كيف نبني بيتاً في الجنة
وصف بيوت الجنة
يُجدّ المرء في الحياة الدنيا، ويجتهد فيها، ويتعب ويشقى، ويعمل ليل نهارٍ، حتى يحصّل مبلغاً من المال، يكفيه لشراء بيتٍ له، يؤويه ويُعيله، ويجب أن يعلم الإنسان أنّه مهما بلغت مساحة البيت، وفخامته في الدنيا، ومهما توافرت فيه أسباب الراحة، والسكينة والحياة، فإنّه ولا شكّ معرّضٌ للتغيّر، والتشقّق، والتصدّع، وإن سلم البيت من تلك التغيرات، فلن يسلم صاحبه من ذلك، إذ إنّ كلّ ما على الحياة الدنيا زائلٌ، بخلاف منازل الجنة؛ فإنّها لا يعتريها التغيّر؛ ولا تفنى ولا تزول، وفيها من أسباب الراحة الخير الكثير، إذ لا تنتهي خصائص ومزايا تلك البيوت، ويزداد الإنسان فيها متعةً كلّ يومٍ، فيجب على الإنسان أن يستدرك ما فاته من الطاعات، والأعمال الصالحة في الدنيا، وألّا يضيّع نعيم الحياة الآخرة، وقصورها، وخيامها، بشهوات الدنيا العابرة الزائلة.[1]
وإنّ مما يزيد استحقاق العمل لأجل البيت في الجنّة؛ أنّه ليس كبيوت الدنيا في شيءٍ، إلّا في الاسم، فإنّ الجنّة مدّ البصر، ترابها المسك والزعفران، حصباؤها لؤلؤٌ وياقوتٌ، مستويةٌ لا اعوجاج فيها، ولا خللٌ، إذا دخلها أهلها رأوا فيها ما لا عينٌ رأت، وما لا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلبهم منها شيءٌ في الحياة الدنيا، فإنّ أنوارها متلألئةٌ، تجري فيما الأغادير والأنهار من تحت أصحابها، وفيها البساتين والأشجار، والخضرة، والظلال، فيها الغرف شفافةٌ، يرى ظاهرها من باطنها، وقد تكون غرفاً بعضها فوق بعضٍ، لا يصيب أهلها صخبٌ ولا نصبٌ، فيها الأمن والطمأنينة، فيها الفرش الوثيرة، والوسائد المريحة الجميلة، قد عُرّفت البيوت لأصحابها، فيدخل أهل الجنة الجنّة، يعرفون بيوتهم كما كانوا يعرفون بيوتهم في الحياة الدنيا، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)،[2] ويطول الوصف لبيوت الجنة وجمالها، التي جُعلت مستقرّاً ونعيماً للمؤمنين المستحقين لها، لتكون لهم دار قرارٍ وخلودٍ.[1]
كيفية بناء بيت في الجنة
إنّ الحصول على بيتٍ في الجنّة من أعظم الغايات التي يسعى إليها المؤمن في حياته الدنيوية، ولقد عرّف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بعض أسباب بناء بيتٍ في الجنة، والأعمال التي تُوصل لتلك الغاية العظيمة، وفيما يأتي بيان بعض الأعمال التي ينال بسببها المسلم بيتاً في الجنة:[3]
- الاجتهاد في النوافل، والإكثار منها، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلَّى في يومٍ وليلةٍ ثِنْتَيْ عَشْرةَ ركعةٍ، بَنَي له بيتٌ في الجنَّةِ: أرْبَعاً قبلَ الظُّهرِ، وركعتيْنِ بعدَها، وركعتيْنِ بعدَ المغرِبِ، وركعتَيْنِ بعدَ العِشاءِ، وركعتيْنِ قبلَ الفَجرِ صلاةِ الغَداةِ).[4]
- الصبر والحمد عند الابتلاء بوفاة الولد، فقد بشّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه من توفّي له ولدٌ، فصبر واسترجع، بني له بيتٌ في الجنة، حيث قال: (إذا مات ولدُ العبدِ المؤمنِ، قال اللهُ للملائكةِ: قبَضْتُم ولَد عبدي؟ قالوا: نَعم، قال: قبَضْتُم ثمرةَ فؤادِه؟ قالوا: نَعم، قال: فما قال؟ قالوا: استرجَع وحمِدك، قال: ابنوا له بيتاً في الجنَّةِ، وسمُّوه بيتَ الحمدِ).[5]
- بناء المساجد لوجه الله تعالى، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من بنى مسجداً للهِ، بنى اللهُ له في الجنةِ مثلَه، وفي روايةٍ: بنى اللهُ له بيتاً في الجنةِ).[6]
- ترْك المراء، والكذب، والاجتهاد والسعي في حُسن الخلق، فإنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- اختصّ تلك الأمور عمّن سواها ببناء البيوت في الجنّة، حيث قال: (أَنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ، لمن ترَكَ المراءَ، وإن كانَ محقّاً، وببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ، لمن ترَكَ الكذبَ، وإن كانَ مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ، لمن حسَّنَ خلقَهُ).[7]
- الدعوة إلى الله تعالى، وإيصال أحد أفضال الإسلام إلى الناس، فإن أتى مسلم عملاً حسناً، فبُني له بسببه بيتٌ في الجنّة، كان لمن دلّ على ذلك الخير كأجره، فإنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (الدالُ على الخيرِ كفاعلِه).[8]
التبشير ببيوت الجنة
ذُكر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة التبشير ببيوت في الجنة لبعض الأشخاص، جزاء إحسانهم، وأعمالهم الصالحة في الدنيا، وفيما يأتي ذكرٌ لنساءٍ بُشّرن ببيتٍ في الجنة:[9]
- آسيا بنت مُزاحم، وهي زوجة فرعون، التي نشأت في القصور والنعيم، لكنّها حين تبدّت لها حقيقة التوحيد، لم يُثنها خوفُها من قوّة فرعون وبطشه، ولا جزعت من الظلم الذي قد يطالها، فأعلنت أنّها مؤمنةٌ بالله وحده، وانضمّت إلى طريق الحقّ والإيمان، ولقد توجّهت إلى ربّها، بسؤاله المعونة والنصرة، للحال الذي صارت فيه، فاستجاب الله دعاءها، حيث قال: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)،[10] وقال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً: (أفضَلُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ خديجةُ بنتُ خويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ مُحمَّدٍ، ومريمُ بنتُ عِمرانَ، وآسيةُ بنتُ مُزاحِمٍ امرأةُ فِرعونَ).[11]
- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فأمّا خديجة فقد نزل إليها جبريل عليه السلام؛ ليقرئها السلام، ويبشّرها ببيتٍ في الجنة، حيث قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: (يا رسولَ اللهِ، هذه خديجةُ قد أَتَتْ، معها إناءٌ فيه إِدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أَتَتْكَ فاقَرِأْ عليها السلامَ مِن ربِّها ومنِّي، وبِشِّرْهَا ببيتٍ في الجنةِ، مِن قَصَبٍ، لا صَخَبٌ فيه، ولا نصبٌ).[12]
المراجع
- ^ أ ب "مساكن الآخرة والطريق إليها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ سورة محمد، آية: 6.
- ↑ "أعمال يحصل بها المسلم على بيت في الجنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن رملة بنت أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 415، حسن صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2948، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح.
- ↑ رواه النووي، في تحقيق رياض الصالحين، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 264، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2670، حسن صحيح.
- ↑ "مشاهير الجنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ سورة التحريم، آية: 11.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7010، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3820، صحيح.