-

تعبير عن مكة

تعبير عن مكة
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مكة

مكة هي مهبِط الأفئدة والقلوب وشفاء العليل والمجروح، إليها تتجه بوصلة كل قلبٍ سليم، وبرؤيتها لا يُقارن شيء بجمالها وعظمتها، فهي بيت الله التي جعلها مطهرةً لكل مذنب ومقصر، وملجأً لكل خائف، بها تتعطر النفوس، وتبتهل القلوب، وتصفى الأفئدة، وتضمحل الهموم، وتنشرح الصدور، وتنطلق الألسن بذكر الله، وتطرب الآذان بسماع آياته.

في مكة تجد الناس قد لبسوا البياض؛ ليعبروا عن بياض قلبوهم، وتحرروا من المخيط الذي به ليعودوا كما ولدتهم أمهاتهم، يتكاتفون من عرب وعجم بألوانهم واختلاف صورهم ولغاتهم، فمكة تقبل كل من أتاها ولا ترد عاشقاً، ولا تحمل في قلبها لمن أحبها إلا الحب، ليلتف الناس حول البيت كأنه الأم فيها أودع الله حجر ذنوبهم.

مكة قبلة القلوب

مكة المكرمة هي قِبلة القلوب التي تتجه إليها دون عناء، وقبلة الأبدان التي تتجه إليها في كل أذان، وقبلة الأرواح التي تجوع لتجد لذة الإيمان، وقبلة كل مهموم غلبه همه ليرى معالم الفرج فيها، وقبلة كل ضائق صدره ليرى العدل فيها، وقبلة كل مذنب ظالم لنفسه ليرى أثر التوبة فيها.

في مكة تجد كل شيء مختلف، فيها القلبُ منشرحٌ فلا يسكنه هم ولا يأس، فيها أبواب متفتحة إلى كل ما هو جميل ومشرق مطمئن، كأنه ولد من جديد، لا يشعر بثقل ولا حزن، ناصعٌ لا يوازيه شيء في النقاء، طاهرٌ لا يشوبه شيء من النجس، صافٍ لا يعكره شيء من الخبث، يألف الناس وتألفه لا يحمل مثقال ذرة من الخُبث، ولا مثقال حبة من مكر، ولا يعلم معنى الكذب، ولا النفاق، لا مكان للكبر في النفوس، فالتواضع هو عَلَم يحلق في سماء كل من سكنها ورأى جبالها الشمّاء.

مكة هي كتاب الذكريات والأحداث التي سطّر فيها المسلمون الفتوحات والغزوات، فهي تحدّث كل من زارها بكل معلم فيها، وبكل أثر حلّ بها، ما من شبراً فيها إلا وفيه ذكرى كريمة، وما من موضع قدمٍ إلى وفيه أثر لقدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، ترابه كالذهب لكنّه لا يباع، فهو ارتقى بأقدام أطهر الخلق والبشر.

ماء زمزم في مكة

في مكة تجد الماء مختلفاً فماء زمزم لما شرب له فمن نوى الخير خِير له فيه ومن تضلع منه سلك في كل فجٍ من جسده ليداويه، فهو رقية الله لعباده وشفاء لهم، به تجد الطعم الممتع تتلذ النفوس له فهو أشهى وألذ من أي شراب فيحيونهم الناس أشد من حب العرب للخمر فهو نعيم دائمٌ لا ينضب مهما غرفت منه لا ينقص منه شيء ولا يؤوله النضب.

مكة هي مسكن الصالحين من آل إبراهيم عليه السلام والذي بناها بأمر من الله تعالى ورفع قواعد الإيمان فيها ليؤسس مهبطاً للقلوب الحائرة المتعطشة لذكر الله وعبادته، وبها سكن أهله واستقر فأنزل الله عليهم رحمات من السماء لتنبت الأرض وتزهر بعد أن كانت صحراء قاحلة وتفجرت الأرض عيوناً لتملأ الأودية ماءً يختلف عن كل ماء.

فضل مكة

مكة هي مولد النبي الأمين الذي أضاء الكون عدلاً ومسرى النبي الكريم ومسكنه فهي أحب البقاع إليه، وأحب من وطأت قدمه بها أدى الأمانة وبلغ الرسالة وجمع القلوب لتُجلى بجلاء الإيمان وتُنقّى من الخبث والدنس، في مكة كل شيء يحنّ للنبي صلى لله عليه وسلم فقد أنزله الله للناس رحمة لأهل مكة ولمخلوقتها ولكل شيء فيها.

مكة هي أرض الأمن والأمان من دخلها كان آمناً مستقراً، فقد حرم الله كل شيء فيها أن يُغصب فهي حرم الله الآمن وملاذ كل مظلوم، فيها بيت الله إليه يُجذب البشر دون قوة وإليه يسير الناس ليُلبوا النداء فهي مطهر للنفوس والقلوب فهنيئا لمن أتاها حاجاً أو معتمراً ليخرج كما ولدته أمه قد غُفر ذنبه من المعاصي والآثام وصح بدنه من الأوجاع والأسقام وارتقت روحه لتعانق عنان السماء.

في مكة تجد للطاعة لذة أخرى ففيها تتضاعف الحسنات، وتحط الخطايا والسيئات وتسير في الأرض البركات فلا تجد للنفس توقاً للمعصية، ولا شوقاً لكل ما هو محرم فلذة العيش فيها طاعة الله ولذة السير فيه ذكر الله برؤية البيت تقشعر الأبدان، وترتجف القدمان واليدان وتقف العينان في حيرة في جلال المنظر المهيب.

مكة على قلة عدد حروفها فإنّها تحمل في طياتها الكثير من الحروف التي تفنى بها المحابر وتشرع بها الصحف فتجد النسيج المتماسك على اختلاف الناس وبذل الحب والعطاء بينهم، فهي ضيافة بيت الله تعالى الذي لا يترك في نفوس البشر من خطيئة إلا وشتتها، ولا يذر من خطيئة إلا وصححها فالتقوى مهرها والنجاة عنوانها والمحبة لغتها.

مكة هي منارة العلم والعلماء ومسلك الصالحين ليستمدوا نوره منها فيضيء الكون، ويُرفع الجهل عن الناس، وفي مكة كل معالم العلم ظاهرة من التواضع والحق والتفاهم والصدق، والعطاء الذي لا ينضب من وجدانه، وفيها نزل الكتاب العظيم على نبيه الكريم ليملأ الأرض عدلاً ويسود بينهم ويرفع الظلم والجهل ويحكم بينهم.

إيه لمن زار مكة واعتمر وحج إلى الله تعالى، وإيه فر ففيها تتفتح القلوب لتبوح بكل تعب ومصاب وتنشرح الصدور للبوح بالحب والاشتياق على رمالها، فتنسكب العبرات شوقاً لحب نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وصحابته الأخلاء الذين بذلوا كل غالٍ ونفيس لنجاتنا في مسلكنا وطريقنا، فهم الهدى والنور لكل ظلمة بهم يقتدي المرء ويسير فهم خير الناس وأخيرهم في الأرض.