-

كيف أكون دائماً مع الله

كيف أكون دائماً مع الله
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الصدق مع الله

يحث الدين الإسلامي على مكارم الأخلاق، والله -تعالى- يُعظّم أجر وثواب من تخلّق فيها، والصدق من جملة هذه الأخلاق التي أمر الله -تعالى- بالتحلي بها، يقول ابن القيم رحمه الله: (ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله)، فمن صدَق الله -تعالى- في جميع أُموره أعطاه الله -تعالى- فوق ما يعطي غيره، وقد امتدح الله -تعالى- الصادقين، فقال عن إسماعيل عليه السلام: (وَاذكُر فِي الكِتابِ إِسماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا).[1][2]

والصادقون مع الله -تعالى- في خيرٍ دائم في الدنيا والآخرة، وفي قصة الصحابي كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك خير دليل على عِظم منزلة الصدق مع الله تعالى، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرَك؟ قال قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إني واللهِ لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا، لرأيتُ أني سأخرج من سَخَطِه بعُذرٍ، ولقد أعطيتُ جَدلًا، ولكني واللهِ لقد علمتَ لئن حدَّثتُك اليومَ حديثَ كذبٍ ترضَى به عني، ليوشِكنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولئن حدَّثتُك حديثَ صدقٍ تجِد عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عُقبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عذرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمّا هذا، فقد صدق، فقُمْ حتى يقضيَ اللهُ فيك)،[3] فأكرمه الله -تعالى- بإنزال توبته في آيات تُتلى إلى قيام الساعة، فمن صدق الله -تعالى- كَتب له الذكر الجميل، وإذا كان الصدق مع الله في هذه المنزلة، فقد حرّم الله -تعالى- الكذب وبيَّن سوء عاقبته.[2]

كيف أكون دائماً مع الله

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من دعاء: (اللَّهمَّ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلبي على دينِك، فسألته أُم سلمة رضي الله عنها: وإنَّ القلوبَ لتتقلَّبُ؟ فأجاب: نعم، ما من خلقٍ للهِ من بني آدمَ إلَّا وقلبُه بين أصبعَيْن من أصابعِ الرَّحمنِ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه)،[4] فما سُمي القلب قلباً إلا لتقلبه، والسؤال عن كيفية الثبات على الدين والحياة مع الله -تعالى- دليل واضح على سلامة الفطرة ونقاء القلب، يقول الفضيل: (حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا)، فعلى من أراد أن يكون دائماً مع الله -تعالى- أن يزهد بالدنيا، كما أنَّ الإيمان دائماً ما يحتاج إلى تعاهد وتجديد، فهو يبلى في القلب كما يبلى الثوب، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه والسلام- أنَّ القلوب تعتريها المعاصي، فتحجب نورها كما تحجب السحاب المظلمة ضوء القمر، فإذا عمل على زيادة منسوب إيمانه بالأعمال الصالحة، عاد قلبه يتلألأ.[5]

يقول الإمام ابن الجوزي: (يا مطرودًا عن الباب، يا محرومًا من لقاء الأحباب، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك، فانظر فيما يستخدمك، وبأيِّ الأعمال يشغلك، كم عند باب الملك من واقفٍ، لكن لا يدخل إلا من عني به، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر)، فإذا أراد العبد معرفة منزلته عند الله تعالى، فعليه أن ينظر في حاله إن كان من أهل الدعوة أم من أهل الشهوات، فالله -تعالى- يختص عباده بالتوفيق إلى الطاعة، أمَّا من اتبع هواه وانشغل عن الله -تعالى- بالدنيا الفانية فهو محروم أيَّما حرمان، يقول تعالى: (مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا وَمَن أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعيَها وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولـئِكَ كانَ سَعيُهُم مَشكوراً)، [6] وعلى من أراد أن يكون عبداً ربانياً في جميع شؤونه القيام بالآتي:[5]

  • تعاهد الإيمان في القلب؛ فالإيمان هو المفتاح لكل خير، والمغلاق لكل شر، وبه يتمكَّن العبد من الوصول إلى خيري الدنيا والآخرة، ويكون تعاهد الإيمان بالإقبال على الأعمال الصالحة.
  • الإكثار من التوبة، والإقبال على الله -تعالى- بصدق؛ فمن أتى الله -تعالى- تائباً عازماً بكل صدق على عدم العودة للذنب، قبله الله -تعالى- وأغدق عليه من رحمته وفضله.
  • علو الطموح والسمو بالنفس، والتطلع إلى أعلى المراتب، والعمل قدر الاستطاعة للوصول إلى الفردوس الأعلى، باتِّخاذ الصحابة والتابعين قدوة، والسيْر على نهجهم في الدنيا، واغتنام جميع ما نملك في الخير؛ حتى نزيد في إيماننا.
  • الحرص على الصحبة الصالحة؛ فمجالسة الصالحين أكثر ما يُعين على فعل الطاعات واجتناب المعاصي .
  • الالتجاء إلى الله -تعالى- بالدعاء، والحرص على قيام الليل؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من القيام حتى تتورَّم قدماه، على الرغم من أنَّ الله -تعالى- غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر.
  • تخصيص ورد قرآني، والحرص على قراءته بتدبر وتفكر؛ للوصول إلى ما في القرآن من الأسرار.
  • الدعوة إلى الله -تعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة.

جمال الحياة في معرفة الله

يقول ابن القيم: (أي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله، وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه، وماله بعد الوصول إليه)، فالقلوب التي لا تتصل بالله تعالى، هي قلوب خَربة يكسوها الران، قريبة من الهموم والأحزان، بعيدة عن التوفيق وعن لذة الحياة مع الله، فأرواح المؤمنين تتحرَّك شوقاً لله -تعالى- عند قراءة القرآن الكريم والتدبر في أسمائه -تعالى- وصفاه، وقد قسَّم ابن تيمية العلم بالله إلى قسمين هما: العلم بما يتَّصف به من نعوت وما دلَّت عليه أسماؤه الحُسنى، مما يوصل إلى خشية الله تعالى، والعلم بالأحكام الشرعية من الأوامر و النواهي، يقول ابن القيم: (فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها، فكذلك العلم به ومعرفته أيضا، فإن العلم من أفضل العبادات)، فسعادة المؤمنين مرتبطة بمعرفة الله تعالى، فالله غايتهم، والتعرف إليه قرة عيونهم.[7]

المراجع

  1. ↑ سورة مريم، آية: 54.
  2. ^ أ ب "الصدق مع الله"، www.ar.islamway.net، 18-3-2015، اطّلع عليه بتاريخ 23-1-2019. بتصرّف.
  3. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2769، صحيح.
  4. ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن ام سلمة هند بنت أبي أُمية، الصفحة أو الرقم: 10/179، إسناده حسن.
  5. ^ أ ب "أريد أن أكون ربانيّا .. الوصايا العشر "، www.slamqa.info، 3-2-2003، اطّلع عليه بتاريخ 25-1-2019. بتصرّف.
  6. ↑ سورة الإسراء، آية: 18-19.
  7. ↑ محمد العتيبي، "جمال الحياة..في معرفة الله"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-1-2019. بتصرّف.