مقالة عن صلاح الدين الأيوبي
صلاح الدّين الأيوبيّ
يعدّ صلاح الدّين الأيوبيّ أحد أشهر الشخصيّات التاريخيّة، فهو القائد الذي خاضَ معركة حطين، وحرّر بيت المقدس من أيدي الصليبيين. وهو الشجاعُ الذي خاضَ العديد من المعاركِ لتوحيد البلاد العربيّة، فاستعادَ أراضي فلسطينَ ولبنان وغيرها. وهو الشخصيّة السمحة الإنسانيّة حتى مع أعدائه، التي تركت أثراً لا يُنسى بشجاعته وفروسيّته.[1]
نسب صلاح الدّين ونشأته
يعود أصل صلاح الدّين إلى عائلةٍ كرديّةٍ، وهم من أسس الدولة الأيوبية. وهو ينتسب إلى نجم الدّين أيّوب شاذي بن مروان الكرديّ. وهو صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، ولد في قرية تكريت القريبة من بغداد، سنة 532 للهجرة الموافق 1137 ميلاديّ. والده أيّوب بن شاذي وقد كان حاكماً على قلعة تكريت، الذي انتقلَ لاحقاً مع أخيه شيركوه وابنه صلاح الدّين إلى الموصل ليحلّا ضيوفاً عند عماد الدّين زنكي.[2][3]
بدأت حياة صلاح الدّين في الموصل، إلى أن انتقلَ ليعيشَ في بعلبكَ، حيث عُيّن أباه حاكماً عليها. فقضى فيها بعض سنوات طفولته، ثمّ انتقل إلى دمشق، فظهرت في دمشق ملامح شخصيّته القويّة، إذ كانَ محطّ تقديرٍ واحترام، وعُيّن رئيساً للشرطةِ، فطهّر دمشق من اللّصوص والمفسدين. ثمّ انتقلَ صلاح الدّين إلى مصرَ مع عمّه القائد، ليقدّم الدعمَ لأهلها الثائرينَ على الخليفة الفاطميّ هناك. فاكتسبَ صلاح الدّينَ في مصرَ حنكته الحربيّة، وحسنَ تصرّفه، وعبقريّته في فنون القتال. ولأنّ صلاح الدّين نشأ في أسرةٍ عريقةٍ فقد كان يصاحبُ الشيوخَ والفقهاءِ والأمراء والمثقفين، فطبعَ ذلكَ فيه الخصالَ الحميدة، والغيرةَ الإسلاميّة، والحكمة والنباهة.[2]
إنجازات صلاح الدّين الأيّوبيّ
بذلَ صلاح الدّين الكثير من الإنجازات في مختلف مراحل حياته، وفي مختلف المناطق العربيّة التي كانَ فيها. وقد كانَ له أثرٌ قويّ في كلّ مكانٍ يقيمُ فيهِ، أو يتولّى فيه الحكمَ، لما يتحلّى به من صفاتٍ حميدة، وذكاءٍ فذّ، وشجاعةٍ غير معهودة. وفيما يأتي ذكر أهم إنجازاته خلال حياته المباركة.
إنهاء الخلافة الفاطميّة في مصر
تولّى صلاح الدّين الوزارةَ في مصرَ بعدَ وفاةِ عمّه، وكانَ قد بلغ 32 عاماً. وقد كانتَ الأوضاعُ غير مستقرّة فيها، فقد كانَ الخطرُ الصليبيّ يقيمُ خلفَ حدودوها، ومن جهة أخرى كانت الدولةُ الفاطميّة تزخر بالثورات والمؤامرات الداخلية. وقد سعى صلاح الدّين لكسب ود المصريين، فكانَ نشيطاً وحكيماً، يستميلُ قلوبَ المصريين بالأموال، وتقويةِ مركزه بدعمٍ من والدهِ. وما لبثَ أن قضى على شوكةِ الجبهة السودانيّة في معركةٍ جرت بينه وبينهم. ومما زاد من شعبية صلاح الدين وحب الناس له انتصاره على الفرنج في دمياط وغزة، واستيلائه على مدينة العقبة ذات الموقع الاستراتيجي المهم.[2]
ويعدّ إنجازه الأهمّ في مصرَ، قضاؤه على الحكمِ الفاطميّ، بهدفِ توحيدِ البلاد على منهجِ السّنة، والتخلّص من المنهجِ الشيعيّ، وإزالة البدعِ. فبدأ صلاح الدّين بتنفيذ خطته، وعن طريق عزل قضاةِ الشيعة، وإزالة أصول المذهبِ الشيعيّ، وبناءِ المدارسِ السنيّة. ثمّ ألغى خطابَ الخليفةِ الفاطميّ العاضد، الأمر الّذي أوضحَ لأهلِ مصرَ انتهاء الخلافة الفاطميّة. وتوفيَ العاضد عام 1172م، فانتهت بذلك الخلافة الفاطميّة نهائيّاً من مصرَ.[4]
توحيد بلاد الشّام
