كيف أحقق التقوى
التقوى
تعدّ التقوى من أهمّ وأفضل ما ينبغي على العبد المسلم أن يتحلّى ويتزين قلبه به، فقد قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)،[1] فالتقوى منزلةٌ ساميةٌ لا صلاح للإنسان دونها، ولا سعادة لحياته بفقدانها، فقد علّق الله بها الخير الكثير، ووعد عليها الأجر والثواب الجزيل.[2]
تعريف التقوى
بيّن العاماء المقصود بالتقوى لغةً واصطلاحاً، وبيّنوا منازلها أيضاً، وفيما يأتي بيان ذلك:
- معنى التقوى لغةً: هي اسمٌ من اتّقى، والمصدر منها الاتقاء، وهي مأخوذةٌ من: وَقِي، فهي من الوقاية.[3]
- معنى التقوى اصطلاحاً: تعرّف التقوى اصطلاحاً بعدّة تعريفاتٍ ذكرها العلماء، منها:[2]
- مراتب التقوى: يتفاوت المتقون في درجات تقواهم، فليسوا كلّهم على درجةٍ واحدةٍ، فقسّم الإمام ابن القيم التقوى إلى مراتب ثلاث، وهي:[6]
- تعريف علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).
- تعريف ابن مسعود رضي الله عنه: (تقوى الله: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر).
- عرّّف طلق بن حبيب التقوى، فقال: (التقوى: هي أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله).
- عرّف ابن رجب التقوى، فقال: (أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقايةً تقيه منه).[4]
- عرّف عمر بن عبد العزيز التقوى، فقال: (ليس تقوى الله بصيام نهارٍ، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكنّ تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله).[5]
- حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات.
- حمية القلب والجوارح عن المكروهات.
- حمية القلب والجوارح عن الفضول، وعمّا لا يعني.
كيفية تحقيق التقوى
ينبغي للمسلم أن يتحرّى مخافة الله في كلّ تفاصيل حياته، فهو محتاجٌ لها، ولو كان أعلم العلماء وأتقى الأنبياء، لتثبّته في معترك الحياة، وقد أوصى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بذلك، فقال: (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ)،[7] وفيما يأتي بيان بعض الأمور التي تُعين على تحقيق التقوى في حياة المسلم:[8]
- مخافة الله تعالى، واستحضار رقابته في السرّ والعلن، وأن يحفظ المسلم حواسه من كل قبيحٍ أو منكرٍ، فلا يسمع إلى فُحشٍ، ولا ينظر إلى محرّمٍ، ولا يتكلّم بسوءٍ.
- الامتثال لأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، وأن يُعوّد المسلم نفسه على مخالفة هواه، وعلى طاعة مولاه.
- الابتعاد عن أيّ شبهةٍ قد تُوقع المسلم في المحرّمات، وأن يكون حريصاً على ألّا يراه الله في مكانٍ أو موضعٍ لا يُرضي الله جلّ وعلا.
- محاسبة النفس، والإسراع إلى اتباع السيئة بالحسنة، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ).[9]
- الخُلق الحسن، فربما يعتقد البعض أنّ التقوى قاصرةً على حقوق الله وعبادته العبادة الخاصة، ممّا يجعلهم يتهاونون في حقوق الناس، والتعامل معهم تعاملاً حسناً، لذلك حرص الإسلام على الجمع بين الخلق الحسن والتقوى التي لا تتم إلّا به.
