صيام ليلة النصف من شعبان
ليلة النصف من شعبان
صيام ليلة النصف من شعبان
يجوز للمسلم الصوم في سائر الأيام عموماً دون تحديد يومٍ وتخصيصه عن باقي الأيام؛ إلّا ما جاء النص بتخصيصه؛ كالأيام البيض، والاثنين والخميس، ويُستحبّ له كذلك أن يكثر من الصيام في شهر شعبان؛[١] لما روي من حديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ)،[٢] أمّا تخصيص صيام يوم النصف من شعبان عن صيام باقي أيامه وإفراده بذلك، فقد اختلف فيه العلماء إلى عدة فرق وآراء، وفيما يلي بيان رأي كل فريقٍ على حدة:[٣][١]
- يرى فريقٌ من العلماء أنّه لا يُشرَع تخصيص يوم النصف من شعبان بصيام دون بقية أيّام الشهر، وأنّ ذلك الأمر لم يرد فيه نصّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ ما ورد في هذا الباب من الأحاديث لا يرقى لدرجة الاحتجاج به.
- ذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى كراهة الصيام بَعْدَ انتصاف شعبان حتى دخول شهر رمضان، بما في ذلك يوم النصف من شعبان، وَهُوَ قَوْل جمهور الشافعية والطّحاوي وغيرهم.
- خصّ ابن حزم الظاهري النهي عن صيام النصف من شعبان بما يأتي بعده من الأيام؛ أي بالسادس عشر من شعبان؛ ممّا يعني أنّ صيام النصف من شعبان جائزٌ مباحٌ عنده، وقد قال بذلك الكثير من العلماء قديماً وحديثاً.
سبب تسمية شعبان بهذا الاسم
سُمّي شهر شعبان بذلك لأنّ وقت تسميته كان يُصادف تشعُّب العرب فيه وانتشارهم بهدف القتال والحصول على الغنائم، وقيل: بأنّ العرب كانوا ينتشرون في تلك الفترة للبحث عن الماء حتى يسقوا دوابهم وإبلهم، ويتزوّدون منه للصيف.[٤][٥]
فضل ليلة النّصف من شعبان
تمتاز ليلة النّصف من شهر شعبان بأنّ لها أهميّة تربو عن فضل وأهمية باقي ليالي شهر شعبان، بل إنّ أهمية تلك الليلة تفوق أهمية معظم ليالي الأشهُر الأخرى، حتّى أنَّ بعض العلماء من جعل لليلة النصف من شعبان أهميةً ربما توازي أهمية ليلة القدر،[٦] وقد ورد في فضل ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أشارت تلك الأحاديث إلى استِحباب إحياء تلك الليلة، والإكثار من الفضائل والعبادات والطاعات فيها طلباً للأجر والثواب من الله.[٧]
فسَّر بعض العلماء والمفسرين قول الله تعالى: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[٨] بأنّ المقصود بالليلة المباركة الواردة في الآية ليلة النّصف من شعبان؛ إذ إنّ في تلك الليلة -حسب قولهم- يُقدِّر الله ما سيجري للعباد من الأقدار إلى السّنة اللاحقة، وكلّ ما يخصُّهم ويخص عائلاتهم من الرزق والخير والشر، ثمّ بعد ذلك يُقدّم الله ما يريد من الأرزاق والآجال، ويؤخّر ما يشاء بأمرٍ منه سبحانه.[٦]
الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شعبان
ورد في ليلة النصف من شعبان العديد من الأحاديث، وقد ثبت وصحَّ ورود شيء من تلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بينما ثبت كذب بعض الأحاديث التي تتعلق بها، وبقيت بعض الأحاديث متردّدةً في درجة صحتها ولكنها لا ترقى إلى القبول، ولذلك كان من اللازم تبيين ما صحَّ من تلك الأحاديث مما لا يصحُّ منها.
