-

كيف ظهرت الفلسفة

كيف ظهرت الفلسفة
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مفهوم الفلسفة

يبحث الإنسان دائماً في نفسه وفي الكونِ عن تفسيراتٍ لأسئلةٍ تتعلّق بوجوده، ولم يتوقف يوماً عن الفضول والدهشةِ أمامَ كلّ ما يواجهه في حياته، ومن نتائجِ بحثه وفضوله تكوّنت الفلسفة. إنّ مصطلح الفلسفة (بالإنجليزيّة: Philosophy) يونانيّ الأصل ويُلفظ في أصله (فيلوسوفيا)، وهي كلمة مكوّنة من جزئين، الأولى فيلو (Philo) وتعني حبّ، والثانية سوفيا (Sophia) وتعني الحكمة، أي بمعنى حبّ الحكمة. ويمكن أن تعرّف الفلسفة بأنّها العلم المعقول الشامل لجميع العلوم غير النقليّة، وهو العلم الذي يدرس الوجود في جميع جوانبه بوصفه موضوعاً واحداً، وهو العلم الذي يبحث عن أكثر مسائل الوجود كليّة.[1] وفي تعريف أكثر شمولاً لمفهوم الفلسفة هي النظر العقلاني المجرّد والمنهجيّ للواقع ككل أو الأبعاد الأساسيّة للوجود الإنسانيّ والتجربة. ويُعتبر البحث الفلسفيّ أحد أهمّ العناصر التي ساهمت في التاريخ الفكريّ للحضارات.[2]

ظهور الفلسفة

بدأ الإنسان منذ القدم بطرح أسئلةٍ عن أصل الكون، وطبيعة الإنسانِ ومصيره، ولكنّ هذه الأسئلة كان يجابُ عليها بتفسيراتٍ دينيّةٍ مرتبطةٍ بعقائد الحضارات القديمة، كالحضارة الصينيّة، والهندوسيّة، والمصريّة، وتعتبر الشرارة التي لمعت في عقلِ الإنسانِ لمبدأ الفلسفة.[3] وفي القرن 8 ق.م ظهرَ شاعر يدعى هسيود، الذي أخذَ يفسّر الكون بنظرة فلسفيّة مرتبطة بالآلهة، والتي تأثّر بها فلاسفة العصر الدينيّ لاحقاً، فقد بدأ هسيود يعطي تفسيرات فلسفيّة للكون ومن أهمّها أنّ العالم لم ينشأ من لا شيء. ولم تبدأ الفلسفة تتخذ صورتها الغربيّة المعروفة إلّا في اليونان، وتحديداً في ميليتوس الأيونية الواقعة على ساحل بحر إيجة في آسيا الصغرى، وذلك في القرن 6 ق.م على يد الفيلسوف طاليس ميليتس الذي تنبأ بوقوع كسوف للشمس، كما يعرف بمؤسس الرياضيات وعلم الفلك اليوناني. وبعد تاليس ظهر في المنطقة نفسها العديد من الفلاسفة كأناكسيماندر وبارمينيدس وغيرهما. وقد توجّه فلاسفة هذا العصر لفهم العالم الماديّ، ممّا هو مصنوع، وكيفَ أصبحَ على صورته الحاليّة، وكيفَ يسير النظام فيه.[4]

وصلت الفلسفة اليونانيّة مرحلةً عاليةً من التطوّر على يد أهمّ الفلاسفة في التاريخ وهم: سقراط، وأفلاطون، وأرسطو. فقد شكّل سقراط الفلسفة المبنيّة على الإدراك الحسيّ أو ما يعرف بالميتافيزيقية وغيرها من الأفكار الفلسفيّة. وقد أنشأ سقراط المدرسة السقراطيّة التي تتبنّى أفكاره، والتي درسَ فيها العديد من الفلاسفة وأهمّهم أفلاطون، الذي تتلمذ لمدّة 8 سنوات على يديّ سقراط، أخذَ مبادئ الفلسفة السقراطيّة وشكلها بناءً على قناعاته الخاصّة، ليشكّل الفكر الأفلاطونيّ الذي أساسه نظريّة الأفكار والتي تعني بأنّ الافكار هيَ التي تصنع الأشياء الماديّة والظواهر الطبيعيّة، أمّا أرسطو فقد كانَ مبدؤه بأنّ الأشياء هيَ التي توجد قبل الأفكار والكون.[3]

