شروط الاستغفار
الاستغفار
شرع الله -تعالى- الاستغفار لعباده، وحثّهم عليه وأمرهم به، حيث قال الله سبحانه: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)،[1] ولقد سمّى الله -تعالى- نفسه الغفّار، ومن صفاته أنّه غافر الذنب، وفي ذلك إشارةٌ للمؤمنين أنّ الله -تعالى- يرضى لهم الاستغفار ويتقبّله منهم، وَيُعرّف الاستغفار اصطلاحاً بأنّه: طلب العبد من الله -عزّ وجلّ- المغفرة والستر في الدنيا والآخرة، ولقد قصّ الله -سبحانه- عن أنبيائه أنّهم كانوا من أهل الاستغفار بين يدي الله سبحانه، فذكر استغفار آدم وحوّاء بقوله: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ)،[2] وقال الله تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي).[3][4]
والاستغفار كما يذكر العلماء يختلف من شخصٍ لآخرٍ، ومن درجةٍ لأخرى، فجعل العلماء الاستغفار في ثلاثة مراتب فصّلوا كلّاً منها على حِدة؛ أولى هذه المراتب والدرجات الاستغفار باللسان وحده، وهو أدنى الدرجات، إلّا أنّ له فوائدٌ عديدةٌ منها؛ أنّه خيرٌ من السكوت للإنسان، ومنها أن يعوّد الإنسان نفسه على الذكر والاستغفار حتى لو لم يكن حاضر الذهن طوال الوقت، ولم يستبعد بعض العلماء أن يتقبّل الله -تعالى- هذا الاستغفار بكرمه وفضله، ومنها أنّه قد يكون مدعاةً لخيرٍ أعظم ومنهاةٍ عن شرٍّ أو منكرٍ، وأمّا الدرجة الثانية من الاستغفار فهو استغفار القلب؛ وهو أرفع درجةً من سابقه من حيث أثره في تصفية القلب من الكدر، وسببٌ في إزالة الهموم والغموم، ويُرجى به أن تتنزّل الرحمات على صاحبه، وأمّا الدرجة الثالثة وهي الأعظم والأنفع فهي استغفار القلب واللسان معاً، وبها تجتمع الفضائل على العبد، وتزال همومه، وتُكفّر خطاياه، وتزداد حسناته.[5]
شروط الاستغفار
يُشرع للعبد أن يكثر من الاستغفار في يومه وليلته سواءً قصد باستغفاره ذنباً بعينه أم كان استغفاره عامّاً لجميع ذنوبه وتقصيره، وحتى يكون الاستغفار أقرب للقبول وبلوغ الرضا عند الله تعالى، فيُسنّ للعبد أن يلتمس بعض الظروف من آدابٍ وأوقاتٍ وصيغٍ للاستغفار تُعين على رفعه وقبوله، وفيما يأتي بيان ذلك:
آداب الاستغفار
من جملة الآداب التي يحسن للمرء أن يتحلّى بها حين يقبل على ربّه مستغفراً ما يأتي:[6]
- حضور القلب أثناء الاستغفار، وعدم الانشغال بأمور الدنيا، وعدم جعل اللسان هو المستغفر دون القلب.
- محاولة العبد أن يستحضر ذنوبه كلّها كبيرها، وصغيرها ويستغفر الله -تعالى- من إتيانها.
- اعتراف العبد بتقصيره وضعفه أمام الله تعالى، وإرجاع الذنب على إتيان تلك المعاصي والوقوع فيها إلى النفس، ولومها وتقريعها.
- تذكّر العبد معاصيه وشؤمها والبلاء الذي قد يقع عليه بسببها، فذلك أدعى ليحضر قلبه ويصدق في استغفاره.
- شعور العبد بالندم على زلّته وخطأه، والعزم على عدم العودة إليه مجدّداً.
صيغ استغفارٍ وردت في القرآن والسنة
إنّ من تحرّي العبد لقبول استغفاره من ذنوبه أن يتحرّى الصيغ الواردة في القرآن الكريم، والسنة الشريفة ويأتي بها ويكررها، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:[7]
- قول الله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).[8]
- قول الله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).[9]
- قول الله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا).[10]
- وصية النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بسيّد الاستغفار، وقد ورد في الحديث الشريف بقول: (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ).[11]
- إجابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لسؤال أبي بكرٍ عندما سأله عن الدعاء بعد الصلاة، فقال له: (اللهمّ إنّي ظلَمتُ نفسي ظُلماً كثيراً، ولا يغفرُ الذنوبَ إلّا أنت، فاغفِرْ لي من عِندِك مغفرةً، إنّك أنت الغفورُ الرحيمُ).[12]
- قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه؛ غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ).[13]
أثر وثمرات الاستغفار
ما من شكٍّ أنّ من اعتاد الاستغفار في حياته سيقطف ثمرات استغفاره، ويفرح بها في الدنيا والآخرة، ومن ثمرات الاستغفار العائدة على المستغفر من ذنوبه ما يأتي:[14]
- الاستغفار من صفات المتقين، حيث قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).[15]
- الاستغفار يجلب رحمة الله -تعالى- لصاحبه، فقد قال تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).[16]
- الاستغفار يحمي صاحبه من عذاب الله سبحانه، حيث قال تعالى: (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[17]
- الاستغفار سببٌ للبركة في الأرزاق والعطايا من الله تعالى، وسببٌ لكفّ البلاء، حيث قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا*مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا*وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا).[18]
- الاستغفار يجعل صاحبه من المستجيبين لأمر الله تعالى، فهو الآمر بالاستغفار سبحانه، وقد امتدح أهل الاستغفار وأثنى عليهم في كتابه الكريم، حيث قال: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ).[19]
المراجع
- ↑ سورة محمد، آية: 19.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 23.
- ↑ سورة ص، آية: 35.
- ↑ "فضل الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-11. بتصرّف.
- ↑ "درجات الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-11. بتصرّف.
- ↑ "أدب العبد عند الاستغفار"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-11. بتصرّف.
- ↑ "صيغ الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-11. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 16.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 109.
- ↑ سورة نوح، آية: 28.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 6306، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 7387، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن زيد بن حارثة، الصفحة أو الرقم: 3577، صحيح.
- ↑ "الاستغفار فضائله وفوائده"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-11. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 135.
- ↑ سورة النّمل، آية: 46.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 33.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-14.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 17.