- معرفة عقبات الشيطان ومكائده للمسلم، فإنّ للشيطان مداخلاً يدخل بها إلى قلب المسلم، ويستدرجه من خلالها، حتى يُوقع به في الذنوب والمعاصي، قال ابن مفلح المقدسيّ: (اعلم أنّ الشيطان يقف للمؤمن في سبع عقباتٍ: عقبة الكفر، فإن سلِم منها ففي عقبة البدعة، فإن سلِم منها ففي عقبة فعل الكبائر، ثمّ في عقبة فعل الصغائر، فإن سَلِم ففي عقبة فعل المباحات، فيشغله بها عن الطاعات، فإن غلبه شغله بالأعمال المفضولة عن الأعمال الفاضلة، فإن سَلِم من ذلك وقف له في العقبة السابعة، ولا يسلم منها المؤمن، إذ لو سَلِم منها أحدٌ لسلم منها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي: تسليط الأعداء الفجرة بأنواع الأذى).[10]
صفات المتقين
ممّا لا شك فيه أنّ للتقوى آثاراً تنطبع على أصحابها، فتظهر على شكل سماتٍ يتميّز بها المتقين عن غيرهم، وفيما يأتي بعضاً منها:[11]
- يصدّقون بالغيب تصديقاً جازماً، قال الله تعالى: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).[12]
- يتجاوزون عن أخطاء الآخرين في حقّهم، ويعفون عنهم، قال الله تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ).[13]
- يُسارعون إلى التوبة من الذنوب، ولا يُصرّون عليها، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوا إِذا مَسَّهُم طائِفٌ مِنَ الشَّيطانِ تَذَكَّروا فَإِذا هُم مُبصِرونَ).[14]
- لا تلهجُ ألسنتهم إلّا بصدقٍ، ويتحرونه في أقوالهم وأعمالهم، قال الله تعالى: (أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون).[15]
- لا يحكمون بين الناس إلّا بالعدل، حتى ولو كان المتحاكمون من أصحاب الديانات الأخرى، قال الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).[16]
- يُعظّمون حرمات الله في قلوبهم، فلا تنتهكها أقوالهم ولا أفعالهم، ويتحرّون التزام أوامر الله، والإتيان بها على الوجه الذي يرضي الله، قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).[17]
فضائل التقوى
ذُكرت التقوى في القرآن الكريم في عدّة مواضع، فهي وصية الله لجميع خلقه، حيث قال الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)،[18] ممّا يدلّ على أهمية التقوى، والثمرات الجمّة والفوائد العظيمة التي تتحقّق بالتزام هذه الوصية، ومن الثمرات والفضائل:[19]
- محبة الله -تعالى- للمتقين، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ).[20]
- مغفرة ذنوب المتقين، وإطلاق نور بصيرتهم التي تُعينهم على تمييز الحقّ من الباطل، قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجعَل لَكُم فُرقانًا وَيُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِر لَكُم).[21]
- حفظ الله ورعايته الدائمة لعباده المتقين، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا).[22]
- توفيق الله المتقين للعمل الصالح الذي ينفعهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ).[23]
- تسهيل أمور المتقين، وتفريج همومهم وكرباتهم.
- تكفير سيئات المتقين، وإدخالهم الجنة، وصرفهم عن النار.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 197.
- ^ أ ب أمير بن محمد المدري، "مع التقوى والمتقين"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018.بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى التقوى"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018. بتصرّف.
- ↑ خالد أبو شادي (31-1-2016)، "تعريف التقوى"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018.
- ↑ "التقوى خير زاد"، ar.islamway.net، 25-3-2015، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018.
- ↑ خالد سعود البليهد، "النجوى في إدراك التقوى"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي ذر الغفاري و معاذ بن جبل و أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 97، حسن.
- ↑ خالد سعود البليهد، "شرح حديث (اتق الله حيثما كنت)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 135.
- ↑ دينا حسن نصير (23-3-2015)، "وتزودوا فإنّ خير الزاد التقوى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-9-2017-8. بتصرّف.
- ↑ خالد أبو شادي (31-1-2016)، "علامات وفوائد التقوى"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 1-2.
- ↑ سورة البقرة، آية: 237.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 201.
- ↑ سورة البقرة، آية: 177.
- ↑ سورة المائدة، آية: 8.
- ↑ سورة الحج، آية: 32.
- ↑ سورة النساء، آية: 131.
- ↑ د. أمين بن عبد الله الشقاوي (29-8-2012)، "التقوى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 4.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 29.
- ↑ سورة النحل، آية: 128.
- ↑ سورة البقرة، آية: 282.