-

هل يشعر الإنسان باقتراب أجله

هل يشعر الإنسان باقتراب أجله
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الأجل

هو لحظة نهاية حياة الإنسان في الدنيا وموته وانقطاعه التام عن الحياة بالفكر والعمل والإحساس معًا، ويعرّف الموت علميًا بأنه موت الدماغ وموت العقل معًا، بحيث إنّ الأوّل لا تصله الدماء التي يضخها أو يعجز عن ضخها ذاتيًا الثاني، ولهذا ذهب فريقٌ من العلماء إلى تعريف الموت بأنه موت الدماغ حتى وإن استمر القلب في العمل.

متى يشعر الإنسان باقتراب أجله

هناك مواقفٌ يكون الموت فيها محقّقًا لا محالة، فيقول عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وهو يعلم مسبقًا أن فلانًا سيقضي نحبه بسقوطه سقوطًا حرًا من على مرتفعٍ عالٍ أو تحت أنياب وحشٍ مفترسٍ أو إثر تعرضه لوابلٍ من الرصاص أوغيرها من صور الموت المحققة الكثيرة، وفي تلك الأحوال فإنّه من المؤكد أن يشعر أي امرئٍ بأنه وشيكٌ من اقتراب أجله، وفي هذه الجزئية لا حاجة لأية دراسةٍ لتفسير هذا الشعور الطبيعي والحقيقي والمؤكّد لنتيجة الموت، ولكن ما يحتاج إلى التفسير هو تلك الحالات التي قد شَعر فيها الإنسان الطبيعي الآمن والمتمتّع بالصحّة باقتراب أجله ومن ثمّ مات فعلًا كما قد توقع، فما هو الأساس المنطقي لهذا الشعور الغامض، وما هو التفسير العلمي له؟

النبوءة المحققة لذاتها

هناك نظريةٌ في علم النفس تُدعى "النبوءة المحققة لذاتها"، فحينما يصر الإنسان على سبيل المثال على التفكير المرضي الدائم بأنه سيقضي نحبه على إثر مرضٍ عضال، فإن إمكانيّة إصابته سترتفع تبعًا لهذا الإيحاء المستمر وتؤدي به إلى الإصابة بنفس هذا المرض ومن ثم الموت بسببه، أضف إلى ذلك اجتماع عامل الصدفة إلى جانب هذا الإيمان العبثي الضاغط بشكلٍ دائمٍ على النفس موسوساً لها بأنها سوف تصاب بهذا المرض.

على الجانب النقيض من هذا فإننا نجد من يتحلّون بنظرةٍ إيجابية مشرقة للحياة ومليئة بالتفاؤل قد ينجون من الإصابة بنفس ذاك المرض، لقد ذكر فيودور دويستويفسكي الكاتب الروسي الشهير في مذكراته بأنّه قد رأى الموت عيانًا عندما اقتادوه إلى المقصلة لتنفيذ حكم القيصر فيه والقاضي بقطع رأسه، وقد نُفّذ الحكم في ذلك اليوم فعليًا بالعديد من المحكومين قبله، وما إن جاء دوره ووُضع رأسه تحت المقصلة حتى جاء قرار العفو من القيصر عنه، لهذا السبب "ولا تقنطوا من رحمة الله" حتى في أكثر المواقف حرجًا وخطراً.

الوسواس القهري

في مجتمعاتنا التي ترزخ للأسف للميتافيزيقيا الساذجة والطفوليّة هناك الكثيرون ممّن يتصوّرون أنهم يشعرون بدنوّ أجلهم على يد فلانٍ أو علانٍ من الناس وفي زمانٍ ومكانٍ محدّدَيْن دون وجود تهديدٍ حقيقيٍ ومبررٍ لهذا الشعور، متناسين قول من خلقهم"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ"، وهذا الشعور كما يقول علماء النفس يسمّى "وسواسًا قهريا" يقود إلى "النبوءة المحققة لذاتها" ويُعزّزها ، فحريٌ بالإنسان الطبيعي الواعي والعاقل إذن أن لا يَستشعر الموت وأن لا يستعجله حتى وإن كان في بطن الحوت، فهناك القادر على كل شيء والذي حقًا كل الأعمار بيده وحده.

الموت ما قبل الموت

إنّ مشاعر الإحباط والتعرّض للفشل والخيانة وخيبة الظن تجعل من صاحبها إنسانًا سوداويًا وكارهًا للحياة أو للدقّةِ كارهًا لشكل الحياة التي يعيشها، وإن مشاعر الامتلاء الزائف بكل مغريات الحياة لمن ظنوا أنهم قد امتلكوها تقودهم في الوقت نفسه إلى اليأس من هذه الحياة والشعور بعبثيتها وضآلتها، إنّ كُلاً من الفريقين مخطئ فإنّ لقلبك عليك حقًا بأن يفرح، وإن لعقلك عليك حقًا بأن يبتهج، وإن لروحك عليك حقًا أن لا تشقيها بمشاعرٍ مسبقةٍ بدنوّ أجلها.