كم سنة استمرت حرب البسوس
حرب البسوس
حرب البسوس هي واحدة من أشهر الحروب التي قامت في التاريخ، والتي دارت على مدى أربعين عاماً، وفي روايةٍ أخرى لفترة عشرين عاماً، وكان سبب اشتعالها ناقة !. اشتعلت حرب البسوس بين قبيلتي تغلب بن وائل وحلفائها، وقبيلة بني شيبان وحلفائها، وذلك إبان قتل كليب بن ربيعة التغلبي لناقة سعد بن شمس الجرمي، جار البسوس بنت منقذ التميميّة.
سبب الحرب
كان كليب بن ربيعة التغلبي ملكاً لقبائل معد وسيداً عليهم، وكان هذا سبب بغائه وزهوه، فلم يعد يرعى حماه، عاث في الأرض تجبراً وفساداً، بحيث لا توقد نارٌ مع ناره ولا تورد إبل أحدٍ مع إبله.
كانت قبائل بني شيبان من بكر بن وائل وبني جشم من تغلب بن وائل تتجاور في الديار، كانت البسوس نازلةً عند جساس في بني شيبان، وكان برفقتها جارٌ لها هو سعدٌ بن شمسٍ الجرمي القضاعي، كانت لهذا الجار ناقةٌ أسماها (سراب)، مرت من أمام تلك الناقة إبلٌ لكليب، كانت الناقة معقولةً وفور رؤيتها للإبل نازعت حتى فكت تمكنت من قطع عقالها ولحقت الإبل واختلطت بها، فلما رآها كليبٍ بين إبله أنكرها، وأسرع بإطلاق سهمٍ نحو ضرعها نفرت على إثره الناقةُ وهي ترغو، فرآها الجرمي صاحبها على هذه الحال وأخبر البسوس التي صاحت بدورها:
" واذلاه .. واجاراه "!
وأنشدت قائلةً:
لعمري لو أصبحت في دارِ منقذٍ لما ضيم سعدٌ وهو جارٌ لأبياتيولكننـي أصبحـتُ في دارِ غربةٍ متى يعد فيها الذئب يعد على شاتي
غضب الجساس بن مرة فور سماعه لكلمات البسوس، فامتطى فرسه وانطلق في إثر كليبٍ يتبعه عمرو بن الحارث الشيباني، وفور وصولهما دخلا على كليبٍ وهو في حماه، وضرب الجساس كليب فقطم صلبه، تلاه عمرو الذي طعن كليب من الخلف فقطع بطنه، وقع كليب على الأرض وقال لجساس: " أغثني بشربة ماء ". فرد عليه جساس قائلاً: " هيهات، تجاوزت شبيثاً والأحص ".
بعد مقتل كليبٍ ارتحل بنو شيبانٍ حتى نزلو بجوار ماء يسمى النهى، وتبعهم المهلهل بعد أن اعتزل النساء والخمر، وجمع قومه من قبيلة تغلب، وأرسلوا عدداً من الرجال إلى مرّة الشيباني والد جسّاس، وقالوا له: "إنكم أتيتم عظيماً بقتلكم كليباً بنابٍ من الإبل، فقطعتم الرحم وانتهكتم الحرمة، وإنّا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم، ونحن نعرض عليكم خلالاً أربعاً لكم فيها مخرجٌ ولنا مقنعٌ ". فسألهم عن ماهيتها، فأجابوه: " تحيي لنا كليباً أو تدفع لنا جساساً قاتله نقتله به، أو هماماً فهو كفء له، أو تمكنّا من نفسك فإنّ فيك وفاءً من دمه ؟".
رد مرّة عليهم قائلاً: " أمّا إحيائي فهذا ما لا يكون، وأما جسّاس فإنه غلامٌ طعنَ طعنةً على عجلٍ ثم ركب فرسهُ فلا أدري أيُّ البلاد احتوى عليه، وأمّا همامٌ فإنّه أبو عشرة وأخو عشرة وعمُّ عشرةٍ كلّهم فرسان قومهم، فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم ليقتلَ بجريرةِ غيره، وأمّا أنا فهل هو إلّا أن تجول الخيل جولةٌ غداً فأكونُ أوّل قتيلٍ بينها، فما أتعجّل من الموت ؟!
ولكن لكم عندي خصلتان، أمّا إحداهما فهؤلاء بنيّ الباقون فعلقوا في عنق أيّهم شئتم نسعةً فانطلقوا به إلى رحالكم فاذبحوه ذبح الجزور، وإلّا فألفُ ناقةٍ سوداء المقل أُقيم لكم بها كفيلاً من بني وائل !".
غضب الرجال من كلامه، وأخبروه بأنه قد أساء إليهم بتلك المساومة، ولحقت جليلة بنت مرّة بأهلها، وودّعت في طريقها قبائل غفيلة بن قاسط والنمر بن قاسط الذين انضموا إليها. اعتزلت قبائل بكر بن وائل قبيلة بني شيبان وكرهوا جوارهم ومساعدتهم؛ لأنّهم رأوا سبب قتل كليب لأجل ناقةٍ بأنه أمرٌ عظيم، فارتحلت عنهم قبائل بني يشكر وبني عجل وكفّوا عن مناصرتهم، أمّا الحارث (سيّد بني قيسٍ) فقد انقبض في بيته.