-

تعريف بيع السلم

تعريف بيع السلم
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

بيع السلم

بيَّن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وكذلك في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحكام وقوانين المعاملات بين النَّاس؛ من أجل ضمان الحقوق لكلا طرفي العقد، ومن هذه المعاملات البيوع على اختلاف أنواعها، ومن المعلوم أن للبيع عدة أنواع، منها ما هو جائزٌ ومنها ما هو مُحرّم، ومنها ما جاء على خلاف الأصل الذي جاءت به البيوع إجمالاً إلّا أنّه جاء مُباحاً جائزاً كبيع السَّلم، وقد كان بيع السَّلَم معروفاً في المدينة المنورة قبل قدوم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها؛ فكان أهل المدينة يُسلفون في الثِّمار مدة تصل إلى سنةٍ أو سنتين أو ثلاث، وعندما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليهم واستقرَّ بالمدينة أقرَّ بيع السَّلم؛ إلّا أنّه جعل له قوانين وشرائع خاصّةً يجب العمل بها لكي يُصبح البيع صحيحاً، وفيما يلي بيان ما يعني بيع السلم وما هي أركانه وشروطه.

تعريف بيع السَّلم

  • السَّلَم في اللغة: يُلفظ السَّلم بفتح السين المُشددة وفتح اللام، فيُقال: أَسْلَمَ وسَلَّمَ، ويُطلَق عليه أيضاً اسم السَّلَف، وتأتي اللفظتان بنفس المعنى، وتصريفهما يأتي على نحو: سَلَّم وأَسلَم، أو سَلَّف وأسْلَف، ويختلف السَّلَف عن بيع السلم بانفراد الأوّل بمعنى خاص هو القرض دون مقابل،[1] ويعني السَّلَمُ كذلك التسليم، أمّا سبب تسميته بالسَّلف لأنَّه فيه تسليف لرأس المال وتقديم له على السلعة، بينما سُمّي بالسَّلَم لأنّ رأس المال يتمّ تسليمه في المجلس ويتمّ تأخير السلعة وتسليمها في وقتٍ آخر.[2]
  • السَّلم شرعاً: هو أن يتمّ تسليم رأس المال من قِبَل المشتري للبائع حين انعقاد العقد وقبل تسليم السِّلعة؛ على أن يتّفقا على تسليمها في وقتٍ محدّد، ويتّفقا على تحديد وصفِها، ونوعها، وقدرها، ومكان تسليمها.[3]
  • قيل في السلم أيضاً: (هو بيع سلعةٍ آجلة موصوفة في الذمة بثمن مُقَدَّم).[4]

حُكم بيع السلم وصورته وحكمة مشروعيّته

حكم بيع السلم

جاءت مشروعية بيع السلم في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد أجمع الصحابة والتابعون والفقهاء على جواز التعامل ببيع السلم وفق كيفيّةٍ معيّنة،[4] أمّا دليل مشروعية السلم من القرآن الكريم، فهي في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)،[5] وقد جاء ذكر بيع السلم في السنة النبوية صراحةً؛ حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: (قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ وهم يُسلِفونَ بالتمرِ السَّنَتَينِ والثلاثَ، فقال: مَن أسلَف في شيءٍ ففي كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ)، وفي رواية: (فلْيُسلِفْ في كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ).[6]

حكمة مشروعية بيع السَّلم

جاءت إباحة بيع السَّلم في الإسلام تماشياً مع مصالح الناس، وتيسيراً لمعاملاتهم، وإثباتاً لحقوقهم، ودعماً اقتصاديّاً لإنتاجهم، فالمزارع الذي يضع ثروته وأمواله في أرضه وزرعه ربما يمُرّ عليه وقتٌ لا يجد ما يَستصلح به أرضه، أو يجعله يؤمِّن زرعها وبذارها وأجور الأيدي العاملة التي يستخدمها في تنميتها، وربما لا يجد من الناس من يُقرضه حتى يأتي موسم الحصاد ليدفع أجر ما أخذ، فجاء هذا البيع لتأمين النقد حالاً للمزارع حتى قبل تسليم الزرع لمن اشتراه، كما أنَّ المشتري ينتفع بأن يشتري السلع من التاجر والمزارع الذي يبيعه تلك السلع بأقلِّ من سعرها وقت حصادها لحاجته للنقد، فينتفع المزارع من النقد، وينتفع المُشتري بنقصان سعر السلعة عن مثيلاتها.[7]

أركان وشروط بيع السلم

أركان بيع السلم

يمتاز بيع السلم عن غيره من البيوع بأنّ له ركناً واحداً فقط هو صيغة العقد التي يجري بها عقد السَّلم، وبناءً على تلك الصيغة تتحدّد صحّة العقد من بُطلانِه وفساده، وقد اختلف الفقهاء في تفصيل وبيان اللفظ الذي تصحُّ به صيغة عقد السلم على قولين كما سيأتي بيانه تالياً:[7]

