كيف نتعامل مع اختلاف الفقهاء والمذاهب الفقهية
فقه الاختلاف
يعرّف الاختلاف بأنه الطريقة أو المنهج الذي يسلكه شخصٌ ما المغاير والمختلف للطريق الذي يسلكه شخصاً آخراً في نفس حاله أو قوله هيئته أو موقفه، ولفظ الخلاف أعمّ من لفظ الضد، حيث إن كلّ أمرين متضادين يعدان أمرين مختلفين، وفي المقابل لا يعدّ كل أمرين مختلفين أمرين متضادين، والختلاف يتفرّع إلى نوعين، فقد يكون اختلاف تنوّع وتكامل، وقد يكون اختلاف تضاد وتنازع، فاختلاف التنوع غير محدود، وليس الاختلاف المقصود من النصوص التي نهت عن الخلاف، وإنما هو المحمود المشروع المفيد المثري، وهو القوة في الحجّة والبرهان، ويمتاز بأنه سنة ربانيّة، لا يمكن الخلاص منها، مثل اختلاف الناس في ألوانهم وأشكالهم وقبائلهم وميولهم وعقولهم، حيث قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)،[1] كما أن اختلاف التنوع من الضرورات البشرية، بالنسبة للاختلاف في اللغة، وطبيعة الحياة والكون، كما أن الله تعالى خلق الناس مختلفين، فمنهم المتشدد ومنهم المتيسّر، ومنهم من يأخذ الحكم بالنظر إلى ما يؤول إليه النص، ومنهم يأخذ بالظاهر منه، مما يؤدي إلى الاختلاف في طبيعة الحكم على الأشياء والمواقف والأعمال المتعلقة بأمور السياسة والسلوك والفقه، ومن الجدير بالذكرأن الاختلاف رغم أنه رحمة وسنة ربانية إلا أنه يبقى رحمة بالأمة، كما أن الأمور المسكوت عنها في الشريعة الإسلامية تعدّ من أكثر الأمور التي يمكن وقوع الخلاف فيها.[2]
أما الاختلاف المذموم فهو اختلاف التضاد والتنازع، الذي يؤدي إلى تفريق الناس عن بعضهم البعض، وإيقاع العداوة والتنازع فيما بينهم، ومن الأسباب التي تؤدي إليه البغي واتباع الهوى، وهو الذي ذُم بسببه أهل الكتاب من اليهود والنصارى في القرآن الكريم، كما أن اختلاف التنازع يؤدي إلى تفريق كلمة الأمة وتنازعها، وذلك ما حذّرت منه النصوص القرآنية والنبوية تحذيراً شديداً.[2]
التعامل مع اختلاف الفقهاء والمذاهب الفقهية
إن اختلاف العلماء من الأمور التي حصل بها التوسعة والتيسيير على أفراد الأمة، إلا أنه يعدّ أيضاً من الأمور الخطيرة بالنسبة لعامة الناس التي تسبب عدم تحديد الموقف، وتتبع الرخص التي أقرّتها المذاهب الفقهية، إلا أن المحقيقين من الأصولين أجمعوا على أن العامي ومن ليس له قدرة وأهلية للاجتهاد في المسائل اتباع أقوال المجتهدين من العلماء، والعمل بها، إلا أن بعض المعتزلين البغدادين اشترطوا ثبوت صحة اجتهاد المجتهد بدليل لاتباعه، ورغم قول المعتزلة إلا أن الصحيح ما ذهب إليه المحقيقين من الأصوليين، ودليل ذلك قول الله تعالى: (فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ)،[3] كما أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن العامي يتبع ويقلّد إمامه، فالعامي ومثله يجب عليه اتباع المجتهد، ولا يصحّ منه النظر في الأدلة، لعدم قدرته على ذلك، وإن أراد العامي اتباع ما يملي عليه العلماء أو أهل الفتوى بما يُملى عليه، فإن اتفقت الأقوال على أمر محدد، يجب على العامي اتباع ما أُملي عليه، وإن اختلفت الأقوال الموجّهة إليه، ففي هذه الحالة