تعريف الشعر الجاهلي وخصائصه
الشِّعر الجاهليّ
الشِّعر في اللغة يعني: الكلام الموزون المُقفَّى قَصْداً، وهو اصطلاحاً -وِفق وجهة نظر المنطقيّين-: قول مُؤلَّف من أمور تخييلية، وهو يدلّ في مضمونه على الترغيب، أو التنفير، والشِّعر المنثور: هو الكلام البليغ، والمسجوع، وهو يتبع منهج الشِّعر، من حيث التأثير، والتخييل، إلّا أنّه يتمّ دون وزن، ويُقال: ليتَ شِعري ما صَنَع فلان؛ أي ليتني أعلم ما صَنَع.[1] كما يُمكن تعريف الشعر بأنّه: الكلام البليغ المَبنيّ على الأوصاف، والاستعارة، وتتمّ كتابته وِفق أجزاء مُفصَّلة، ومُتَّفقة في الوزن، والرويّ، وكلّ جزء من هذه الأجزاء مُستقِلّ عمّا بعده، وعمّا قبله، في الغرض، والمقصد الجاري على أساليب العرب.[2]
أمّا الشعر الجاهليّ، فيمكن تعريفه بأنّه: وصف مُزيَّن بالشواهد لحياة الجاهليّة، وأفكارها، حيث عكسَ العرب من خلاله صورة حقيقية دون تزويق، ولا تشويه.[3]والشعر الجاهليّ: هو الشِّعر الذي ظهر عند العرب قبل الإسلام بحوالي 150سنة، إذ وثَّق الشِّعر الجاهليّ حياة العرب قديماً، وتقاليدهم، ومعاركهم، ووصف طبيعة حياة البيئة الجاهليّة، وما تحتويه من جماد، وحيوان، إضافة إلى ذكر أسماء فرسانهم، وآبار مياههم، وغيرها من الأحداث، والمعلومات في الجاهليّة، كما اشتمل هذا الشِّعر على العديد من الشعراء ذوي النباهة، والبلاغة اللغويّة، وأهمّ هؤلاء الشعراء هم شعراء المُعلَّقات، من أمثال: امرئ القيس، وعنترة العبسيّ، وزهير بن أبي سُلمى، بالإضافة إلى العديد من دواوين الشعراء، والشاعرات، ممّن وصل إلينا شعرهم كاملاً، ومن الجدير بالذكر أنّ الشِّعر الجاهليّ اعتُبِر سِجلّاً مُهمّاً لحياة العرب قَبل الإسلام، كما أنّه قد مثَّل مصدراً موثوقاً للمعلومات؛ حيث اعتمد علماء اللغة على هذا الشِّعر في وضع قواعد النحو، والتأكُّد من صحّتها، ولجأ علماء الفقه، ومُفسِّرو القرآن الكريم، إلى الشِّعر الجاهليّ؛ لبيان معاني الكلمات، وورودها في اللغة.[4]
وقد نشأ الشِّعر الجاهليّ في بوادي نجد، والحجاز، والمناطق المُحيطة بها من شمال الجزيرة العربيّة، علماً بأنّ البادية كانت تُعتبَر المدرسة التي نشأ فيها الشعراء ذوي النباهة، من أمثال: المهلهل، وحاتم الطائيّ، وطرفة بن العبد، والنابغة، والأعشى، ولم يقتصر الشعراء في الشِّعر الجاهليّ على كتابة قصيدة واحدة فقط، بل إنّ مُعظم الشعراء كتبوا أكثر من قصيدة، وعُرِف كلّ شاعر بقصائده، وتميّز بها، أمّا في ما يتعلَّق برواية الشِّعر الجاهليّ، فقد كانت هي الأداة التي ساهمت في نشره، وقد تخصَّص في الرواية طبقة الشعراء أنفسهم، والذين أتقنوا هذه الوظيفة واحترفوها؛ إذ كان الشاعر الذي يريد نَظْم الشِّعر، وصياغته يُعيِّن شاعراً آخر يروي عنه شِعره، ويَنشرُه.[4]
خصائص الشِّعر الجاهليّ
يتمتَّع الشِّعر الجاهليّ بعدّة مزايا وخصائص تُميّزه عن غيره من الشِّعر، وهذه الخصائص هي:[5]
- من الناحية المعنويّة:
- من الناحية الشكليّة:
- الطابع البدويّ، والصِّلة بالبيئة: فالشِّعر الجاهليّ يُعتبَر مرآةً لحياة البادية بمختلف نواحيها؛ حيث صوّر في مضمونه المعالم الجغرافيّة، والظواهر الكونيّة، والنباتات، بالإضافة إلى وصف حيوانات البادية، ونظام المجتمعات البدويّة من البيوت، والدِّيار، والقوافل، وقد ساهم ذلك في وَسْم الشِّعر الجاهليّ، وتحديد أُفُقه في إطار البيئة، ممّا أدّى إلى تشابه الأفكار بين الشعراء، وتكرار المفردات، والمعاني، وقد ظهر أثر الطابع البدويّ واضحاً في الشِّعر الجاهليّ، وفي طبائع شُعرائه.
