من الطّرق الموصلة إلى رضا الله تعالى، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (رِضاءُ اللهِ في رِضاءِ الوالدِ وسخَطُ اللهِ في سخَطِ الوالدِ)،[1] فيجب على المسلم أن يحرص على البرّ بوالديه، ومن صور تحقيق ذلك التّحدث معهما بلطف ولين، وبأحسن وأفضل الكلمات، دون رفع الصّوت عليهما، وبخفض الجناح لهما، حيث قال الله تعالى: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).[2] فالوالدين بحاجةٍ إلى سماع كلام الحب والمودة والحنان من أبنائهم، ومن صور البرّ القيام بما يحبّ الوالدين من الأقوال والأفعال والطّعام والشّراب واللباس وتحقيقه لهما، وكذلك يجب على الأبناء الحرص على زيارة والديهم دون الإنشغال عنهم أثناء الزيارة، بحيث لا ينشغل الأبناء بالهواتف الجوالة أثناء جلوسهم مع والديهم، وقد يكون مبرر وحجّة بعض الأبناء أن والديهم قصّروا بتربيتهم، إلا أن ذلك لا يؤخذ به، حيث أمر الله تعالى ببر الوالدين وإن كانا كافرين، حيث قال: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).[3] فالواجب على المسلم الصّبر على ما يصدر من والديهم، ويخصّ البر بالوالدين في حال كبر سنّهم وعجزهم وضعفهم، حيث إنّهما يكونان بحاجةٍ إلى التّعامل معهما بصبرٍوحلمٍ وسعة صدر؛ لأنّ ذلك سبباً من أسباب دخول الجنّة في الحياة الآخرة.[4]
عقوق الوالدين
بيّن العلماء المقصود بعقوق الوالدين، ومنهم الإمام القرطبيّ الذي عرّف عقوق الوالدين بأنّه مخالفة الوالدين في الأمور الجائزة لهما، وبعكس ذلك عرّف البرّ، فإن طلب أحد الوالدين أو كلاهما أمراً من الأمور من ابنه فوجب على الابن القيام بالأمر، وعدم مخالفة أمرهما، ما دام هذا الأمر يخلو من معصيةٍ لأوامر الله تعالى، وإلّا فيُعدّ من عقوق الوالدين، وفيما يأتي بيان بعض صور العقوق التي يجب تجنّبها والابتعاد عنها:[5]
- عدم إبرار الأبناء بقسم والديهم، أو قسم أحدهما، وذلك إن لم يكن في معصية الله تعالى، ويقع تحت قدرة الابن على الإبرار.
- عدم القيام بأوامر الوالدين، او أوامر أحدهما، إن لم تكن في معصية الله تعالى، وضمن استطاعة الابن.
- خيانة الابن لوالديه، أو أحدهما، على أحد الأمور التي ائتُمن الابن عليها.
- الذهاب إلى الجهاد في سبيل الله تعالى دون إذن الوالدين، أو إذن الحي منهما، وذلك إن كان الجهاد جهاداً كفائياً، فقد ورد في الحديث الصحيح أنه: (جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ فاستأذَنَهُ في الجهادِ فقالَ: أحيٌّ والداكَ؟ قال: نعَم قال: ففيهِما فجاهِدْ وقال: أقبلَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ فقالَ: أبايِعُكَ على الهجرَةِ و الجهادِ أبتَغي الأجرَ منَ اللهِ قال: فَهلْ مِن والدَيكَ أحدٌ حيٌّ؟ قالَ: نعَم بل كِلاهُما حىٌّ قال: أفتَبتَغي الأجرَ منَ اللهِ؟ قالَ: نعَم قال: فارجِعْ إلى والدَيكَ فأحسِنْ صُحبَتَهُما).[6]
- السفر من بلد الوالدين سفراً ليس واجباً، وذلك إن كان السفر يشقّ على الوالدين، أو على الحي منهما.
- الغياب عن الوالدين غياباً طويلاً، أو الغياب عن الحي منهما، وذلك إن كان الغياب دون مبررٍ، مثل أن يكون الغياب ليس لطلب العلم، أو السعي للعمل والكسب.
