ضوابط الحجاب
الحجاب الشرعي
جعل الله -عزّ وجلّ- اللباس زينةً وستراً، وهو الطريق الذي يؤدي بصاحبه إلى الخير، كما يدلّ على التقوى، وقد أراد الله تعالى ألّا يجعل الناس على حالة العريّ التي كانوا عليها منذ القدم، وإنّما أراد أن يستر عوراتهم ويواريها، فقد قال: (يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ)،[1] إلّا أنّ الشيطان أبى أن يفتن الناس ويدعوهم إلى العريّ كما فتن أبويهم من قبل، فاستجاب له أولياءه، فقد كان الناس قديماً يطوفون بالبيت الحرام عراةً، معلّلين ذلك بأنّهم لا يريدون الطواف في ثيابٍ قد عصوا الله -تعالى- بها، ويدّعون أنّهم إنّما ورثوا ذلك عن آبائهم، ثمّ جاء الإسلام بعد ذلك ليلغي ما كانوا عليه من عادات الجاهلية، ويُخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر، فأمر بالحجاب والستر حفاظاً على المرأة من الفسّاق، فجاء الخطاب لمحمدٍ صلّى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)،[2] كما أمر النساء بالحرص على إخفاء المواضع التي قد تثير الفتنة، إلّا ما يظهر لضرورةٍ أو دون إرادةٍ، وفي الجهة الأخرى فقد أمر المؤمنين بغض أبصارهم، وإن وقع البصر على ما هو محرّمٌ من غير قصدٍ فالواجب صرف البصر مباشرةً، وما ذلك إلّا طهارةً لقلوبهم وحفاظاً على دينهم.[3]
ضوابط الحجاب الشرعي
الحجاب فرضٌ على كلّ مسلمةٍ بالغةٍ عاقلةٍ حرّةٍ، وقد اشترط العلماء بعض الشروط الواجب توافرها في الحجاب حتى يكون شرعياً، وذلك بناءً على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفيما يأتي بيان لتلك الشروط بشكلٍ مفصّلٍ:[3]
- أن يكون الحجاب ساتراً لجميع بدن المرأة، باستثناء الوجه والكفين فقد اختلف العلماء فيهما، وذلك من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنّ أسماء بنت أبي بكرٍ دخلت على رسول الله وعليها ملابس رقيقة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ).[4]
- ألّا يكون الحجاب زينةً في نفسه، فقد نهى الله المؤمنات عن إظهار الزينة؛ خشية الفتنة، إلّا ما لا يُمكن إخفاؤه.
- ألّا يشفّ الحجاب ما تحته؛ فالذي يُظهر ما تحته ليس بحجابٍ وإنما هو أقرب للتعرّي، وهو معنى كاسياتٍ عارياتٍ اللاتي لعنهنّ رسول الله.
- أن يكون الحجاب فضفاضاً لا يصف حجم الجسد؛ لأنّ الغاية من الحجاب هي درء الفتنة، والضيق وإن أخفى لون البشرة إلّا أنّها وصف حجم الجسد وشكله، وهو ممّا لا يخفى على أحد أنّه يُحدث الفتنة.
- ألّا يكون الحجاب مطيّباً أو معطراً؛ لأنّ النهي جاء من النبي عن تعطير المرأة وخروجها من المنزل.
- عدم تشبّه لباسها بلباس الرجال، فقد رُوي عن رسول الله أنّه قال: (لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الرَّجلَ يلبسُ لُبسةَ المرأةِ ، والمرأةَ تلبَسُ لُبسةَ الرَّجلِ).[5]
- تجنّب لباس الشهرة؛ لما فيه من الخيلاء، وألّا يكون مشابهاً للباس الكافرات، فلا يجور التشبّه بالكفار سواءً كان ذلك باللباس أو الأعياد او غيره.
فوائد الحجاب
فرض الله الحجاب الساتر للبدن على النساء، ووعد بالثواب عليه والعقاب لمن تركه، ولهذا كان تركه من الموبقات التي تؤدي بصاحبها إلى العديد من الكبائر، وللحجاب فوائد عظيمةٌ ومصالحٌ كبيرةٌ، وفيما يأتي بيان لبعض هذه المصالح بشكلٍ مفصّلٍ:[6]
- طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث إن الله ورسوله أمرا بالحجاب، وعلى المرأة المسلمة الاستسلام والخضوع لشريعة الله تعالى.
- الحجاب إيمانٌ؛ فالأمر بالحجاب جاء من الله تعالى بقوله: (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ)،[7] فهو خاصٌ بالمؤمنات، والمؤمنة مطيعةٌ لأمر ربها ملتزمةٌ بحجابها.
- طهارةٌ لقلب المرأة والرجل، ففي الآية: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)،[8] فالآية نزلت في أزواج النبي، أن من أراد أن يسألهن شيء فليسألهن من وراء حجاب، فذلك أدعى لطهارة قلوبهم وقلوبهن، والحكم ينطبق على جميع النساء والرجال، فالرجال والنساء بحاجةٍ إلى طهار القلب في كلّ زمانٍ ومكانٍ.
- علامة العفيفات؛ فهو ما يدلّ على عفة الظاهر، والظاهر يدل على الباطن، والستر يحميها من الأذى بخلاف التبرّج الذي يجعل المرأة معرضةً له، خاصةً من ضعيفي الإيمان.
- الحجاب حياءٌ؛ فهو وسيلةٌ لحفظ الحياء الذي هو شعبةٌ من شُعب الإيمان، وخلعه ما هو إلّا خلعٌ للحياء.
- يتناسب الحجاب مع الغيرة التي تتواجد في كلّ إنسانٍ سوي خُلق على فطرته، وهي العاطفة التي تدفع الرجل لصيانة المرأة عن كلّ شين وعيب.
- الحجاب يدعو إلى مكارم الأخلاق من العفة والحياء والاحتشاء، ويقطع المطامع الشيطانية وأمراض القلوب.
مضارّ التبرّج
يعدّ التبرّج معصيةٌ لله تعالى، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضرّ إلّا نفسه، وهو كبيرةٌ من الكبائر المهلكة؛ فقد قرن رسول الله بين التبرج والكبائر الأخرى في الحديث حين جاءت أميمة بنت رقيقة تبايعه، فبايعها قائلاً: (أبايعُكِ على أن لا تُشرِكي باللَّهِ شيئًا، ولا تَسرقي ولا تَزني، ولا تَقتُلي ولدَكِ، ولا تأتي ببُهْتانٍ تَفترينَهُ بينَ يَديكِ ورِجليكِ، ولا تَنوحي، ولا تَبرَّجي تبرُّجَ الجاهليَّةِ الأولى)،[9] وهو من الأمور التي تجلب لعن الله والطرد من رحمته، كما أنّه من صفات أهل النار، وهو من الأمور التي حرص عليها إبليس في قصة آدم وحواء، وهو طريقةٌ جاهليةٌ يهوديةٌ منتنةٌ فيها دلالةٌ على التخلّف والانحطاط.[10]
المراجع
- ↑ سورة الأعراف، آية: 26.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 59.
- ^ أ ب طه فارس (15-11-2015)، "حجاب المرأة المسلمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في غاية المرام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 187، حسن.
- ↑ رواه النووي، في تحقيق رياض الصالحين، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 527، إسناده صحيح.
- ↑ علي الأهدل (19-8-2014)، "فوائد الحجاب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 59.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 53.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم: 75، إسناده صحيح.
- ↑ محمد المقدم، "الحجاب لماذا ؟؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2018. بتصرّف.