-

تعريف التوحيد وأقسامه

تعريف التوحيد وأقسامه
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

تعريف التوحيد

معنى التوحيد في اللغة مأخوذ من وحَد الشيء أي جعله واحداً، أمَّا المعنى الشرعي للتوحيد فهو: إفراد الله -تعالى- بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، ويُعرِّف الإمام ابن القيم -رحمه الله- التوحيد بقوله: (ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه: لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عبَّاد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن محبة الله، والخضوع له، والتذلل على بابه، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، مما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها)، فتوحيد القلب يتضمَّن المعرفة الحقيقية لمعنى التوحيد بما فيه من النفي والإثبات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله).[1][2]

أقسام التَّوحيد

قسَّم العلماء من أهل السنة والجماعة التوحيد إلى ثلاثة أقسام من خلال البحث والنظر في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وقد تطرّق العلماء المتقدمين إلى هذا التقسيم في السابق، منهم أبو جعفر الطبري وابن عبد البر، وفي هذا إبطال لما ادَّعاه بعض المبتدعة من استحداث ابن تيمية لهذا التقسيم، وهذه الأقسام هي:[3]

  • توحيد الربوبية: الربوبية مشتقة من الرب، وتعني إفراد الله -تعالى- بالخلق والملك والتدبير، فلا خالق في الوجود إلا الله تعالى، ولا مالك للكون سواه، ولا مُصرِّف لشؤون الخلق والكون سواه، فهو مقسّم الأرزاق، وهو المحيي والمميت، ومن الجدير بالذكر أنَّ الكفار أقرّوا بهذا النوع من التوحيد، قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)[4] فالكافر مُقرّ بأنَّ الله -تعالى- هو الخالق والمالك للكون، ولكن هذا الإقرار لا يُعدّ من أسباب النجاة من النار، ولا يجعله مسلماً إذا ما اقترن هذا الإقرار بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، ولا معبود بحقٍ سوى الله، ويتعلق هذا النوع من التوحيد بالأُمور الكونية.
  • توحيد الأُلوهية: والألوهية مشتقة من الإله، ويتحقق هذا النوع من التوحيد بإفراد الله -تعالى- وحده لا شريك له بالدعاء والتوكل والاستعانة وغيرها من العبادات، وهذا النوع الذي أرسل الله -تعالى- به رسله وأنكره الكفار في كل زمان، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)،[5] ويعدّ هذا النوع مُتصلاً بالأوامر والنواهي الشرعية.
  • توحيد الأسماء والصفات: ويكون بالإيمان بجميع ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من أسماء الله، أو صفاته التي اتصف بها أو وصفها بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتضمن هذا الإيمان إثبات الكمال لله في جميع هذه الصفات، ومن الأسماء التي ثبتت لله -تعالى- في القرآن الكريم والسنة النبوية، اسم الله القوي الذي يتضمن صفة القوة، واسم الله العزيز الذي يتضمن صفة العزة، واسم الله الكريم الذي يتضمن صفة الكرم، قال تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).[6]

وتُشكّل هذه الأقسام الثلاثة الإيمان بالله تعالى، والعلاقة بين هذه الأقسام تكامليّة، ولا يُجزئ الإيمان ببعضها عن الآخر، فلا يصح توحيد الربوبية من دون توحيد الأُلوهية، كما أنَّه لا يصح توحيد الأُلوهية من غير توحيد الربوبية، فأي خلل في أي قسم من هذه الأقسام يؤدي إلى خلل في التوحيد كله، فمن آمن بتوحيد الربوبية، وأنَّ الله هو واحدٌ ومنزهٌ عن الشريك والولد، لَزمه من هذا الإيمان إفراد الله -تعالى- وحده بالعبادة، فما دام هو الإله فلا يَصح أن يُعبد غيره أبداً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[7] أمَّا توحيد الأسماء والصفات فهو شامل لتوحيد الربوبية والأُلوهية، ويقوم على إفراد الله بأسمائه وصفاته التي لا تنبغي لأحدٍ غيره.[8]

أهمية التوحيد

أمر الله -تعالى- عباده بالتوحيد في آيات القرآن الكريم، واستمرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة قومه إلى توحيد الله على مدى ثلاث وعشرين سنة، فالتوحيد من حقوق الله -تعالى- على عباده، وعلى جميع الناس تأدية هذا الحق بالتوجه إلى الله -تعالى- وحده بالدعاء، والخوف، والرجاء، والاستغاثة، وسائر العبادات، وأن يحذروا كل الحذر من مناجاة أصحاب القبور أو الأولياء والأنبياء، فالعبادة هي اسم جامع لجميع ما يُحبه الله -تعالى- ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وقد أرسل الله -تعالى- الرسل من نوح -عليه السلام- إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بدعوة التوحيد.[9]

ومن أجلها خلق الله -تعالى- العباد، وكلما زادت معرفة العبد بالله كانت عبادته أكمل، ولا تكون العبادة من دون التوحيد، فالتوحيد فطرة الله -تعالى- التي فطر الناس عليها، ولا يخالف هذه الفطرة إلا من عرض لفطرته عارض فأفسدها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه، كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ).[10] وغواية الشيطان قد تحرف الفطرة الإنسانية عن التوحيد، لكن التوحيد أصلٌ في الفطرة، والشرك طارئ عليها ظاهر البطلان بالفطرة السليمة والعقل الصحيح، والتوحيد شرط في النصر والتمكين والأمن والاهتداء، ويُقسّم الناس من خلاله إلى مؤمن وكافر، وهو شرط في دخول الجنة والنجاة من عذاب النار.[11]

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن طارق الأشجعي، الصفحة أو الرقم: 23، صحيح.
  2. ↑ "المطلب الرابع: تعريف التوحيد لغة واصطلاحاً "، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-2-2019. بتصرّف.
  3. ↑ أرم تكاي (25-8-2013)، "أقسام التوحيد وتعريفاتها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-2-2019. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الأحزاب، آية: 61.
  5. ↑ سورة النحل، آية: 36.
  6. ↑ سورة الشورى، آية: 11.
  7. ↑ سورة البقرة، آية: 21-22.
  8. ↑ أكرم تكاي (1-9-2013)، "العلاقة بين أقسام التوحيد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2019. بتصرّف.
  9. ↑ الامام ابن باز، "بيان أهمية التوحيد "، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2019. بتصرّف.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1385، صحيح.
  11. ↑ أبو مريم الجربتلي (27-1-2010)، "أهمية التوحيد وثمراته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2019. بتصرّف.