كيف كان الرسول سبباً لنفع البشرية
حياة الرسول
جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصفات أحسنها، ومن الفكر أعقَله وأحكَمه، فلم تُخالط فكره الأوهام والخرافات، وإنَّما عاش ببصيرة، فلم يُشارك في المراسم التي كانت تُقام للأوثان من الذبح على النصب والحلف بها، ولم يشرب الخمر، ودليل ذلك ما قالته أُم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- له عندما عاد من الغار فزعاً من تنزل الوحي عليه: (فواللَّهِ لا يُخزيكَ اللَّهُ أبداً، واللَّهِ إنَّكَ لتصِلُ الرَّحمَ وتصدُقُ الحديثَ وتحملُ الكلَّ وتُكْسِبُ المعدومَ وتَقري الضَّيفَ وتُعينُ علَى نوائبِ الحقِّ)،[1] فقد اتّسم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأخلاق الفاضلة والسيرة العطرة قبل البعثة، أمَّا عن عمله فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يرعى الغنم لأهل مكة، ثمَّ انتقل للعمل بالتجارة، حيث اشتهر عنه في هذه الفترة الصدق والأمانة، فصار يُلقب بينهم بالصادق الأمين، كما كان يعود إلى نسب أسياد قريش، مما أكسبه منزلة عظيمة بين الناس. كما كان في حلف الفضول، فقد تعاهدت قبائل قريش في هذا الحلف على رد المظالم إلى أهلها، وعندما قامت قريش بإعادة بناء الكعبة اشتدَّ الخلاف بين أهل مكة على الذي سينال الشرف في إرجاع الحجر الأسود إلى مكانه، فاتفقوا على حكم أول من سيدخل عليهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان منهم إلا أن ارتضوه حكماً بينهم، فحكم بوضع الحجر الأسود في رداء، وأن يقوم رؤساء القبائل بحمل الرداء من أطرافه، حتى وصلوا إلى موضعه، فأمسكه الرسول بيده الشريفة وجعله في موضعه. أمَّا عن زواجه فقد تزوج بخديجة التي أُعجبت بأخلاقه وسلوكه ومنطقه، ولم يتزوج النبي -صلى الله عليه سلم- غيرها حتى ماتت.[2]
نفع البشريّة بالرسول عليه الصلاة والسلام
وصف الله تعالى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)،[3] فهو الرحمة المهداة للبشرية جمعاء، جاء مُعلماً ومربياً ودالاً على الخير في مجتمع تعددت فيه صور الاستعباد لبعض الجنسيات، كالزنج والفرس والروم والأحباش، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أول من دعا إلى حقوق الإنسان بأمرٍ من الله تعالى، فقام بإلغاء نظام الرق الظالم بجعل عتق الرقاب سبباً للتقرب من الله تعالى، والنجاة من النار، وتكفير بعض الذنوب والمعاصي، مع التأكيد على أنَّ الناس من أصلٍ واحد، ويعبدون إلهاً واحداً، وليس لأحدهم فضل على آخر بلونٍ أو عرقٍ أو نسبٍ، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان بكونه ابن آدم، حيث يقول الله تعالى: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا)،[4] فهي دعوة إلى المساواة بين الناس، وإعطائهم الحق بالحرية، وتقرير كل حقّ يتعلّق بالمساواة والحرية، وقد سعى النبي -صلى الله عليه وسلم- من بداية الدعوة إلى إرساء هذه الحقوق في النفوس، وترسيخها في العقول، ولم يقتصر النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته على أُمة معينة، وإنَّما جاء للعالم أجمع بما ينسجم مع فطرتهم، ويحفظ لهم حقوقهم، فأرسى معالم النظام السياسي بإقرار مبدأ الشورى الذي يمثل الحل الديمقراطي لجميع المشكلات، مما يؤدي إلى مجتمعات يحكمها العدل ويسودها الأمن والاستقرار،[5] فالحقوق في الإسلام عامة ينتفع منها الناس على اختلاف ديانتهم أو جنسهم، وشاملة لجميع جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع على حرمة الدماء والأموال بقوله: (فإنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُم عليكُمْ حرَامٌ كحُرْمَةِ يومِكُمْ هذَا، في شهرِكُم هذَا، في بلَدِكُم هذَا، إلى يومِ تلقَونَ ربَّكُم)،[6] وبذلك حفظ الإسلام للإنسان حقه في الحياة، وجعل الاعتداء على هذا الحق من الكبائر، كما ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منع ما دون ذلك من تخويف الناس وإرهابهم بأي شكل من أشكال التعدي والإهانة، ومن الحقوق التي أكدّ عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- حق الإنسان في التفكير والتعبير عن الرأي، فكان يتقبّل الآراء وإن خالفت رأيه، ففي غزوة أُحد عمل برأي غالبية الشباب للخروج لملاقاة جيش قريش. ولكل من يسكن في ديار المسلمين الحق في الكفاية، ويحصل الفرد من خلال هذا الحق على مستوى المعيشة اللائق بتأمين العمل، فإن عجز الإنسان عن العمل، فالزكاة أو ميزانية الدولة تَسدُ كِفايته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما آمنَ بي مَن باتَ شبعان وجارُه جائعٌ إلى جَنبِه وهوَ يعلَمُ).[7][8]
حب الرسول
أمر الله تعالى بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- محبة صادقة، وجعل هذه المحبة مرتبطة بالإيمان به، فهو المُستحق لهذه المحبة بما له من الفضل على البشرية بإظهار طريق الهداية الذي يصل بالسالكين له الى جنة عرضها السماوات والأرض، وقد أدى الأمانة، وبلغ رسالة الله تعالى أتم التبليغ، وتتمثل هذه المحبة في تقديم النبي -صلى الله عليه وسلم- على جميع ما جُبل الإنسان على محبته من المال والأهل والولد، فوجود النبي -صلى الله عليه وسلم- منةُ الله تعالى على عباده، فقد جمع بين حُسن الظاهر والباطن، وأجرى الله تعالى على يديه صنوف الخير والبركة، ولا تقتصر المحبة على الشعور القلبي، وإنَّما يُترجم الشعور بعمل الجوارح، واتباع سنته، يقول ابن القيم: "ولا يتم لهم مقام الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم، فضلاً عن أبنائهم وآبائهم".[9]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 160، صحيح.
- ↑ د. محمود الدوسري (28-9-2017)، "حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 107.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 70.
- ↑ أحمد المخزنجي (18-6-2012)، "النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحقوق الإنسان "، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن نفيع بن الحارث الثقفي أبي بكرة، الصفحة أو الرقم: 1741، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2561، صحيح لغيره.
- ↑ د. راغب السرجاني (27-4-2010)، "رسول الله وحقوق الإنسان"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-12-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد رباح (6-2-2013)، "محبة النبي صلى الله عليه وسلم (سعادة الدنيا ونجاة الآخرة) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-12-2018. بتصرّف.