- الواقعيّة، والوضوح: استطاع الشِّعر الجاهليّ تقديم صورة بسيطة، وواضحة، وواقعيّة للبيئة، بحيث تناسَبَ هذا التصوُّر مع الفطرة البدويّة، والمجتمع البدويّ، كما أنّ االوضوح، والبساطة، عنصران يدلّان على عقليّة هادئة، ومُستقِرّة، لا تعتليها الفلسفة، أو الغموض، والبساطة التي نقصدها هنا هي ليست السذاجة؛ فالشِّعر الجاهليّ يدلُّ في مضمونه على الصفاء الذهنيّ، والرقِيّ العقليّ والمقدرة على كتابة الشِّعر، وصياغة معانيه على النحو الأمثل.
- الإيجاز: لجأ شعراء الشِّعر الجاهليّ عند نَظْمه إلى تجنُّب التأمُّل، والإطالة في مضمون الشِّعر؛ فطبيعة الحياة البدويّة كانت سريعة، وذات حركة دائبة، ومُستمِرّة.
- البساطة في التفكير: حيث تضمَّن الشِّعر الجاهليّ تراكيب، ومعانٍ بسيطة لا يعتليها التعقيد، أو الغموض، بحيث تتناسب هذه البساطة في المعاني مع حياة الشعراء، وأسلوب تفكيرهم؛ لذلك نجد أنّ الشِّعر الجاهليّ تضمَّن مواضيع تمتاز بالحسّية، أو المادّية، وابتعدت عن الآفاق الروحيّة المعنويّة.
- الحياة، والحركة: تميَّزت الصورة الشعريّة في الشِّعر الجاهليّ بالحركة، ومطابقتها للواقع، وهي تُشبه في ذلك الأجسام الحيّة التي تتحرَّك، وتدور، وتجري، وتتكلَّف في بعض الأحيان.
- الروح الجماعيّة: تظهر الروح الجماعيّة واضحة في الشِّعر الجاهليّ؛ لأنّ الشعراء تحدَّثوا في معظم أشعارهم عن القبيلة؛ فكانت هذه الأشعار تتضمَّن صيغة الجمع، كما أنّ النواحي الشخصيّة ظهرت في الشِّعر الجاهليّ؛ إذ إنّه شِعر وجدانيّ، إلّا أنّه مع ذلك، لم تطغَ الناحية الشخصيّة على الناحية الجماعيّة في الشِّعر الجاهليّ.
- المحافظة على التقاليد الشعريّة: حيث التزم الشعراء عند نَظْمهم للشِّعر بمجموعة تقاليد مُحدَّدة في مختلف قصائدهم، ومن هذه التقاليد: الوقوف على الأطلال، والبكاء، وخطاب الآثار، أو الأصدقاء، ثمّ وصف الشاعر لحاله؛ بسبب رحيل الحبيبة، ووصف جمالها، وبعد ذلك، ينتقل إلى غَرَضه الرئيسيّ في القصيدة، ويتميّز الشاعر الماهر عن غيره من الشعراء في حُسن الرَّبط بين هذه الموضوعات، والانتقال بسلاسة فيما بينها.