عوامل ظهور الفلسفة

نشأت الفلسفة بصورةٍ متكاملةٍ وصريحةٍ في اليونان، فقد ساهمت مجموعة من العوامل في ظهورها هناك، وهذه العوامل هي:[5]

  • العامل الجغرافيّ: تواصلت اليونان مع العديد من الحضارات كالحضارة الفينيقيّة، والمصريّة، والسومريّة، والبابليّة، والتركيّة، وغيرها، فأخذت من أفكار هذه الحضاراتِ وكتاباتها وتجاربها الثقافيّة، وذلك لأنّ اليونان كانت منقسمة إلى وحدات سياسيّة صغيرة متباعدة جغرافيّاً بسبب الجبال الوعرة.
  • العامل التاريخيّ: كانت اليونان دولةً منقسمةً لأجزاءٍ تستقلّ كل واحدةٍ عن الأخرى، ولكل جزءٍ سياسته، وأسلوبه، ودينه، وحضارته. ولكنّ تحوُّل مدينة أثينا إلى مركزٍ تجاريّ كبير أتاحَ الفرصةَ للتواصل بين الأجناس، والعادات، والمذاهب المختلفة.
  • العامل الاقتصاديّ: يزداد النشاط المعرفيّ والفكريّ مع زيادة المال وانتعاشِ الاقتصاد، لأنّ الإنسان المستقرّ اقتصاديّاً ينتقل من المحاربة للقمة العيش إلى التفكير، والإبداع، والفنّ.
  • العامل الاجتماعيّ: فمع اختلاطِ الشعوب ببعضها وتبادل القصص والأفكار، اتسعَ أفقُ المجتمعِ وظهر ما يعرف بحريّة الفرد والشخصيّة.
  • العامل السياسيّ: بعد إسقاطِ النظام الملكيّ في اليونان، ونموّ الديموقراطيّة الإثينيّة والحوار بين الطبقات المختلفة في المدينة، انعكسَ ذلكَ على الإنسان اليونانيّ الذي نشأ لديه الفكر العقلانيّ.

مراحل تطوّر الفلسفة

مرّت الفلسفة بعدّة مراحل، كانَ لكلّ مرحلة تفسيراتها ونظرياتها ومبادئها الخاصّة، ففي كلّ مرحلة تشكلت مدرسة فلسفيّة انضمّ إليها عدّة فلاسفة أثروا فيها بأفكارهم الفلسفيّة الخاصّة. ويمكن تلخيص هذه المراحل كما يأتي:[6]

