طريقة حج التمتع
الحجُّ
تتَوجَّه أفئدة وأجساد ملايين المسلمين صوب البلد الحرام كلَّ عام، فيسارعون السير، ويغذُّون الخُطى من شتّى بقاع الأرض ومختلف أنحائها، ليأتوا الكعبة المشرَّفة والمشاعر المقدَّسة، فيؤدُّون عبادةً من أعظم العبادات؛ تنفيذاً للأمر الإلهي الذي جاء في قوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)،[1] فالحجُّ ركنٌ من أركان الإسلام الذي يحرص على أدائه كلُّ قادرٍ عليه، وهو فرض عينٍ على كلِّ من استطاع إليه سبيلاً، والإجماع منعقدٌ على كونه فرضاً، وهو من المعلوم من الدِّين بالضَّرورة، والذي يعدُّ منكره والجاحد به كافراً،[2] ومن أراد الحجَّ وخرج لأدائه، فإنَّ عليه عند إحرامه به أن يحدِّد نوع النَّسك الذي سيحرم به؛ إذ للحجِّ ثلاثة أنواعٍ من النُّسك يختار الحاج أحدها، وهي: الإفراد والقِران والتَّمتُّع،[3] والنوع الأخير من النُّسك هو محلُّ التَّوضيح والبحث في هذا المقال، وفي ما يأتي بيانٌ لمفهوم حجِّ التَّمتُّع، وشرحٌ لكيفيَّته.
حجُّ التَّمتُّع
قبل الشُّروع بتعريف حجِّ التَّمتُّع كنوعٍ من أنواع مناسك الحجِّ، لا بدَّ من بيان لتعريف الحجِّ، فالحجُّ في الاصطلاح الشَّرعي: هو أن يقصد المسلم بيت الله الحرام والمشاعر المقدَّسة، في أيامٍ معدودات؛ لأداء أعمالٍ مخصوصة محدَّدة، وفق هيئةٍ وشروطٍ محدَّدةٍ كذلك، وتتمثَّل الأعمال المخصوصة وفق جمهور العلماء بالوقوف بعرفة، والطَّواف بالكعبة المشرَّفة، والسَّعي بين الصفا والمروة.[2]وأمَّا حجُّ التَّمتُّع: فالمراد به أن يُحرم الحاجُّ بالعمرة في أشهر الحجِّ، ويؤدِّي مناسكها من طوافٍ وسعي، حتّى إذا فرغ من عمرته تحلَّل من إحرامه بها، فحلق رأسه أو قصَّر، وبقي متحلِّلاً حتّى يأتي اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة، فيجدِّد إحرامه للحجِّ من مكانه، وهو من أفضل أنواع النُّسك عند جملةٍ من العلماء، وعلى من اختاره للحجِّ وأحرم به ذبح الهدي، ويكون ذبح الهدي واجباً في حقِّه،[3] وقد ورد ذكر حجُّ التَّمتُّع في القرآن الكريم من قوله تعالى: (...إِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)،[4] وأمَّا أشهُر الحجِّ: هي شهر شوّال، وذو القعدة، وذو الحجَّة.[5]
طريقة حجِّ التَّمتُّع
يمكنُ إجمال كيفيَّة حجِّ التَّمتُّع بالخطوات الآتية:[6]
- ينوي الحاجُّ عند إحرامِه التَّمتُّع، فيُحرِم بالعمرة، ويلبّي بقوله: لبيك اللهمّ عمرة، وعند وصوله مكّة، يؤدي العمرة بالطَّواف حول الكعبة المشرَّفة، والسَّعي بين الصفا والمروة، ثمَّ يتحلَّل منها فيحلق رأسه أو يُقصِّر، ويبقى حلالاً من الإحرام حتّى اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة.
- في اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة: وهو اليوم المسمَّى بيوم التَّروية، يجدِّد الحاجُّ المتمتِّع إحرامه من مكانه، ويخرج مع سائر الحُجَّاج إلى مِنى، فيصلي فيها الظُّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ويبيت فيها ويصلي صلاة فجر اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة، ثمَّ ينطلق بعدها إلى عرفة.
