كيف تكون الصدقة
الصدقة
تبدو الصدقة في ظاهرها مَنح وعَطاء من يد مقتدرة لديها فائض من العيش الكريم؛ إلى يد تحتاج هذا الفائض، لكنَّها في حقيقة الأمر كنز ثمين يعكس محبة الله لخلقه، ويرسّخ الإيمان بالعدل الإلهي، لما لها من أثر عميق، فالصدقة تعتبر قانون حياة للعالمين أجمعين، من شأنها تحقيق الترابط الاجتماعي، والتكافل الاقتصادي، والتوازن في كافّة الأمور.
وردت كلمة الصدقة في القرآن الكريم ثلاثة وسبعون مرة، وجاء ذكرها في أكثر من سورة، وفي مواقع أخرى وردت مرادفاتها مثل: الإنفاق، والحسنة، والعطاء، والإكرام، والمعروف، والفضل، لنجد أن الهدف من تكرارها يبدو غاية في الأهمية فهو: حث، وتشجيع، على التقرب إلى الله تعالى، وللكسب المضاعف من الأجر والثواب على اختلافه.
كيفيّة الصدقة
الصدقة منهاج قويم بكافّة صورها وأشكالها، ودرجاتها، ومستوياتها مهما بلغت قيمتها؛ تبقى بسيطة لمن أعطى بمقابل ما نال من الله، ومهما تضاءلت نفعت وتضاعفت عند الله، وهي تطهير للمتصدق قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة: 103]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مالٌ من صدقة)، وأينما وجدت أثمرت خيراً، وتكون بالطرق الآتية:
- تتمّ الصدقة بإخراج المال مباشرة، أو شراء وتقديم ما يمكن أكله أو لبسه، أو استخدامه يسهّل أموراً صعبة، تكون أيضاً بالعطاء غير المباشر كوسطاء أو جمعيات خيرية، قال تعالى:(قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً)[إبراهيم: 31].
- زيارة الأقارب وشراء ما يحتاجونه يعتبر صدقة وصلة رحم.
- يمكن وضع طبق صغير فيه حبوب وطبق آخر فيه ماء للطيور، وإطعام الدواب.
- الدعاء بالخير، حين لا نستطيع تقديم المساعدة.
- الصدقة الجارية: وهي التي تستمر بعد موت العبد، ويدوم أجرها عليه؛ على سبيل المثال المساهمة في بناء مسجد أو مرفق أساسيّ من مدارس ومستشفيات سواء بالمال أو الجهد، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم].
أنواع ومصارف الصدقة
- إلى من تجوز وتجب عليهم الصدقة قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). [البقرة: 215]
- الإنفاق في الجهاد لإعلاء كلمة الله في الأرض قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ). [الحديد: 11،100].
- نحصي أنواعاً من الصدقات فيما يلي: التبسم في وجه أخيك، والكلمة الطيبة، والعون، وسقاء الماء، وإماطة الأذى عن الطريق، والإنفاق على الأهل (الزوجة كما الأولاد)، والإنفاق على الخيل وعتاد الجهاد، والإنفاق في مجال العلم، والتسليم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة في الخير، وتجنّب الذنوب والشر، وقضاء الشهوة بالحلال، وإرشاد الضال عن الطريق، وإطعام الخادم ممّا نأكل، والقيام بواجب الضيافة أكثر من ثلاثة أيام، وملء دلو الأخ، وإغاثة الملهوف والمحتاج، والزرع الذي يطعم الإنسان والدابّة والطير، وما نفقد من المسروقات أو بالضياع، وما أكله السبع، والأخذ بيد الكفيف، والأصمّ، والأبكم بالمنفعة، والصبر على العسر، عدم إفشاء أسرار الغير، وكظم الغيظ، والتسبيح، والاستغفار، والتكبير، والتحميد، والتهليل، إذن كلّ ما يعكس روح التعاون والتسامح بسماحة الإسلام يعتبر صدقة.
آداب الصدقة
- استحضار نية الصدقة: مثلا صدقة التطوع تكون نيتها خالصة للتقرب من الله تعالى بذكر ذلك إما مناجاة بالقلب أونطقاً باللسان، وكما في الصدقة للدعاء وطلب أمرٍ ما مثل: طلب شفاء مريض، أونجاح في علم، أوهبة عن الوالدين وأعزاء فقدناهم، أيضاً ندعو الله تعالى قولاً سواء سراً أو جهراً بنية الصدقة من أجل تحقيق ما نتمنى.
- الحذر من الإيذاء: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ) [البقرة: 264].
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ) [التوبة: 79].
- التصدق عن طيب خاطر وبسخاء: وقال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد: 38].
- العطاء احتساباً: أي دون انتظار المقابل قال تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل:16، 17].
- العمل على ترسيخ سلوك الصدقة: أن نستغل المناسبات ونبدأ بتقديم الصدقة، حتى نكون قدوة لتشجيع وحث الآخرين عليها، قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [البقرة: 44]، وقال تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ).[النساء: 114].
فضل الصدقة
- تُقبل توبة المتصدق، وتغفر ذنوبه، ويباعد بينه والمعاصي قال تعالى: (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 104]
- وقاية من النار، قال سبحانه: (وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) [سورة التغابن: 16]، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النّار، ولو بشق تمرة).
- الصدقة تطفيء غضب الله، وتكون سبباً للشفاء من الأمراض، وحفظ الدين، والصحّة، والأهل، والمال، وتمنع البلاء، وتشرح الصدر.
أوقات الصدقة
- تؤتى الصدقة في جميع الأوقات وليس فقط عند الحاجة، ويفضّل أن تكون عادة متكررة في أيام الخير، و في رمضان، وفي الفقر، والشدة، ذكر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)
- عند الحاجة الشديدة كما في الأزمات، والحروب، والمجاعات، والكوارث قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران: 134]
الفرق بين الصدقة والزكاة
- الزَّكاة أو تزكية النَّفس تعتبر باباً إجبارياً من أبواب الصدقة، وركناً من أركان الإسلام الخمسة، كما أنّ للفقير شرط واجب في مال الغني في الزكاة، لكن الصدقة اختيارية من تلقاء النفس.
- الزكاة المفروضة لا تحل إلا للأصناف الثمانية الذين خصهم الله في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) [التوبة: 60]، أمّا الصدقة فهي أوسع لأنّها تجوز على من يحتاجها وإن لم يكن فقيراً.
الصدقة كما وجبت عند الله تعالى تنشر الخير، والمحبة، والسلام، وتقوّى روابط الألفة، والتآخي، والثقة بين الناس؛ لأنّها تمنع آفات الغيرة، والحسد، والتباغض، والطمع، والسرقات في أبسط حالاتها، عدا عن كونها تضع المتصدّق في مأمن من غضب الله عزَّ وجلّ وكأنها بالفعل تطفيء نار الذنوب، وتباعد بين المتصدق والذنوب وتقيه من النار، وتريح النفس وتحميها من الطمع، وتبارك بالصحة والرزق وأهل البيت، وتنمّي الخيرات بالبركة، وأمّا عائدها على من نال الصدقة فتكفي حاجته، وتغنيه الانشغال في مهام الدنيا عن العبادات الأخرى، وتحفظ ماء وجهه وحياءه من ذُلّ السؤال، وتزيل همّه، وتكسر حاجز الطمع، والحقد، والبغضاء بأن تحوِّل الغيرة والحسد إلى محبّة وتواصل.