  • الأساطير: بدأت الفلسفة نحو 600 سنة ق.م بهدف الإجابة على تساؤلات الإنسان، وقد كانت الأجوبة التي تفسّر الظواهر الطبيعيّة والإنسانيّة على صورة أساطير متعلّقة بالآلهة، يتناقلها النّاس جيلاً بعد جيل، كربط هطول المطر بالإله ثور الذي يضرب بمطرقته لينزل المطر، وغيرها من الأساطير التي تعرّضت لاحقاً للانتقادات والتشكيك، إذ بدأ الإنسان يتخذ أسلوباً جديداً في التفكير بعيداً عن الأساطير.
  • فلسفة الطبيعة: بعد تحرر الإنسان من الأساطير اعتمدوا مبدأ التفكير والتجربة، فبدأ الفلاسفة الإغريق يبحثون عن تفسير للطبيعة، فوضعَ الفلاسفة القدامى حجرَ الأساس لفلسفة الطبيعة وهي أنّ هناكَ مادّة أوليّة مسؤولة عن خلق الطبيعة. ومن أهمّ فلاسفة الطبيعة طاليس، وأناكسيماندر، وأناكسيمانس، وغيرهم من فلاسفة الطبيعة.
  • السفسطائيين: هم مجموعة من الفلاسفة الذي قدموا من المستعمرات اليونانيّة، وأثاروا جدلاً في المجتمع الأثينيّ لإنكارهم وجود معايير للخير والشرّ، فكان اهتمامهم مبنيّاً أكثرَ على الإنسان وليسَ على الطبيعة.
  • فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو: وُلِدَ سقراط في أثينا سنة 470 ق.م، وهو من أهمّ الفلاسفة عبرَ التاريخ، وقد اعتمدَ سقراط على أسلوب النقاش والجدال مع النّاس لدفعهم للتفكير، وكانت فلسفته مبنيّة على مبدأ الضمير، وأنّ العقل الإنسانيّ يستطيع أن يسمع صوتاً إلهيّاً داخله يوضّح له الصواب من الخطأ. تتلمذَ أفلاطون على يد سقراط، وقد وضعَ أفلاطون فلسفة سمّيت بنظريّة الأفكار، مفادها أنّ الأفكار هي الحجر الأساس لعالم الحواسّ. وتتلمذَ أرسطو على يد أفلاطون، وهو على عكس معلّمه يؤمن بأنّ عالم الحواس وجدَ أوّلاً ثمّ نشأت الأفكار نتيجةً لرؤية العقل للعالم الماديّ.
  • مرحلة الديانات: ظهرت ثلاثة أديان محوريّة في التاريخ، هي اليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام، وفكرة الأديان الرئيسيّة هي وجود إله واحد.
  • القرون الوسطى: أشهر فلاسفة القرون الوسطى توما الأكوينيّ، الذي تبنّى أفكار أرسطو ولكن ما يتفق منها مع الدين المسيحيّ، وقد كانَ هو الفكر السائد في تلكَ الفترة.
  • عصر النهضة: ركزت الفلسفة في عصر النهضة على الفرديّة الإنسانيّة، وتعني بأنّ الإنسان شيء مميّز وفريد في الكون.
  • العصر الحديث: يعدّ الألمانيّ فريدريك نيتشه فيلسوف القرن العشرين الذي تبنى فلسفة الأخلاقيّات، ومن الفلاسفة المعاصرين: الفيلسوف الوجوديّ مارتن هيدجر، والفرنسيّ جان بول سارتر، وغيرهم.

أهميّة الفلسفة في الحياة

يتميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل، وتعدّ الفلسفة وسيلة للبحث عن الحقيقة، ولذا فهي تخاطب العقل بشكلٍ مباشرٍ، وتساهم في الرقيّ بالتفكير البشريّ واستغلال نعمة العقل والتفكير لحلّ المسائل الفلسفيّة المختلفة. كما تعدّ الفلسفة وسيلة سليمة للمخاطبة والإقناع بالعقل والحجة السليمة، فلا تحاول أن تجبر شخصاً على اتخاذ فكرة غير مقتنع بها، بل تترفّع إلى مرحلة مخاطبة الوعي الإنسانيّ. كما تؤكّد الفلسفة على مبدأ مهمّ وهو أنّ الاختلاف لا يعني خلق حالة من النزاع بين الأطراف المتخالفة، بل إيجاد مسافة تفاهم مع الإبقاء على الخلاف. ولأنّ الفلسفة تبحث في الإنسان وحياته، والعمل على حلّ المشكلات فيها، وتسعى لفهم قيمته ووجوده في الحياة، فإنّ أهميّتها تكمن بإيجاد السعادة للإنسان.[7]

المراجع

  1. ↑ أ.مرتضى المطهري (2011)، الفلسفة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الولاء، صفحة 14،21. بتصرّف.
  2. ↑ Gloria Lotha (14-6-2006), "Philosophy"، www.britannica.com, Retrieved 1-7-2018. Edited.
  3. ^ أ ب William Turner (1903), History of philosophy, England: Ginn and Company Publishing , Page 7،76،79،84،94،99،107،108. Edited.
  4. ↑ Richard D. McKirahan (2010), Philosophy Before Socrates, USA: Hackett Publishing Company, Inc., Page 7،9،10،18،21،365. Edited.
  5. ↑ عبد الكريم بلبل‎ (2018)، مدخل الى الفلسفة، الأردن : مركز الكتاب الأكاديمي، صفحة 24،25،26،28،30. بتصرّف.
  6. ↑ جوستاين غاردر (2012)، عالم صوفي، السويد: دار المنى للنشر، صفحة 29،30،34،35،39،40،41،52،53،72،73،74،79،91،95،115،118،138،141،164،195،212،479،480. بتصرّف.
  7. ↑ بيار مالك (2016)، الفلسفة وتعليمها، لبنان: دار النهضة العربية، صفحة 47،48. بتصرّف.