صيام شهرين متتابعين
الكفارات في الإسلام
تُطلَق الكفارة في اللغة على الأمور التي يفعلها الفرد للتوبة من ذنوبه وآثامه التي وقع بها، مثل: الصدقة، أو بالصوم، أو غير ذلك ممّا يكفّر الذنوب والمعاصي، منها: كفارة اليمين، وكفارة الفطر، وكفارة ترك بعض أعمال الحجّ، وسميّت بذلك لأنها تكفّر وتستر الذنوب والمعاصي، إذ تكون في الأعمال التي نهى الشرع عن القيام بها وأكّد على ذلك،[١] فالكفارة تكون للعمل الذي فيه انتهاك أو مخالفة ما، كالقتل الخطأ وغيره، كما قال النووي رحمه الله، وتكون الكفارة لخمسة أعمال نهى الشرع عن القيام بها، والأعمال هي: اليمين، والظهار، والقتل، والجماع في نهار رمضان، واختلف العلماء في العمل الخامس الذي يوجب الكفارة وهو إفطار نهار رمضان بغير الجماع.[٢]
صيام شهرين متتابعين
إنّ صيام شهرين متتابعين هو إحدى الكفارات التي أوجبها الشرع عند القيام ببعض الأمور التي حرّم الشرع إتيانها، وهي: القتل الخطأ، والظهار، والجماع في نهار رمضان، إلّا أنّ صيام شهرين متتابعين يجب بانعدام الرقبة التي يجب عتقها كفارةً للأفعال السابقة، والصيام المعتدّ في كفارة الأفعال التي تم ذكرها هو صيام شهرين متتابعيين دون انقطاع لأيّ عذر غير شرعيّ، وإذا انقطع الصيام لعذر غير شرعيّ يجب استئناف صوم الشهرين بالتتابع، أي عدم الاعتبار بالصيام قبل العذر غير الشرعيّ، أمّا إن كان قطع صيام الشهرين لعذر شرعيّ، فيعتدّ بالصيام الذي كان قبل وقوع العذر الشرعيّ، ويُتابَع الصيام بعد زوال العذر، والأعذار الشرعيّة المعتبرة هي: الحيض، وزوال العقل، والمرض، وفيما يأتي بيان كلّ حالة من حالات وجوب صيام شهريين متتابعين:[٣]
القتل الخطأ
يُطلَق مصطلح القتل الخطأ على ما يقع من الشخص دون قصد، أو إرادة، وهو ضدّ القتل العمد الذي يُقصد به فعل القتل والشخص المقتول،[٤] ويجب على من قتل شخصاً ما خطئاً القيام بأمرين؛ هما: الدية المخففة على عاقلة القاتل، والأمر الثاني هو الكفارة، وتكون بعتق رقبة مؤمنة خالية من العيوب، ومن لم يجد رقبة مؤمنة فتجب عليه الكفارة بصيام شهرين متتابعين، ودليل ذلك قول الله تعالى: (فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)،[٥] واختلف الفقهاء في إطعام من كان عاجزاً عن صيام شهرين متتابعين؛ فذهب جمهور العلماء إلى أنّ الإطعام ليس واجباً عليه؛ لأنّ الله تعالى لم يذكر في الآية السابقة إلّا العتق أو الصيام ولم يذكر الإطعام، أمّا الشافعيّة فقد ذهبوا في أحد أقوالهم إلى كفارة الإطعام لمن لم يستطع الصيام، والأصحّ في المسألة يكون بالنظر إلى حال الشخص الذي يجب الكفارة؛ فإن كان عاجزاً عن الصيام عجزاً مؤقتاً فالصيام يكون بعد زوال العجز، وإن كان العجز لا يزول فعليه الإطعام، وذلك قياساً على عجز صيام رمضان.[٦]
الظهار
الظهار هو تشبيه الرجل زوجته أو بعضها بمن تحرم عليه حرمة مؤبّدة أو بعضها، كأن يقول لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، أو أنت عليّ كأختي، حيث إنّ الظهار كان عادة من عادات رجال الجاهلية يقوم بها عند الغضب على زوجته، ولكنّ الإسلام حرّمه لأن الزوجة ليست محرّمة على زوجها كأمه وأخته وباقي محارمه، وإن قام الرجل بذلك فتُحرّم زوجته عليه حتى يكفّر عن ذنبه، وكفارة الظهار تكون بعتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد رقبة مؤمنة لعتقها يكفّر ذنبه بصيام شهرين متتابعين، ومن لم يستطيع صيام شهرين متتابعين يجب عليه إطعام ستين مسكيناً، والإطعام يتحقّق بإطعام كلّ مسكين نصف صاع؛ أي ما يساوي تقريباً كيلو وعشرين غرام، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)،[٧] وإن كان الظهار معلّقاً بحصول أمرٍ ما وكان قصد الزوج منع الزوجة أو إجبارها على فعل ما وليس الظهار من زوجته فعليه كفارة اليمين إن لم يتم يمينه، كما يُنظر أيضاً في زوجات الرجل؛ فإن ظاهر منهنّ جميعاً بلفظ واحد فالكفارة الواجبة عليه كفارة واحدة فقط، وإن ظاهر من كلّ واحدة على حدة فتجب عليه كفارة عن كلّ لفظ.[٨]
الجماع في نهار رمضان
يُطلق الجماع على وطء ومباشرة الرجل لزوجته،[٩] ويعدّ الجماع من مفسدات الصيام التي توجب الكفارة والقضاء، ويُشترط في ذلك أن يكون الرجل متعمّداً للجماع، ومختاراً له، وعالماً بحرمة ذلك دون أن يكون معذوراً في فعله، فإن جامع الرجل زوجته ضمن الشروط السابقة يجب عليه التكفير عن فعله بعتق رقبة، ومن لم يجد رقبة مؤمنة عليه صيام شهرين متتابعين، ومن لم يستطع صيام شهرين متتابعين عليه إطعام ستين مسكيناً، ولا بدّ من الترتيب في الكفارة فلا يكون الصيام إلّا بانعدام الرقبة، ولا يكون الإطعام إلّا بعدم القدرة على الصيام، والجدير بالذكر أنّ تحرير الأسير لا يعدّ عتق رقبة مجزء عن الكفارة وإنّما هو فداء، كما أنّ كفارة الجماع في نهار رمضان تجب في وقتها دون المماطلة في الوقت، ولا يجوز تأخير الكفارة إلّا لعذر شرعيّ معتبر، ومن أبطل صيامه بسبب تناول الطعام والشراب، أو بسبب الجماع، فيجب على استئناف صيام شهرين متتابعين ولا يعتبر بالصيام السابق لتلك الأعمال.[١٠]
المراجع
- ↑ "تعريف ومعنى كفارة"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "الكفارة والقضاء"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "الحالات التي يجب فيها صيام الشهرين المتتابعين"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 92.
- ↑ "أقوال العلماء في كفارة القتل الخطأ"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 3-4.
- ↑ "مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى جماع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "كفارة الجماع في نهار رمضان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.