كيف تخلص النية لله
النيّة
إن أي عمل نريد القيام به في حياتنا يجب أن تسبقه النيّة في القيام به، فإذا أردنا أن نقوم ببناء منزل، فبالتأكيد، إن النيّة قد سبقت القيام ببنائه، وكذلك هي الأمور التي فرضها الله علينا من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج إلى بيته الحرام، يجب أن تسبقها نية القيام بها، والإخلاص إلى الله -عزّ وجلّ- في القيام بها، فكيف نخلص النيّة إلى الله -عزّ وجلّ-؟ وماذا لو لم نخلص النيّة لله، فهل ستقبل أعمالنا أم لا؟
النيّة تعني القصد في اللغة، أما في الاصطلاح: فهي تعني أن يخلص الإنسان في عمله لوجه الله -عزّ وجلّ- ولا أحد غيره، فقد أخبرنا النبي أن الملائكة تأخذ الأعمال التي يفعلها الإنسان، وتصعد بها إلى السماء، وتلقي بها بين يدي الله، فيقول تعالى: (ألقوا بها، فإن عبدي لا يريد بها وجهي)، والله قد يثيبُ العبد إذا نوى أن يعمل عملا صالحا بدون فعل ذلك العمل، والنيّة هي عبادة من العبادات المعنوية التي يكون محلها القلب.
حكم النيّة
اتفق العلماء على أن النيّة واجبة في أي عمل يقوم به المسلم، فلو أراد المسلم الوضوء، فنية الطهارة والوضوء يجب أن تكون قبل القيام به، فالمسلم يقصد في عبادة النيّة هو أن يميز بين القيام بالعبادة والعادة، فعندما تغتسل فهي عادة، ولكن الغُسل من الجنابة هي عبادة يقوم بها المسلم بالتطهر من الجنابة، والشكر لله -عزّ وجلّ على- نعمة الجماع مع الزوجة.
كما تحدثنا سابقاً، فإن النيّة هي مقدمة أي عمل، والعمل بلا نية تسبقه هو عمل غير مكتمل الأركان، وقد قال السلف الصالح: (إن العمل لله حتى يكون صالحاً يجب أن يحتوي على أمرين: فالأول النيّة الخالصة لله -عزّ وجلّ- في هذا العمل، أما الثاني فهو أن يكون حسب منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم-)، فقد قال تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً"، وحسن العمل لا يأتي إلا من خلال نية صالحة خالصة لله -عزّ وجلّ-.
الأرزاق على حسب النيّة
من الأمور المتداولة في عالمنا العربي أن الله يعطي الإنسان حسب نيته اعتقادا بالمثل السائد: (ربنا بيعطي الواحد حسب نيته)، وهذا الكلام لم يرد في القراّن الكريم، أو في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى لو أراد الناس به خيراً، ومن الأمثال السائدة أيضاً: (على نياتكم ترزقون)، وهذا أيضاً ليس من كلام الله، ولا كلام رسوله، والمقصود أن الله يعطي الإنسان حسب نيته، فإذا كانت نيته سليمة أعطاه الله الرزق الكثير، أما إذا كانت نية الشخص سيئة فإن الله سيحرمه من الرزق، وهذه الأمثال خاطئة، فالله أعطى قارون من الأموال ما لم يحصل عليه أي بشرٍ من قبله أو بعده، فلو كان الله يعطي حسب النيّة لكان قارون وأمثاله من الكافرين أقل الناس أموالاً ورزقاً، وكان المؤمنون من أكثر الناس امتلاكاً للأموال والعقارات، ولكن الله يقسم الأرزاق كيفما يشاء، وليس حسب نوايا الإنسان سواء أكانت سيئة أم صالحة.
أقسام النيّة
تنقسم النيّة في الإسلام إلى قسمين رئيسيين، وهما:
- نية مفروضة: هي النيّة التي لا تكون العبادات صحيحة إلا بها، مثل: النيّة التي تكون في أركان الإسلام الأربعة: (الصيام، والحج، والزكاة، والصلاة)، فيجب أن ينوي الإنسان قبل القيام بهذه الفرائض، وإلا كان القيام بهذه الأعمال باطلاً.
