كيف نتوب إلى الله
رحمة الله تعالى
وسعت رحمة الله تعالى كلّ شيءٍ، وشملت كلّ البشر؛ المطيع والعاصي، المؤمن والكافر؛ حيث سخّر الله تعالى لهم الشمس، والقمر، والسماوات، والأرض، والنبات، والحيوان، والماء، والتراب، والهواء، ينتفع بها المؤمن والكافر من الناس؛ فهي مسخّرةٌ بأمر الله ولا خيار لها، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)،[1] وعلى الرغم من أنّ رحمة الله تعالى تشمل المؤمن والكافر في الدنيا، إلا أنّ الله تعالى يطرد الكفّار والعصاة من رحمته يوم القيامة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[2] ومن رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين؛ أنّه يدخلهم الجنّة يوم القيامة، فمهما بلغت طاعات العبد الظاهرة والباطنة، فلن تبلغ ما يستحقه ربّه عزّ وجلّ؛ لأنّ العبد يبقى عاجزاً عن أداء حقّ ربّه، فإذا أعطاه الله تعالى الثواب كان صدقةً منه وفضلاً ورحمةً؛ حيث إنّ العبد المملوك لا يستحق شيئاً ممّا يملك سيّده، فإن أعطاه شيئاً فهو إحسانٌ منه وفضلٌ، كما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لن يُدخِلَ أحدًا عملُهُ الجنَّةَ قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَنِيَ اللَّهُ بِفَضلٍ ورَحمةٍ؛ فسدِّدوا وقارِبوا، ولا يَتمَنَّيَنَّ أحدُكمُ الموتَ: إمَّا مُحسِنًا فلعلَّهُ أن يزدادَ خَيرًا، وإمَّا مُسيئًا فلعلَّهُ أن يَستَعتِبَ)[3] ومن صور رحمة الله تعالى بعباده أن أرسل رسله؛ ليأخذوا بأيديهم إلى سبيل الهدى، ولم يكلهم إلى عقولهم، ولا إلى ما خلق في الآفاق من آيات الهدى، ولا إلى فطرتهم بالاهتداء، وبعد ذلك لم يترك لهم وضع منهجٍ لحياتهم، بل أمرهم بتطبيق منهج الحياة القويم الذي قرّره لهم، حيث قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).[4][5]
كيفيّة التوبة إلى الله تعالى
التوبة هي اسمٌ جامعٌ لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، وترك ما يبغضه الله تعالى ظاهراً وباطناً، والقيام بما يحبه الله تعالى ظاهراً وباطناً، ويمكن القول أنّ التوبة ترك الذنب؛ مخافة الله تعالى، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه، واستشعار قبحه، والتوجه إلى الله تعالى فيما بقي من الحياة، وتجدر الإشارة إلى أنّ للتوبة شروطاً لا بُد من توفرها؛ حتى تكون التوبة صحيحة ومقبولة، ومن هذه الشروط: الإقلاع عن المعصية بشكلٍ كلّيّ؛ لأنّ الاستمرار على الذنب يُنافي التوبة، ثمّ الاعتراف بالذنب والندم على اقترافه، والعزم على عدم العودة إليه، وأخيراً إذا كان في الذنب مظلمةٌ متعلقةٌ بحقوق العباد فلا بُد من رد المظالم إلى أهلها؛ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رحَمَ اللهُ عبدًا كانتْ لهُ عندَ أخيه مظلمةٌ في عرضٍ أو مالٍ فلْيتحلَّلْه منه اليومَ، من قبلِ أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان لهُ عملٌ صالحٌ؛ أُخذَ منه بقدرِ مَظلمتِه، وإن لَم تكن لهُ حسَناتٌ؛ أُخذِ من سيِّئاتِ صاحِبِه فحُملَ علَيهِ)،[6] والحقيقة أنّ السعادة ليست باتباع الشهوات والملذات، واقتراف أنواع المحرمات، بل برجوع النفس إلى ربها -عزّ وجلّ- والتوبة إليه، وإذا أراد الله بالإنسان خيراً يسّر له الأسباب التي تعينه على التوبة، ومن هذه الأسباب:[7]
- الصدق وإخلاص النيّة: حيث إنّ الله تعالى يعين الإنسان على التوبة إذا صدق وأخلص النيّة، ويقويه، ويصرف عنه ما يعترض طريق توبته، كما قال تعالى عن نبييه يوسف عليه السلام: (كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)،[8] وأمّا إذا لم يصدق الإنسان ويُخلص نيّته لله؛ استولت عليه الشياطين وصار في حالٍ من السوء لا يعلمه إلا الله .
- تذكير النفس وتخويفها: إذ إنّ تذكير النفس بالموت وأنّه آتٍ لا محالة، وأنّ النهاية إلى القبر والتراب، وأنّه لا ينفع الندم ولا البكاء بعد الموت، فإنّ ذلك سيؤدي إلى خوف النفس والأوبة والتوبة إلى الله تعالى.
- محاسبة النفس: يمكن القول أنّ محاسبة النفس تعين العبد على التوبة، وتساعده في المحافظة عليها بعد حصولها؛ لأنّها تذكّره بعمل الخير وتبعده عن فعل الشر.
- ترك رفقة السوء: من أهم الأمور التي تعين على التوبة ترك رفقاء السوء؛ لأنّ تأثيرهم على طباع الإنسان كبيرٌ جداً؛ لذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(الرجلُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم من يُخالِلُ). [9]
- تدبّر عواقب الذنوب: فالتدبر في قبح ما تؤول إليه الذنوب والمعاصي، وما يترتب عليها من عقابٍ وجزاءٍ، يدفع الإنسان إلى عدم ارتكابها، والتوبة منها في حال اقترف شيئاً منها.
- إشغال النفس بما ينفع وتجنب الوحدة والفراغ: فالفراغ قد يؤدي إلى الانحراف، والشذوذ، والإدمان، ويقود إلى رفقة السوء؛ فعدم انشغال النفس بالحقّ يؤدي إلى انشغالها بالباطل.
علامات قبول التوبة
إنّ للتوبة المقبولة علاماتٌ تدلّ على قبولها، ومن هذه العلامات:[10]
- أن يكون ما بعد التوبة خيراً ممّا قبلها: ويكون ذلك بالمداومة على الطاعات وفعل الخيرات؛ لأنّ التكاسل عن الطاعات والتفريط فيها دليلٌ على عدم قبول الله تعالى للتوبة.
- إنخلاع القلب وتقطّعه؛ ندماً وخوفاً من العقوبة العاجلة والآجلة.
- بقاء الخوف من العودة إلى الذنب مصاحباً للتائب: حيث إنّ المؤمن يخشى من ذنبه وإن صغر، أمّا المنافق لا يخشى منه وإن كان ذنبه عظيماً، بل ينظر إلى ذنبه كأنّه ذبابة وقعت على أنفه فأزاحها.
- كسرةٌ خاصّةٌ لا تحصل إلا للتائب.
المراجع
- ↑ سورة لقمان، آية: 20.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 23.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5673، صحيح.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 203.
- ↑ "رحمة الله بعباده هي الأصل، حتى في ابتلائهم"، knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2449، صحيح.
- ↑ " كيف أتوب "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية: 24.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4833، حسن.
- ↑ "كيف أتوب - علامات التوبة المقبولة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2018. بتصرّف.