-

كيف عالج الاسلام قضية الرق

كيف عالج الاسلام قضية الرق
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

تعريف الرق والعتق

تعرّف كلمة الرق في اللغة بأنّها العبودية وإزالة الحرية، فإن قيل رقّ العبد أي بقي رقيقاً عبداً، وإن رق الحرّ فقد صار عبداً بعد أن كان حراً، وقد تأتي الكلمة بمعنى الخضوع والذل،[1] أمّا العتق في اللغة فهو بمعنى الخروج من المدى والوصول إلى النهاية، وهو خروج العبد من عبوديته وصيرورته حراً، ومن ذلك العتق تقرّباً إلى الله تعالى؛ أي تحرير رقبة ابتغاء نيل رضا الله تعالى، ومن ذلك خيار العتاق، والمقصود به خيار الأَمَة المتزوجة عند إعتاقها بين البقاء على النكاح أو الفسخ.[2]

علاج الإسلام لقضية الرقّ

بعد مرور البشرية بأوقات طويلة من الظلم واستعباد الناس جاء الإسلام ليحدّ من هذه الظاهرة ويحث المؤمنين على عتق الرقاب ويجعل لذلك الأجور العظيمة حتى يُقبلوا على الإنفاق في سبيله، فأحد الأسس التي انطلق منها الدين الإسلامي هو اعتبار الناس سواسية لا فرق بين عربي أو أعجميّ إلا بالتقوى، ثم شجع على عتق الرّقاب، وجعله كفارة لبعض الذنوب كذلك، وفيما يأتي الأسلوب الذي انتهجه الإسلام للقضاء على وجود رقيق بين الناس.[3]

  • شجع الإسلام على عتق الرقاب وجعل لذلك الأجور العظيمة، ليدفع أغنياء المسلمين أن يقبلوا على إعتاق الرقاب كلما استطاعوا ذلك، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرغباً لذلك: (من أعتق رقبةً مسلمةً أعتق اللهُ بكلِّ عضوٍ منه عضواً من النّارِ، حتى فَرْجُه بفَرْجِه)،[4] فكان من أعتق رقبة من العبودية كأنه أعتق نفسه من النار، فتحمس الصحابة رضوان الله عليهم لينفقوا في سبيل عتق الرقاب، فأعتقت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تسعة وتسعين رقبة، وأعتق عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ألف رقبة في سبيل الله، وكذلك عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أعتق عشرين عبداً، وكلهم يرجون أجر ذلك من الله تعالى، والعتق من النيران.
  • صنّف الإسلام عتق الرقاب ضمن المصارف التي يجوز أن تُخرج زكاةً لأموال المسلمين، إذ قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ...).[5]
  • شرع الإسلام المكاتبة؛ ومعناها أن يتفق العبد مع سيده على مبلغ من المال يسدّده له مقابل أن يمنحه حرّيته، ثم حث باقي المسلمين أن يعاونوا إخوانهم من العبيد على مكاتبة أنفسهم حتى يكونوا أحراراً في أقرب وقت.
  • شجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من كانت له جارية أن يعتقها ويتزوّجها، وكان قدوة للمسلمين في ذلك إذ أعتق السيدة صفية -رضي الله عنها- وتزوجها، وكان مهرها عتاقها، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له جاريةٌ فعالها فأحسنَ إليها، ثمّ أعتقَها وتزوجَها كان له أجران).[6]
  • حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم من إيذاء العبيد وضربهم وإذلالهم أو استغلالهم، وجعل التوبة من ذلك أن يعتق رقبته، قال عليه السلام: (من ضرب غلاماً له، حدّاً لم يأتِه، أو لطمَه، فإنَّ كفارتَه أن يعتقَه).[7] ولقد روي أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان قد ضرب عبداً له على ظهره فأثرت فيه، فأعتقه توبة لله تعالى، ثم حمل شيئاً من تراب من الأرض ونظر فيه، وقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا. يقصد أن عتقه كان كفارة لذنبه ولم يترتب عليه شيء من أجر.
  • اعتبر النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان له عبد أنه بمثابة أخيه في الإسلام، فيلبسه ويطعمه ومن طعام ولباس أهل البيت، قال عليه السلام: (إخوانُكم خَوَلُكم، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديِكم، فمن كان أخوه تحتَ يدِه، فلْيُطعِمْه ممّا يأكُلُ، وليُلْبِسه ممّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم)،[8] حتى أن النبي عليه السلام قد أسماهم الغلام والجارية لينهي مسمّى العبد والأمة للرقيق، قال النبي عليه السلام: (لا يقولنَّ أحدُكم عبدي وأمَتي، كلُّكم عبيدُ اللهِ، وكلُّ نسائِكم إماءُ اللهِ، ولكن ليقُلْ: غلامي وجاريتي وفتايَ وفتاتي).[9]

تكفير الذنوب بعتق الرقاب

كان مما جعله الإسلام حلّاً لقضية الرقيق أن جعل كفّارة بعض الذنوب والأيمان بعتق الرقاب، وفيما يأتي تفصيل ذلك:[10]

  • جعل الإسلام كفارة من قتل نفساً خطأً أن يعتق رقبة، قال الله تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ).[11]
  • جعل الإسلام كفارة المسلم الذي ظاهر زوجته أن يعتق رقبة فداء لذلك على الترتيب، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا).[12]
  • جعل الإسلام كفارة من وقع على زوجته في نهار رمضان أن يعتق رقبة، ففي حديث ذكر أن صحابياً جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو له ذنبه الذي وقع فيه، وهو وطؤه لزوجته في نهار رمضان، فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان يستطيع أن يعتق رقبة، لكنّ الرجل لم يكن يملك ذلك فكفاه النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير ذلك كفارة لذنبه، لكنّ الحديث دلّل أن هذا الذنب يُكفَّر عنه بعتق الرقبة إن وجدت.
  • جعل الإسلام إحدى كفّارات اليمين التي أراد صاحبها أن يحنث أن يعتق رقبة في سبيل الله، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بقول الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ).[13]

المراجع

  1. ↑ "معنى كلمة الرق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-27. بتصرّف.
  2. ↑ "معنى كلمة العتق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-27. بتصرّف.
  3. ↑ "حرية النفس وعتق العبيد في الإسلام"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-27. بتصرّف.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6715، صحيح.
  5. ↑ سورة التوبة، آية: 60.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2544، صحيح.
  7. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن زادان أو زاذان، الصفحة أو الرقم: 1657، صحيح.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 30، صحيح.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2249، صحيح.
  10. ↑ "كفارة عتق الرقبة... حكمها... وكيفيتها"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-27. بتصرّف.
  11. ↑ سورة النساء، آية: 92.
  12. ↑ سورة المجادلة، آية: 3.
  13. ↑ سورة المائدة، آية: 89.