كيف تكون صلاة التراويح
شهر رمضان
يتميّزُ شهرُ رمضان عن غيره من الشهور بخصوصيَّة وميزة عند المسلمين؛ وذلك لأنَّهم يقومون بأداء فريضة الصيام فيه، وينتظر المسلمون هذا الشهر بفارغِ الصبر؛ فالأجرُ فيه مضاعف، وفيه تُغْلَقُ أبوابُ النارِ وتُصْفَّدُ الشياطين، لذلك تتعدّد أشكال الطاعات في هذا الشهر، ويجتهد المسلمون في القربات والعبادات على اختلافها، فيقرأون القرآن ويتنافسون على ختمه، كما يزورون أرحامهم، ويُخْرِجُون زكاةَ أموالِهم، ويعتكفون في المساجد، ويؤدُّون صلاة التّراويح. الآتي تعريفٌ بصلاة التراويح، وبيانٌ لحُكمها، وتوضيحٌ لكيفيتها وعدد ركعاتها وحديثٌ عن فضلها.
التراويحُ بين اللغة والاصطلاح
التراويح لغةً
التراويح في اللغة أصلها من روح، الراء والواو والحاء أصلٌ دالٌّ على السَّعة والفسحة والاطِّراد، يقال: أراح الإنسان إذا تنفّس، وأراح إذ رجعت إليه نفسه بعد التَّعب والإعياء، وفردها ترويحةٌ، وسمِّيت التَّرويحة في شهر رمضان بذلك؛ لأنَّ المُصلّين يستريحون بعد أداء أربع ركعات.[1]
التراويح اصطلاحاً
وأمَّا التراويح في الاصطلاح فيمكن تعريفها بأنَّها قيام ليل شهر رمضان بأداء الصّلاة مَثنى مَثنى؛ أي ركعتين ركعتين، من بعد صلاة العشاء، على خلافٍ بين الفقهاء في عدد ركعاتها.[2]
كيفيَّة صلاة التراويح وعدد ركعاتها
اختلف العلماء في عدد ركعات صلاة التراويح على أقوال، وبناءً على الاختلاف في عدد الركعات تختلف كيفيَّة أداءها اختلافاً يسيراً، وأمَّا الأقوال في عدد ركعاتها، فهي كالآتي:
- القول بأنَّ عدد ركعاتها عشرون ركعةً، وهو السُنَّة وفعل المهاجرين والأنصار، وتُؤدّى في هذه الحالة مَثنى مَثنى؛ أي ركعتين ركعتين، ويُستَراح بعد كلِّ أربع ركعات استراحةً يسيرةً يتخلّلها ذكرٌ أو موعظةٌ قصيرةٌ، ثمَّ بعد الفراغ من العشرين ركعةً تُصلّى ركعتا الشفع وتُختم بعدها بركعة الوتر.[3]
- القول بأنَّ عدد ركعاتها ستٌّ وثلاثون ركعةً، وهو ما عُمل به زمن عمر بن عبد العزيز، وهو عمل أهل المدينة القديم، وتُصلّى التراويح وفق هذا القول ركعتين ركعتين حتى تمام ستٍّ وثلاثين ركعةً، يسلَّم عقب كلِّ ركعتين ويُسترَاح عقب كلِّ أربعٍ، وبعد الفراغ منها تُصلّى ثلاث ركعات الشفع والوتر.[3]
- القول بأنَّ عدد ركعاتها ثمانية، والشفع والوتر ثلاثةٌ، فيكون مجموعها جميعاً إحدى عشرة، واستدلَّ أصحاب هذا القول بحديث أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه لم يكن يزيد في رمضان أو غيره في القيام عن إحدى عشر ركعةً،[4] كما روت -رضي الله عنها- أنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- : (مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا).[5]
حُكم صلاة التراويح
اتّفق الفقهاء على أنَّ صلاة التراويح سنَّةٌ مؤكدة، كما أنَّ أداءها جماعةً سنَّةٌ كذلك، وهو أفضل من أدائها فُرادى مع جواز ذلك، وهي سنَّةٌ للرجال والنّساء على السَّواء،[6] وقد امتنع النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- في زمنه عن أداء صلاة التراويح في بعض ليالي شهر رمضان، وتعمَّد عدم الخروج إلى الصحابة -رضي الله عنهم- في المسجد مُعلِّلًا ذلك بخشيته من أن تُفرَض على النَّاس فتَشقُّ عليهم، وهو كما ورد في رواية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا).[7]
فضلُ صلاةِ التراويح
إنَّ لصلاة التراويح فضلاً عظيماً وميِّزاتٍ خُصَّت بها عن غيرها من النَّوافل، ويمكن أن يذكر من فضائلها وميزاتها:
- حثَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- على أدائها ورغَّب فيها، فكما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- : (كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ يرغِّبُ في قيامِ رمضانَ مِن غيرِ أن يأمرَهم بعزيمةٍ ثُمَّ يَقولُ: مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ).[8]
- أنَّ في شهر رمضان شهر صلاة التراويح ليلةً مُباركةً هي ليلة القدر والتي أُنزِل فيها القرآن الكريم، وقد وصفها الله تعالى بقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)،[9] وقد روي عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّ من قامه يغفر له ما تقدم من ذنبه، كما في رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- : (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).[10]
- في دلالةٍ على أهميّة صلاة التروايح والقيام أنَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- كان في ليال رمضان العشر الأواخر يهمُّ ويجدُّ في الصلاة والقيام أكثر ويُوقظ أهله، كما روت أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النَبيّ -عليه الصَّلاة والسلَّام- : (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ).[11]
المراجع
- ↑ ابن فارس (2002)، مقاييس اللغة، دمشق: ات، صفحة 376-378، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 135، جزء 27. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1089-1091، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 154، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في الصحيح، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة45، حديث رقم: 2013.
- ↑ عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، الرياض: مدار الوطن، صفحة 358، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في الصحيح، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: جزء2، صفحة11، حديث رقم: 924.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1371.
- ↑ سورة القدر، آية: 1-3.
- ↑ رواه البخاري، في الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة26، حديث رقم: 1901.
- ↑ رواه البخاري، في الصحيح، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة47، حديث رقم: 2024.