- العناية بالألفاظ، والعبارات: حيث كان الشعراء (خاصّة أصحاب الحوليّات) يمنحون اهتماماً كبيراً للألفاظ الشعريّة في شِعرهم، ويتحرَّونها بشكل جيّد بحيث تُؤدّي معناها، وغَرَضها، وتُؤثِّر بمحتواها في السامعين. والقارئ في الشِّعر الجاهليّ قد يجد بعض الألفاظ الغريبة، وغير المعروفة في وقتنا الحالي، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ الشعراء اختاروا في أشعارهم ألفاظاً غير موجودة، أو غريبة، بل يعني أنّهم كانوا يختارون الألفاظ المعروفة، والمُنتشِرة في مجتمعاتهم آنذاك، علماً بأنّ هذه الألفاظ قد ظهرت غريبة لنا؛ بسبب الفوارق الزمنيّة، وعدم استخدامنا لها، إضافة إلى أنّه كان يجب على الشاعر أن يُحافظ على قافية الأبيات.
- الوَحدة: حيث تميَّز الشِّعر الجاهليّ بتحقيق الجَرَس الموسيقيّ في كافّة مقاطع القصيدة، ممّا يدلُّ على المقدرة اللغويّة العالية لشعراء ذلك الزمن.
- صياغة المُحسِّنات البديعيّة بأسلوب فِطريّ: حيث تميَّزت المُحسِّنات البديعيّة في الشِّعر الجاهليّ بالصياغة السليمة، دون تكلُّف، أو جُهد، إذ تضمَّنت أشعارهم الاستعارة، والتشبيه، والطباق، والكناية، والاستعارة، والسَّجَع.
أغراض الشِّعر الجاهليّ
يُقصَد بأغراض الشِّعر الجاهليّ: الموضوعات التي نَظَم فيها شعراء الجاهليّة أشعارهم، ومن أغراض الشِّعر الجاهليّ:[6]
- الفخر: ويكون ذلك في حال أراد الشاعر أن يُعبّرَ في شِعره عن الاعتزاز بنفسه، أو الاعتزاز بقبيلته.
- المدح: ويكون ذلك في حال أراد الشاعر أن يقصدَ في شِعره التعبير عن الإعجاب بشخص ما، في شجاعته، أو كَرَمه، أو غير ذلك من الصِّفات الحميدة.
- الهجاء: ويكون ذلك في حال أراد الشاعر في شِعره النَّيل من شخص ما، وتحقيره.
- الرثاء: ويكون ذلك في حال أراد الشاعر في شِعره إظهار الأسى، والحزن من موقفٍ، أو شخصٍ ما.
- الوصف: ويكون ذلك في حال أراد الشاعر في شِعره رَسْم صورة بديعة من مَحض الخيال عن موقفٍ، أو شخص ما.
- الغَزَل: ويكون ذلك إذا أراد الشاعر أن يُعبِّر عن حديثه مع النساء.
- الحِكمة: ويكون ذلك إذا نظر الشاعر في الكون، وحياة الناس.
- الاعتذار: ويكون ذلك إذا استعطفَ الشاعر بشعره أميراً، أو غيره.
المراجع
- ↑ مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، صفحة 484. بتصرّف.
- ↑ يوسفي، محمد لطفي، كتاب المتاهات والتلاشي في النقد والشعر، صفحة 37. بتصرّف.
- ↑ محمد لطفي جمعة، الشهاب الراصد، صفحة 62. بتصرّف.
- ^ أ ب سعدي محمد، معاش إدريس، تجليات الشعر الجاهلي في الشعر الأموي، صفحة 12،13. بتصرّف.
- ↑ -، الأدب في العصر الجاهلي، صفحة 43،44،45. بتصرّف.
- ↑ ديان فيرينا، شعر الغزل في العصر الجاهلي والعصر الحديث، صفحة 59،60. بتصرّف.