- نية مستحبة: هذه النيّة لا تُبطل العمل في حال عدم القيام بها، مثل: النيّة التي تكون في الطعام والشراب، كأن ينوي الإنسان أن يأكل بنيّة التقوى لله -عزّ وجلّ-.
الحساب على الإخلاص في النيّة
إنّ الله -سبحانه وتعالى- قد لا يحاسب الإنسان على إخلاصه في نيته حساباً عاجلاً في الدنيا، فربما تجد إنساناً يصلي طوال حياته، ويكون هدفه من هذه الصلاة أن يراه الناس رجلاً صالحاً، ولا يحاسبه الله في الدنيا، ولكن يقوم بحسابه يوم القيامة بأشد أنواع العقاب، ولنا في حديث النبي حكمة وعبرة، فقد أخبرنا أن أول من يحاسب هو المجاهد والمصلي والصائم، الذين فعلوا هذه الأشياء فقط كي يعرفهم الناس في الدنيا أنهم رجالاً صالحين، فيقول لهم الله -عزّ وجلّ- إنكم قد أوتيتم ما طلبتم من حب الناس لكم في الدنيا، ويدخلهم النار خالدين فيها أبداً.
أثر النيّة في صلاح العمل
إنّ أثر النيّة مرتبط ارتباطاً وثيقاً في صلاح العمل، فقد قال تعالى: "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً"، أي إن المؤمن الذي يقوم بالعمل الصالح لا يخاف من نقصان حسناته، وبالتأكيد، إن النيّة الخالصة لله -عزّ وجلّ- هي المقدمة في اعتبار العمل صالحاً أو فاسداً.
إذا كانت النيّة فاسدة، وليست خالصة لله -عزّ وجلّ-، فإن العمل سيكون فاسداً، وسيترتب على ذلك عدم إثابة الله لمن يقوم بهذا العمل، فقد قال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسب الظمآن ماءً"، فالله لا يجزي عبده الذي عمل عملاً بنية فاسدة، حتى لو كان هذا العمل من الأعمال الصالحة.
كيفية إخلاص النيّة لله
- تذكّر عذاب الله في الآخرة، وأن الله سيحاسبه على كل نواياه السيئة.
- يضع العبد أمام ناظريه أن الله يعلم السر وأخفى، فهو يعلم كل كبيرة أو صغيرة يفعلها الإنسان جهراً أو سراً.
- يجب أن نعلم علم اليقين أن هذه الدنيا فانية، لا يبقى منها إلّا العمل الصالح.
- إنّ الله لا يثيبنا على أعمالنا إلا عندما يكون العمل خالصاً لوجهه الكريم.
أحكام في النيّة
اتفق العلماء على أن النيّة محلها القلب، ولا يجب أن يتلفظ بها العبد المسلم عند الصيام، فإذا تناول المسلم ونسي أن يتلفظ بنية الصيام، ولكنه نوى في قلبه أن يصوم في نهار ذلك اليوم، فهذا جائز ولا خلاف عليه بين العلماء.
- شخص ترك التدخين للمحافظة على صحته، وليس لطاعة الله -سبحانه وتعالى-، ما هو حكم النيّة هنا، وهل يثيبه الله على هذا الأمر؟
اتفق العلماء على أن الله لا يثيب هذا الرجل على الإقلاع عن هذه المعصية؛ لأنه حين أراد الإقلاع عنها لم يكن يبتغي فضل الله ورضوانه، إنما أراد المحافظة على صحته، ولكنه لو نوى أن يكون هذا الإقلاع لطاعة الله والمحافظة على صحته، لكان أفضل له وأثابه الله -عزّ وجلّ-.
- في شهر رمضان الكريم، هل تجوز النيّة في بداية الشهر فقط؟ أم يجب أن ينوي المسلم في بداية كل يوم من شهر رمضان الكريم؟
اتفق العلماء على وجوب النيّة في كل يوم من نهار رمضان، ولا يكفي أن ينوي العبد المسلم الصيام قبل بداية الشهر فقط، فربما لا يأخذ الثواب من الله -عزّ وجلّ- إن فعل ذلك.