- سبُّ الوالدين وشتمهما، أو سبّ أحدهما وشتمه، سواءً أكان ذلك بطريقةٍ مباشرةٍ أم غير مباشرةٍ.
- العبوس، وتقطيب الوجه مع الوالدين، مع القيام بأوامرهما وعدم الكلام.
- التأفف والتضجّر من الوالدين، ومن أوامرهما، واستثقالها.
- عدم الإنفاق على الوالدين نهائياً، حتى وإن كان المطلوب من النفقة الوصول إلى حد الكفاف.
- عدم احترام الوالدين وتوقيرهما، ومن صور ذلك: المشي أمامهما، والجلوس قبلهما، ومناداتهما بأسمائهما.
- الإمتناع عن الدّعاء إلى الوالدين في حالة حياتهما وموتهما كذلك، والامتناع عن الاستغفار لهما.
- الامتناع عن صلة أقاربهما وأصدقائهما.
- عدم السعي إلى قضاء ديونهما سواءً أكانت ديون مادية أم معنوية.
خطورة عقوق الوالدين
حذّر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من عقوق الوالدين، حيث ورد عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ حرَّمَ عليكم عقوقَ الأمَّهاتِ، ومنعًا وَهاتِ، ووأدَ البناتِ)،[7] وفيما يأتي بيان بعض عقوبة عقوق الوالدين:[8]
- اختصّ للعاقّ بوالديه بابان يدخل منهما لجهنّم.
- لا يدخل الجنّة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَدخُلُ الجنَّةَ عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدْمِنُ خَمْرٍولا مُكذِّبٌ بقدَرٍ).[9]
- لا ينظر إلى وجه الله تعالى يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إليهِم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديهِ، ومُدمِنُ الخَمرِ، والمنّانُ بما أَعطَى).[10]
- يُحرم من مغفرة الله تعالى لذنوبه ومعاصيه.
- يُحرم من صحبة الأنبياء، والصديقيين، والشهداء في الآخرة.
- عقوبات تعجّل للعاقّ في الدنيا؛ كضيق الرّزق، وعدم قبول أعماله بفتح أبواب السماء لاستقبالها، كما أنّ الله تعالى يبغضه بسبب عقوقه.
- يلعنه الله تعالى، وتلعنه الملائكة، ويلعنه المؤمنون.
- لا يكون دعاءه مستجاباً من الله تعالى.
- سوء الخاتمة؛ فيموت ميتة السّوء، وقبل ذلك يكون أبناءه وأحفاده من العاقّين له.
برّ الأنبياء عليهم السلام
إنّ برّ الوالدين من إحدى الوصايا التي أُرسل بها الأنبياء عليهم السّلام، حيث كان إبراهيم -عليه السّلام- أبو الأنبياء يخاطب أباه الكافر بكلّ رفقٍ ولينٍ ولطفٍ، فكان يقول له: (يا أبتِ)، إلّا أنّ أباه قابل ذلك بتهديده بالضرب والطرد، ورغم ذلك بقي ليّناً رقيقاً بأبيه، وردّ عليه بكل لطفٍ، حيث قال الله تعالى: (قالَ سَلامٌ عَلَيكَ سَأَستَغفِرُ لَكَ رَبّي إِنَّهُ كانَ بي حَفِيًّا)،[11] كما أنّ الله تعالى أثنى على يحيى بن زكريّا عليه السّلام، حيث قال: (وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا)،[12] وكذلك سار المتّبعين لأوامر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- من الصّحابة وغيرهم.[13]
المراجع
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 429، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 23.
- ↑ سورة لقمان، آية: 15.
- ↑ "بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018. بتصرّف.
- ↑ "عقوق الوالدين"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في غاية المرام، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 281، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 5975، صحيح.
- ↑ "عقوق الوالدين".www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في عمدة التفسير، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 1/320، إسناده صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2561، حسن صحيح.
- ↑ سورة مريم، آية: 47.
- ↑ سورة مريم، آية: 14.
- ↑ "نماذج وقصص عن بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018. بتصرّف.