- في اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة: وهو اليوم المعروف بيوم عرفة، يأتي الحُجَّاج جميعهم إلى عرفة، وعند زوال الشَّمس ودخول وقت الظُّهر، يصلُّون صلاتي الظُّهر والعصر قصراً وجمع تقديم، ثمّ يقفون بجبل عرفة، وهو ركنٌ من أركان الحجِّ التي لا يصح الحجُّ بدونها، ويستمر وقت الوقوف حتّى غروب الشَّمس، ويبقى الحُجَّاج في أثناء وقوفهم بعرفة منشغلين بالذِّكر والدُّعاء والابتهال إلى الله، وبعد مغيب الشَّمس ينفِرُ الحُجَّاج إلى مزدلفة، ويُصلُّون فيها المغرب والعشاء قصراً وجمع تأخيرٍ في وقت العشاء، ويبيتون فيها ليلتهم، حيث يعدُّ المبيت بمزدلفة واجباً عند جمهور الفقهاء.
- في اليوم العاشر من ذي الحجَّة: وهو اليوم المسمَّى بيوم النَّحر، ينطلق الحُجَّاج إلى مِنى، ويقومون برمي الجمرة الكبرى أو جمرة العقبة، وذلك برمي سبع حصياتٍ، والتَّكبير عند كلِّ رميةٍ، ويقطع الحُجَّاج التلبية مع ابتداء الرمي، ثمَّ يَشرَعُ الحاجُّ المتمتِّع بذبح الهدي، وذبح الهدي في حقِّه واجبٌ، وكذلك في حقِّ القارن، ثمَّ يتحلَّل الحُجَّاج بعدها من إحرامهم التحلُّل الأول أو الأصغر، الذي يُحلُّ لهم ما حُظر عليهم باستثناء الجِماع، ثمَّ يتَّجه الحُجَّاج إلى مكَّة، فيطوفون طواف الإفاضة، ويسعون بين الصَّفا والمروة وهذا السعي لمن لم يُقدّم السعي عند أدائه للعمرة، وبعدها يتحلَّلون التَّحلُّل الثَّاني أو الأكبر، الذي يُبيح لهم كلُّ ما كان محظوراً عليهم أثناء الإحرام بلا استثناء.
- في أيام التَّشريق الثَّلاثة: وهي اليوم الحادي عشر، والثَّاني عشر، والثَّالث عشر من ذي الحجَّة، يعود الحُجَّاج إلى مِنى ويرمون في كلِّ يومٍ من هذه الأيام ثلاث جمراتٍ هي الجمرة الصغرى، والجمرة الوسطى، والجمرة الكبرى أو جمرة العقبة، وفي كلِّ جمرةٍ من هذه الجمرات يرمي الحاجُّ بسبع حصياتٍ، ورمي الجمرات الواجب هو ما كان في يومي الحادي عشر والثَّاني عشر، أمَّا في اليوم الثَّالث عشر فالحُجَّاج أمام خيار البقاء في مِنى وتكرار رمي الجمرات الثلاث، أو التَّعجل بالمغادرة دون رمي الجمرات في هذا اليوم، كما جاء في قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).[7]
- يختم الحُجَّاج سواء كانوا متمتِّعين أو قارنين أو فرادى حَجَّهم بأداء طواف الوداع، فيأتون مكَّة قبل مغادرتهم إلى بلدانهم، ويطوفون بالكعبة المشرَّفة؛ ليكون آخر عهدهم بيت الله الحرام، ومن ذلك ما روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (مَنْ حَجَّ البيتَ، فلْيَكُْن آخِرَ عَهدِه بالبيتِ، إِلَّا الْحُيَّضُ، ورَخَّصَ لَهُنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ).[8]
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية: 27.
- ^ أ ب مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 23-24، جزء 17. بتصرّف.
- ^ أ ب "أنواع الحج أركانه وواجباته وسننه"، ar.islamway.net، 15-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: من الآية 196.
- ↑ فضل الله ممتاز (10-10-2013)، "وقت الحج وأبرز مناسكه"، fiqh.islammessage.com، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2017. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية )، الكويت: دار السلاسل، صفحة 45-48، جزء 17.بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 203.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 944، حسنٌ صحيح.