صيام أول رجب
الصيام
يعدّ الصيام من العبادات التي فرضها الله -عزّ وجلّ- على الأمم الماضية ممّن كانوا قبل الإسلام أيضاً، وقد أخبر الله -تعالى- عن ذلك حين قال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[1] فالثابت أنّ عبادة الصيام مكتوبةً على المسلمين، وعلى الأمم من قبلهم، سواءً اكانت بنفس الكيفية أم بغيرها، فقد جعل الله لكل أمّةٍ شرعةٌ خاصةٌ في الفروع، والعبادات، وقد وردت صور من صيام الأوّلين في نصوص الشريعة الإسلامية، منها قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن صيام داود عليه السلام: (أَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داود: كان يصومُ يوماً، ويُفْطِرُ يوماً)،[2] وأما ما يتعلّق بالصيام في الإسلام فهو الإمساك عن الطعام، والشراب، والنكاح، وكل ما يعدّ من المفطرات بنية العبادة من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وقد كان أول ما شرع من الصيام في الإسلام هو صيام يوم عاشوراء، ثم جاء بعدها تشريع صيام شهر رمضان، وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة.[3][4]
واقتضت حكمة الله -تعالى- في تشريع الصيام على المسلمين التدرّج في ذلك؛ فالبداية كانت من يوم عاشوراء، ثمّ فُرض الصيام بشكلٍ مطلقٍ، وجاء بعدها التفصيل في عدّة الأيام المفروض صيامها، ثمّ شُرع الصيام على المسلمين على وجه التخيير أولاً، واستمرّ الأمر كذلك إلى أن توطّنت نفوسهم عليه، واعتادوه، ثمّ جاء الأمر بالصيام دون التخيير في ذلك، وإضافةً للصيام المفروض على المسلمين جميعاً في رمضان فإنّ في الإسلام عددٌ من المناسبات، والأيام الخاصة التي يسنّ فيها الصيام، منها: صيام يوم عرفة لمن لم يكن مع الحجيج في عرفات، وصيامه يكفّر ذنوب سنةً قبله وسنةً بعده، ومنها أيضاً: صيام أيام الست من شوال، فإن صامها المسلم بالإضافة لصيام رمضان كان كمن صام الدهر، ومنها: صيام يوم الاثنين، وهو اليوم الذي وُلد فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما يسنّ الصيام في بعض الأيام المطلقة كذلك، كيوم الخميس، والأيام البيض من كلّ شهرٍ.[3]
صيام أول رجب
خلق الله -تعالى- الزمان، والمكان، والإنسان، وهو يصطفي من خلقه ما يشاء، ويختار، فقد اصطفى من الشهور التي خلقها الأشهر الحُرم، وفضّلها على سائر الشهور، حتى قال في القرآن الكريم: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ)،[5] وهذه الأشهر الأربعة الحُرم هي: محرّم، وذو القعدة، وذو الحجّة، ورجب، وقد كانت العرب قديماً تعظّم شهر رجب تعظيماً كبيراً، فتوقف القتال فيه، وكانوا يصومون، ويتقربون إلى الله -تعالى- بالذبح فيه أيضاً، أمّا الإسلام فلم يحثّ على نوعٍ معينٍ من الطاعات في شهر رجب، وإنما عظّمه، وجعله شهراً حراماً، حيث يستحبّ للمسلم فيه أن يُكثر من الطاعات، والأعمال الصالحة فيه، فمن كان له وردٌ من القرآن، أو من الصدقة، أو نحوها فليُكثر منه وليحرص عليه في شهر رجب، ولا يجوز تخصيصه بطاعةٍ معينةٍ، أو عبادةٍ ذات كيفيةٍ لم يثبت لها أصل في الشرع، وقد ذكر بعض الوضّاعين أكاذيب، وأباطيل عن شهر رجب، وألصقوها بالإسلام، وبسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.[6]
فمن أكاذيبهم تلك ما نشروه من اعتقاد أجرٍ وفضلٍ معينٍ في صيام أيامٍ محددةٍ من شهر رجب، وقد انتشر ذلك بين العوّام، فيظّن بعضهم أنّ صيام اليوم الأول من رجب فيه أجر صيام ثلاث سنواتٍ، وصيام اليوم الثاني منه كأجرصيام سنتين، وصيام اليوم الثالث فيه كأجر صيام سنة، وما تبقى من أيام الشهر فصيام الواحد منها يعدل صيام شهرٍ كاملٍ، فهذا كلّه من الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليس من الإسلام في شيءٍ، وقد نسبوا إلى رسول الله حديثاً يدلّ على أنّ من صام أول رجب، ومنتصف رجب، وآخر رجب عن النار احتجب، وهو حديثٌ مكذوبٌ لا يصحّ عن رسول الله كذلك، ويظهر من ذلك أنّه لم يرد في شهر رجب فضلٌ معينٌ، فالإمام الحافظ ابن رجب ألّف كتاباً أطلق عليه: تبيين العجب لما ورد في رجب، وقرّر فيه عدم ثبوت حديثٍ واحدٍ في فضل شهر رجب.[6]
فضل الصيام
بيّنت النصوص الشرعية عدداً من فضائل الصيام ومحاسنه وثماره العائدة على الصائم، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[7]
- أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ من خُتم له بصيام يومٍ كان جزاؤه الجنة، حيث قال: (من صامَ يوماً ابْتغاءَ وجْه اللهِ خُتِمَ له به، دخلَ الجنةَ).[8]
- أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن دعاء الصائم بأنّه مستجابٌ، فقال: (ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المظلُومِ، ودعوةُ المسافِرِ).[9]
- أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ رائحة خلوف فم الصائم التي تظهر في صيامه؛ خيرٌ عند الله -عزّ وجلّ- من رائحة المسك، حيث قال: (والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ لَخَلوفِ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِِ المسكِ).[10]
- أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ الصائم يفرح فرحتان؛ فرحةٌ عند فطره بإتمام صيامه وأكله وشربه، وفرحةٌ عند لقاء الله تعالى؛ لما يجد عنده من الأجر العظيم، والثواب الجزيل بسبب صيامه، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما إذا أَفطرَ فَرِحَ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ).[10]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 183.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3420، صحيح.
- ^ أ ب الشيخ عطية محمد سالم (2008-9-1)، "مشروعية الصيام وآدابه وأحكامه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-15. بتصرّف.
- ↑ الشيخ عبد الله بن صالح القصيِّر (2007-8-18)، "حقيقة الصيام وحكمه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-15. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 36.
- ^ أ ب "ما حكم صيام رجب، وهل فيه طاعة معينة مرغب فيها؟ "، www.ar.islamway.net، 2009-5-6، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-15. بتصرّف.
- ↑ محمد رفيق مؤمن الشوبكي، " الصيام وفضائله"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-15. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 985، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3030، صحيح.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1904، صحيح.