كيف نستفيد من رمضان
أنواع الناس في رمضان
فضّل الله -تعالى- عباده بأن جعل لهم شهر مضان موسماً للتنافس بالطاعات، فاستغلّه قومٌ واستفادوا منه ففازوا، وتركه أقوامٌ فخابوا، وقد أخبر الله -تعالى- أنّ الناس أنواع من حيث تلقي شرع الله تعالى، وأوامره، والعمل بها، فقال الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)،[1] فصنّف الله -تعالى- الناس في عبادته على ثلاثة أنواعٍ: النوع الأول مقصّرٌ في حقّ الله -تعالى- وعبادته، والثاني يقوم بظاهر العبادة تاركاً لحقيقتها، والثالث يقوم بالعبادة عالماً بحقيقتها، ويُمكن أيضاً تصنيف الناس في حالهم مع رمضان إلى ثلاثة أنواعٍ، كما بيّن ذلك الإمام الغزالي؛ حيث صنّف الناس بالنسبة لصوم رمضان إلى ثلاثة أنواعٍ، النوع الأول سمّاه صوم العامّة، والثاني صوم الخاصّة، والثالث صوم خاصّة الخاصّة، وبيّن أنّ صوم العامة هو مجرّد الامتناع عن الطعام والجِماع، وليس وراء ذلك من شيءٍ، وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- واصفاً هذا النوع من الناس: (ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ، وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ)،[2] وأمّا صوم الخاصّة فهو اجتنابٌ لجميع المعاصي والآثام، كالنظر إلى ما حرّم الله، أو الكلام السيء، أو الكذب، والغيبة والنميمة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيقلْ: إنِّي امْرُؤٌ صائمٌ)،[3] وأمّا صوم خاصّة الخاصّة فهو صوم الأنبياء، والصديقين، وعباد الله المقرّبين، ويكون بالإقبال على الله -تعالى- وحده بكامل الهمة، وامتناع القلب عن الأفكار الدنيوية والأفعال الرديئة.[4]
الاستفادة من رمضان
يعدّ شهر رمضان نعمةً عظيمةً، وفرصةً من الله تعالى لا بُدّ من استغلالها، وفي ما يأتي بعض الوسائل للاستفادة من رمضان:[5]
- الدعاء: إذ يجب الاستفادة من اللحظات الثمينة التي تسبق أذان المغرب والإفطار، واستغلالها في الدعاء، والتضرّع، وسؤال الله -تعالى- من خير الدنيا والآخرة؛ لأنّ تلك الأوقات من أوقات استجابة الدعاء، بالإضافة إلى أنّ الصائم منكسرٌ بنفسه، مقبلٌ على الله، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المظلُومِ، ودعوةُ المسافِرِ)،[6] فلذلك يجب الحذر من تضييع تلك الأوقات العظيمة بالأحاديث الجانبية، وخاصّةً عند اجتماع الأقارب على مائدة ٍواحدةٍ، أو اجتماع الشباب في التجمعات والجلسات.
- برّ الوالدين: حيث إنّه من أعظم العبادات، وممّا يدلّ على ذلك أنّ الله -تعالى- قرن برهما بتوحيده، وكما هو معلومٌ فإنّ شهر رمضان شهرٌ تتضاعف فيه الأجور، فلا بُدّ من الاستفادة من ذلك، وبرّ الوالدين يتحقّق بالإفطار معهما، وقضاء حوائجهما، والقرب منهما، والحذر من التقصير في برّهما بالانشغال عنهما بالإفطار مع الأصدقاء بشكلٍ دائمٍ، أو بالسهر ليلاً والنوم نهاراً مع ترك الوالدين يتحمّلان أعباء إحضار الحاجيات، وتحضير الطعام من دون مساعدتهما.
- الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر: حيث إنّ وقتا الفجر والسحر من الأوقات الفاضلة، فيمكن استغلالها في الذكر وقراءة القرآن، بالإضافة إلى الحصول على أجر حِجّةٍ وأجر عمرةٍ تامّةٍ من خلال الجلوس في المسجد من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، ثمّ صلاة ركعتين، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ، ثمّ صلّى ركعتينِ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ).[7]
- هجر المعاصي والذنوب: إذ إنّ الشياطين تُصفّد في شهر رمضان، وتنكسر فيه الأنفس لله رب العالمين، و ترى الناس يسابقون في الطاعات، فلذلك يعتبر شهر رمضان فرصةً لمجاهدة النفس، والصبر، والمثابرة، فلا بُدّ من الاستفادة من هذه الظروف وترك المعاصي والذنوب التي ابتُلي فيها بعض الناس؛ كالتدخين، والغيبة، والنميمة، وسوء الخلق، والاستماع إلى الغناء.
- أداء العمرة: حيث إنّ العمرة في رمضان تعدل أجر حِجّةٍ مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتجدر الإشارة إلى أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقيّدها بالعشر الأواخر من رمضان؛ فيمكن الذهاب إلى أداء العمرة في أي وقتٍ من الشهر، ولكن يُنصح تجنب الذهاب إلى العمرة في العشر الأخيرة بسبب الازدحام.
- الاعتكاف: ويمكن إحياء سنة الاعتكاف في المسجد، ولو ليومٍ واحدٍ؛ لما لهذه السنة من أجرٍ عظيمٍ ودورٍ كبيرٍ في الترابط ونشر الألفة بين المسلمين.
- تدبّر القرآن الكريم: من الجدير بالذكر أنّ الكثير من المسلمين يختمون القرآن الكريم في رمضان عدّة مراتٍ، ولكن من غير تدبّرٍ، حيث تكون غايتهم الوصول إلى نهاية السورة أو نهاية القرآن، ولا يخفى أنّ لهذا أجرٌ عظيمٌ عند الله تعالى، ولكنّ الاستفادة ستكون أكبر، والأجر أعظم لو تدبّروا الآيات، ونظروا في تفسيرها، وقدوتهم في ذلك السلف الصالح رضي الله عنهم، حيث قال ابن تيمية رحمه الله: (ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مئة تفسيرٍ، ثمّ أسأل الله الفهم، وأقول اللهمّ يا معلّم آدم علّمني).
فضائل شهر رمضان
ثمة فضائل وخصائص ميّز الله -تعالى- بها شهر رمضان المبارك، منها:[8]
- نزول القرآن الكريم في شهر رمضان، كما قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).[9]
- إنّ في شهر رمضان ليلةً خيراً من ألف شهر، وهي ليلة القدر، فقد قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[10]
- فتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النيران، وتصفيد الشياطين في شهر رمصان، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا جاء رمضانُ فُتِحَتْ أبوابُ الجنةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ، وصُفِّدَتْ الشياطينُ).[11]
- صيام رمضان سببٌ لتكفير ذنوب سنة سابقة، إذا اجتُنبت الكبائر، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ).[12]
المراجع
- ↑ سورة فاطر، آية: 32.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1380، حسن صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1904، صحيح.
- ↑ "أصناف الناس فى رمضان"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2018. بتصرّف.
- ↑ "أربعون وسيلة لاستغلال شهر رمضان"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-7-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3030، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6346، صحيح.
- ↑ "فضائل وخصائص شهر رمضان"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 7-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ سورة القدر، آية: 1-3.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1079، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 233 ، صحيح.