  • يرى جمهور العلماء -الحنفية والمالكية والحنابلة- أنّ صيغة بيع السلم يجب أن تكون بلفظ البيع، أو السَّلم، أو السَّلف، فإذا ذكر المتعاقدان في السَّلم غير هذه الألفاظ الثلاثة لم ينعقد البيع على أنّه عقد سَلم؛ كأن يستعمل المتعاقدان لفظ الإجارة أو الإعارة أو الهبة أو غير هذه الألفاظ، وقد استدلّ مَن قال بذلك بأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع ما لا يملك الإنسان وأجاز ذلك البيع في السَّلم، ومما يدلُّ على كون السَّلم من أنواع البيوع؛ فقد أجاز الشرع أن ينعقد السَّلم بلفظ البيع.
  • يرى فقهاء الشافعية أنّ عقد السلم لا ينعقد إلا بلفظ السَّلَم فقط، ولا تصحّ صيغة العقد إلّا إذا احتوت على لفظ السلم تحديداً، وقد خالف بعض تلاميذ الشافعي شيخهم فيما ذهب إليه ومنهم الإمام زفر، فقالوا بأنّ عقد السلم ينعقد بلفظتي السلم أو السلف، أمّا إذا خرجت صيغة العقد عن هاتين اللّفظتين كالبيع أو الإجارة أو الإعارة لم ينعقد البيع على أنّه بيع سلم، أمّا دليل الإمام الشافعي على ما ذهب إليه بأنّ بيع السلم إنّما جاءت مشروعيّته خلافاً للقياس؛ حيث خالف بقيّة البيوع في الصورة والمضمون، فيجب الاقتصار فيه على ما ورد فيه النصّ فقط، وقد ورد النصُّ بتسمية ذلك العقد سلماً ولم يرد وصفه بلفظٍ آخر، فلم يَجُز أن ينعقد السَّلم إلا بلفظ السلم دوناً عن غيره من الألفاظ.

شروط بيع السلم

يُشترَط لصحّة عقد بيع السلم مجموعةٌ من الشروط التي تُشترَط في أيّ بيعٍ آخر، كما يُشترط له شروط أخرى خاصة اجتهد الفقهاء في اشتراطها بناءً على ما جاءت به النصوص، وفيما يلي بيان تلك الشروط:[7]

يُشترط لصحة بيع عقد السلم خمسة شروط، هي:

  • أن يكون معلوم الجنس.
  • أن يكون معلوم القدر.
  • أن يكون معلوم الوصف.
  • أن يكون معلوم الأجل.
  • أن يكون معلوم موضع مجلس العقد.
  • أن يكون معلوم الجنس: دينار، دولار، يورو.
  • أن يكون معلوم القدر: 10 آلاف دينار، 20 ألف دولار، 100 ألف درهم.
  • أن يكون معلوم النوع.
  • أن يكون معلوم الصفة: صنف أول ممتاز، أو صنف ثاني متوسّط الجودة، أو صنف رديء.
  • أن يتمّ تسليمه في مجلس العقد حال الاتفاق.

يُقصد بالمُسلَم فيه: المال العينيّ أو السلعة التي جرى العقد عليها على أن يُسلّمها البائع للمشتري في أجلٍ معين، ويُشترط في السلعة ما يلي:

  • أن تكون معلومة الجنس: حنطة، قمح، شعير.
  • أن تكون معلومة النوع: بلدي، عراقي، أردني، أو غير ذلك.
  • أن تكون معلومة الوصف: صنف ممتاز، صنف متوسط، صنف رديء.
  • أن تكون معلومة القدر: 1000 صاع، 100 طن، 1000 متر مربع.
  • أن تخلو من ربا الفضل؛ إمّا بزيادة الوزن للموزونات أو الكيل للمكيلات، أو بتغيير الجنس مما يقبل الربا من الأصناف الربويّة.
  • أن يكون مما يتعيّن بالتعيين: (فإن كان مما لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير فلا يجوز السلم فيه؛ لأن المسلم فيه مبيع، والبيع مما يتعين بالتعيين، والدراهم والدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات، فلم تكن مبيعة، فلا يجوز السلم فيها).
  • أن يكون المسلم فيه مؤجلاً.
  • أن يكون المُسلَم فيه متوفّراً في الأسواق بنفس النوع والوصف وقت انعقاد العقد إلى وقت أجل التسليم.
  • أن يتم تعيين أجل التسليم ومكانه.
  • اشترط جمهور الفقهاء -الحنفية والشافعية والحنابلة- البتات في عقد السلم بأن يكون العقد باتاً؛ بأن يخلو من خيار الشرط.
  • خالف الإمام مالك جمهور الفقهاء، فأجاز خيار الشرط لأحد المتعاقدين أو كلاهما مدّة لا تزيد عن ثلاثة أيام؛ لأن تلك الفترة قليلة لا تؤثر في عقد السلم الذي يكون في العادة طويل الأجل، والذي قد يستمرّ إلى سنة أو أكثر من ذلك.

المراجع

  1. ↑ محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، بيروت: دار الطلائع، صفحة 145. بتصرّف.
  2. ↑ "تعريف ومعنى السلم"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.
  3. ↑ محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (1987)، الدراري المضية شرح الدرر البهية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 268، جزء 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (1992)، خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام، -: -، صفحة 251.
  5. ↑ سورة البقرة، آية: 282.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2240.
  7. ^ أ ب ت "بيع السلم"، إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.