وردت العديد من أقوال الأصوليين في حاله، منها القول بأن يجتهد العامي في معرفة الأعلم والأورع من العلماء ليأخذ بقوله، وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد في روايةٍ عنه، والبعض من الشافعية، والأكثر من الأصوليين، والبعض الآخر من الحنابلة والشافعية ذهبوا إلى القول بأن العامي مخيّر إن اختلفت لديه الفتاوى في عصره، ورُوي عن الظاهرية أن عليه الاخذ بأشد الأقوال وأغلظها، وفي المقابل ذهب فريق إلى أن العامي يأخذ بأخف وأيسر الأقوال، وذهب الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله إلى القول بأن العامي يسأل كل مجتهد عن الدليل الذي استدلّ به، ثمّ يجتهد بنفسه في المسألة المختلف فيها، ويأخذ بالقول الراجح.[4]
ويجب على المسلم أن يتحلّى بالأخلاق ويمتثل الضوابط التي تجعل من الاختلاف حواراً ملتزماً بضوابطه، وفيما يأتي بيان البعض منها:[2]
- الإخلاص لله تعالى، وتجنّب والابتعاد عن تحقيق الأهواء والرغبات، فالكثير الحوارات التي تكون في ظاهرها قائمة على الخلاف في الفكر، أو مسائل العلم، إلا أنها في الحقيقة قائمة على حب الذات، واتباع الهوى.
- عدم التعصّب للأفراد أو الجماعات أو المذاهب والطوائف، فالمسلم يجب عليه اتباع الدليل، والانقياد له، وإن كان على خلاف المذهب الذي يتبعه ويقتدي به.
- الإنصاف والعدل دون أن يلعب الحب والبغض أي دور، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).[5]
- حسن الظن بالناس، دون النظر إلى أعمالهم وسلوكاتهم، وعلى المسلم أن يحرص على عدم تزكية نفسه، أو اتهام غيره بأي شيء.
- تجنّب المراء، والحرص على الإحسان في الجدال والنقاش.
أسباب الاختلاف
يقع الاختلاف بين العلماء في الفروع والمسائل بسبب العديد من الأمور، وفيما يأتي بيان البعض منها:[6]
- طبيعة اللغة العربية، وما فيها من التنوع في أساليب البلاغة، وأساليب الدلالة والنظم، مما يؤدي إلى الاختلاف في المعاني، الذي يؤدي إلى اختلاف آراء المجتهدين، فنصوص التشريع وردت بلغة العرب، التي تؤثّر في الفهم.
- طبيعة التشريع الإسلامي، فالإسلام شريعة عالمية صالحة لكل زمان ومكان، ملبيةً حاجات الإنسان على اختلافها، ولذلك شُرع الاجتهاد، الذي يؤدي بطبيعته إلى الاختلاف، ليراعي التغييرات.
- طبيعة النفس الإنسانية، فيستحيل أن ينطبق الإنسان مع غيره، ولكن يمكن أن يتقارب، فالختلاف في الطبيعة تؤدي إلى الاختلاف في الاجتهاد والتكامل والتعاون.
- اختلاف القواعد والمبادئ الأصولية، فاختلاف المجتهدين في بعض القواعد الأصولية التي تُستنبط الأحكام الشرعية العملية بناءً عليها، ومن القواعد التي اختلف العلماء فيها: الاستحسان، والاستصلاح، والذرائع، والعرف، والمخالفة، وتخصيص العام، والأمر والنهي.
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية: 22.
- ^ أ ب ت "فقه الاختلاف وأدب الحوار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 43.
- ↑ "مواقف العوام من اختلاف العلماء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 135.
- ↑ "أسباب اختلاف الفقهاء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.