بعدَ أن توفّي نورالدّين، ورثه ابنه الصالح إسماعيل ولم يكن يبلغ من العمرِ إلّا 11 عاماً. فأخذَ الأمراء يتصارعونَ على الحكمِ، مما أدّى لخلقِ الفرقةِ والنزاعاتِ، فأرسلَ أهلُ دمشقَ يستنجدونَ صلاح الدّين لحلّ الأزمة في بلادهم. توجه صلاح الدّين لبلاد الشام ودخل دمشق عام 1174م، فاستلمَ القلعة وأموالها، وجلسَ في قصرِ العدلِ يرفعُ الظلم عن النّاس، ويحلّ مشاكلهم. ثمّ توجه لحمص وحماة ففتحهما، وتصدّى للمؤامرات الإسماعليّة، والإفرنج، والنوارنيين في حلبَ حتّى فتحها.[2]
الحروب الصليبيّة ومعركة حطين
الحروب الصليبيّة هي حملات عسكريّة أوروبيّة، نفذها المسيحيون الأوروبيون على مدى قرنين من الزمان. وكان هدفها أخذ بيت المقدس من المسلمين، والحدّ من الزحف الإسلاميّ. وقد كان صلاح الدّين يتحيّن الفرصةَ المناسبة لتحرير بيت المقدس من الصليبيّين، فعندما اعتدى أمير الكرك الصليبيّ على قافلةٍ للمسلمين، وأسرَ رجالها، اتخذ صلاح الدّين هذه الواقعة ذريعةً لمواجهتهم.[2]
توجّه صلاح الدّين مع جيشه من دمشق إلى حصن الشوبك والكرك، عام 583 للهجرة. وتقابلَ مع الصليبيّينَ في طبريّة، في مكانٍ يسمّى حطين، وقتلَ منهم 10 آلافِ شخصٍ، فحقق انتصاراً عظيماً بمعركة شهيرة سُميّت معركة حطين. ثمّ توجه لعكا ففتحها، ثمّ تبنين، فصيدا، فجبيل، فبيروت، ثمّ توجه لبيت المقدس بعد أن فتحَ الرّملة، والداروم، وغزّة، وبيت لحم، والنطرون، فحاصر عسقلان مدّة 14 يوماً، فاستسلمت. ثمّ حاصرَ بيت المقدس ومنع عنها الإمدادات الصليبيّة، وحاولَ أن يفتحها بالصّلح والسّلم، ولكنّ ذلك لم يجدي نفعاً فلجأ للمقاومة التي استمرّت أسبوعاً حتّى وقعت القدس في قبضة المسلمين.[2]
صفات صلاح الدّين
تمتّع صلاح الدّين بالعديد من الصفات التي ارتبطت بسيرته، ومن أهمها:[5]
- القيادة الحكيمة: إذ كانَ صلاح الدّين قائداً قدوةً، يتحمّل المسؤوليّة، ويتفاعل مع جنوده. وقد اسمتدّ صلاح الدّين صفاته القياديّة من شخصيّة عماد الدّين زنكي ونور الدّين.
- حسن التدبير والحيلة: فكان كلّ نجاحه مبنيّاً على قدرته على فهم الواقع والعدوّ، وإدراك الظروف الداخليّة والخارجيّة. كما كانَ هادئاً غير متسرّعٍ، وقادراً على توظيف القدرات الماديّة والمعنويّة بشكلٍ فعّال.
- الزهد والكرم: إذ أنفق صلاح الدّين الكثير من المال للجهاد، ولصالح أمور الرّعية.
- الوفاء والإخلاص ورد الجميل: فقد أخلصَ صلاح الدّين عمره لخدمة الأمّة الإسلاميّة، ولم يخذل أحداً ممّن وقف في صفه.
وفاة صلاح الدّين الأيوبيّ
في ليلةٍ شعرَ صلاح الدّين بوهنٍ في جسده، فقد أصابته حمّى صفراويّة في بطنه، اشتدّت عليه لأيامٍ عديدة إلى أن وافته المنيّة صباح يوم 27 من صفر سنة 589 للهجرة. وفي ذلك اليوم حزن النّاس حزناً شديداً، وصلّوا عليه ودفنَ في بيته الذي كان فيه في دمشق.[4]
المراجع
- ↑ "صلاح الدين الأيوبي"، جريدة الرياض، 15/5/2015، العدد 17126، صفحة 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح د.عبدالله علوان (2009 )، صلاح الدين الأيوبي: بطل حطين ومحرر القدس من الصليبيين، مصر: دار السلام، صفحة 11-15، 30،31،33،37، 42، 47-51. بتصرّف.
- ↑ "الدولة الأيوبية"، أ.د. راغب السرجاني. بتصرّف.
- ^ أ ب د. علي الصلابيّ (2008)، صلاح الدّين الأيوبيّ: وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس (الطبعة الثانية)، لبنان: دار المعرفة، صفحة640-643 180-182، 190-192. بتصرّف.
- ↑ د.عبدالهادي عباس، م.أحمد حموي، "الدروس المستخلصة من شخصية صلاح الدّين الأيوبيّ وسياسته"، مجلة كلية العلوم الإسلاميّة، العدد 17، صفحة 84،86،96،99،100-103. بتصرّف.