الأحاديث المقبولة بخصوص ليلة النّصف من شعبان
- رُوِي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِه إلا لمشركٍ، أو مُشاحِنٍ).[٩]
- رُوِي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (قام رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من اللَّيلِ يُصلِّي، فأطال السُّجودَ حتَّى ظننتُ أنَّه قد قُبِض، فلمَّا رأيتُ ذلك قُمتُ حتَّى حرَّكتُ إبهامَه فتحرَّك فرجعتُ، فلمَّا رفع إليَّ رأسَه من السُّجودِ وفرغ من صلاتِه، قال: يا عائشةُ -أو يا حُميراءُ- أظننتِ أنَّ النَّبيَّ قد خاس بك؟ قلتُ: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، ولكنَّني ظننتُ أنَّك قُبِضْتَ لطولِ سجودِك، فقال: أتدرين أيُّ ليلةٍ هذه؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: هذه ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ، إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يطَّلِعُ على عبادِه في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ، فيغفِرُ للمُستغفِرين، ويرحمُ المُسترحِمين، ويؤخِّرُ أهلَ الحقدِ كما هُم).[١٠]
الأحاديث التي لا ترقى لدرجة القبول بخصوص النِّصف من شعبان
وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل قيام وصيام ليلة النّصف من شعبان؛ إلّا أنَّ أغلب تلك النصوص مشكوكٌ في صحة نسبتها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لذلك يجب الإشارة إلى النصوص التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان في نسبتها ضعفٌ لا يجيز العمل بها، ومع ذلك فإن فضل ليلة النصف من شعبان من حيث القيام والصيام لا يتأثّر بهذه الأحاديث، ويرجع به إلى أقوال العلماء الثقات، ومن تلك النصوص التي لا يجوز الاحتجاج بها بخصوص ليلة النصف من شعبان ما يلي:
- ما رواه كردوس بن عمرو، قال: (مَن أحيا ليلتَيِ العيدِ وليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، لم يَمُت قلبُهُ يومَ تموتُ فيهِ القلوبُ).[١١]
- ما رُوِي عن عليٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه قال: (إذا كان ليلةُ نِصفِ شعبانَ، فقوموا ليلَها وصوموا نهارَها، فإنَّ اللَّهَ تعالى ينزلُ فيها لغروبِ الشَّمسِ إلى سماءِ الدُّنيا، فيقولُ: ألا مستغفِرٌ لي فأغفرَ لهُ، ألا مسترزِقٌ فأرزقَهُ، ألا مبتلىً فأعافيَهُ، ألا كذا، ألا كذا؟ حتَّى يطلُعَ الفجرُ).[١٢]
- ما رُوِي عن أبي أمامة الباهليّ، قال: (خمسُ ليالٍ لا تُرَدُّ فيهُنَّ الدّعوةُ : أوّلُ ليلةٍ من رجبٍ، وليلةُ النِّصفِ من شعبانَ، وليلةُ الجمعةِ، وليلةُ الفطرِ، وليلةُ النَّحرِ).[١٣]
- ما رُوِي عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ، يغفرُ اللهُ منَ الذنوبِ أكثرَ منْ عددِ شعرِ غنمِ كَلْبٍ).[١٤]
حكم قيام ليلة النّصف من شعبان
اختلف العلماء في حكم قيام ليلة النّصف من شعبان، وكان منشأ اختلافهم ناتجاً عن الاختلاف في فهم الأحاديث الواردة بخصوص فضل ليلة النصف من شعبان، واختلافهم في درجة الأخذ بتلك الأحاديث، وفي هذه الفقرة سيتم بيان آراء وأقوال العلماء في حكم قيام ليلة النصف من شعبان:[١٥][١٦]
- ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب قيام ليلة النّصف من شعبان؛ حيثُ يتعرّض المؤمن في هذه الليلة لرحمات الله سبحانه وتعالى، وتُغفر بها ذنوبه إن قامها بحقها، كما نُقِل عن ابن تيمية أنّ جماعةً من السلف كانوا يقومون ليلة النصف من شعبان في كل عام دليلاً على أفضليتها.
- يرى المالكيّة والحنفيّة والإمام الأوزاعيّ وعطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة أنّ الاجتماع ليلة النّصف من شعبان بغية قيامها مكروه، سواء كان في المسجد أو في غيره، وأنّ ذلك يُعدُّ من البِدَع التي لم يأت فيها نصُّ صريحٌ صحيحٌ في القرآن أو السنة، كما أنَّ بعض المسلمين أحدثوا في تلك الليلة صلاةً تُسمّى صلاة الرّغائب، وهي غير مشروعةٍ في الإسلام.
إنّ مجرَّد قيام ليلة النصف من شعبان جائزٌ مشروع، إذا كان مقترناً بالأذكار والصلاة المشروعة، أمّا الاجتماع لقيامها أو تخصيصها بصلاةٍ معينة مختلفةٌ في الهيئة عن باقي الصلوات غير جائزٍ؛ حيث إنّ الأصل في العبادات الحَظر وذلك باتفاق جميع الفقهاء السابقين.
المراجع
- ^ أ ب "حكم صيام يوم النصف من شعبان"، إسلام ويب، 31-7-2010، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 2434، صالح.
- ↑ "حديث النهي عن صيام النصف من شعبان دراسة حديثية فقهية تعليلية"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2017. بتصرّف.
- ↑ صلاح الدين أرقه دان (7-11-2013)، "معاني أسماء الأشهر العربية"، موقع أ.د فتحي جروان، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2017. بتصرّف.
- ↑ "سبب تسمية شهر شعبان"، جزايرس، 25-7-2010، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرّسالة، صفحة: 10، جزء: 22. بتصرّف.
- ↑ "أهمية ليلة النصف من شعبان"، البوابة، 10-5-2017، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الدّخان، آية: 3-4.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2767، حسن صحيح.
- ↑ رواه البيهقي، في شعب الإيمان، عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 3/140/5، مرسلٌ جيّد.
- ↑ رواه ابن الجوزي، في العلل المُتناهية، عن كردوس بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2/562، لا يصح.
- ↑ رواه ابن رجب، في لطائف المعارف، عن عليّ بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 261، إسناده ضعيف.
- ↑ رواه الألباني، في السّلسلة الضعيفة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 1452، حديث موضوع.
- ↑ رواه الألباني، في ضعيف الجامع، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 654، رُوِي من عدّة طُرُقٍ أقواها لا يؤخذ به.
- ↑ "ليلة النصف من شعبان وما ورد فيها"، إسلام ويب، 29-10-2000، اطّلع عليه بتاريخ 10-5-2017. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من الفقهاء (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السّلاسل، صفحة: 235، جزء: 2.