-

كيفية تقسيم لحم الأضحية

كيفية تقسيم لحم الأضحية
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الأضحية

شُرعت الأضحية لتهذيب النّفس وتربيتها على طاعة الله سبحانه وتعالى والتّقرب إليه، كما أنها طريقةٌ لإدخال الفرحة والسرور في قلوب النّاس عموماً والفقراء خاصّةً في أيامٍ مخصوصةٍ من العام، ومما يُميِّز الأضحية عن غيرها من الأحكام التي أقرّها الإسلام أنها شعيرةٌ ماليةٌ بالدرجة الأولى، حيث إنّها تعتمد على بذل المال لإراقة الدم بقصد إرضاء الله -سبحانه وتعالى- من خلال توزيع لحوم ذلك النُّسك على الفقراء والمحتاجين من أبناء الأمة الواحدة، كما تمتاز بأنها تزيل العراقيل الطبقية بين فئات المجتمع أغنيائه وفقرائه فيتحبب الغني للفقير، ويتقرَّب الفقير من الغني مما يزيد من أواصر الألفة والمحبة في المجتمعات، ويُعمِّق مفهوم التعاون والتشارك بين أبناء القرية الواحدة والحارة والشارع، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.

معنى الأضحية لغةً واصطلاحاً

الأضحية لُغةً: من ضَحَّى يُضَحّي وتُجمع على أضاحي وأضاحٍ، وقد جاء أصل تسميتها من الضَّحوة الذي هو وقت الضحى أو أوَّل النهار، ويُقصد بها في هذا الموضع ما يتمُّ ذبحه من الأنعام، كالغنم والبقر والإبل وما شابهها من باقي الأنعام،[1] ويكون القصد من ذبحها التَّقرُّب إلى الله -سبحانه وتعالى- وذلك في وقتٍ مخصوص هو أيام عيد الأضحى المبارك الأربعة.[2]

حكم الأضحية وأدلّة مشروعيتها

أدلة مشروعية الأضحية

ثبتت مشروعية الأُضحية في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة، وقد قام بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وحثَّ أصحابه على القيام بها في أيام مخصوصة، كما أجمعت الأمة الإسلامية على شرعيَّتها، ومن الأدلة التي تثبت مشروعية الأضحية في الإسلام ما يلي:

  • جاء في كتاب الله العديد من الآيات التي تثبت شرعية الأضحية، ومنها قول الله تعالى في سورة الحج: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)[3]، وقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر)[4].
  • أما من السنة النبوية فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُضَحِّي بكبشَينِ أملحَينِ أقرنَينِ، ووضَع رِجلَه على صفحتِهما، ويذبحُهما بيدِه).[5]

حكم الأضحية

اختلف العلماء في حكم الأُضحية فذهب بعضهم إلى استحبابها، وقال آخرون بفرضيتها، وفيما يلي بيان أقوال كلِّ فريقٍ وأدلتهم:[6]

  • يرى جمهور العلماء من الشافعيّة والحنابلة والمالكية في الراجح عندهم والإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة في إحدى روايتيه أنّ الأُضحية سنّة مُؤكّدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنها غير واجبة، وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بما روي عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- حيث قال: (إذا دخلتِ العَشْرُ وأراد أحدكم أن يُضحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعرِه وبشرِه شيئًا)،[7]، فالإرادة الواردة في الحديث الشريف تُشير إلى أن المسلم مُخيرٌ بين الفعل والتَّرك، إذ لو كانت الأضحية واجبةً لما ترك الأمر مفتوحاً بالإرادة بل سيقيده بوجوب الفعل.
  • ذهب الإمام أبو حنيفة إلى وجوب الأضحية على القادر عليها، وقد وافقه في ذلك تلميذه أبو يوسف في قوله الثاني، والإمام أحمد بن حنبل في إحدى روايتيه واختار ذلك ابن تيمية، ومن أدلة أصحاب هذا القول؛ قول الله سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر).[8]

كيفية تقسيم لحم الأضحية

يُسنُّ للمُضحّي أن يأكل من الأضحية التي يُضحيها، فلا ينبغي له أن يوزّعها كاملةً للفقراء والمحتاجين، إنما عليه أن يدع شيئاً لأهل بيته فيأكل ويأكلون، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)،[9] كما أنه ثبت عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: (إذا ضَحَّى أحدُكم فَلْيَأْكُلْ من أُضْحِيَتِهِ)،[10]أما كيفية تقسيم لحم الأضحية فقد اختلف فيه العلماء، فذهب فريقٌ إلى استحباب تقسيمها ضمن حدود ثابتة، بينما قال آخرون بعدم اشتراط ذلك إنما يجوز للمُضحِّي أن يأكل منها شيئاً، ويتصدّق بشيءٍ آخر، وفيما يلي بيان ما ذهبوا إليه:[11]

  • ذهب علماء الحنفيّة إلى أنه يجوز للمُضحِّي أنّ يتصدّق بما يشاء من أضحيته، كما يجوز له أن يدَّخر ما يشاء منها لعياله، إلا أنّ الأفضل في ذلك أن يتصدَّق بالقسم الأكبر منها، إلا أن يكون ذا افتقار فالأولى أن يدَّخرها لعياله لتأمين قوتهم.
  • يرى فقهاء المذهب المالكي أنه يُستحب للمضحي أن يجمع بين أن يأكل من أُضحيته والتصدّق منها والإهداء لصديقه وجيرانه، وذلك دون تحديد شيءٍ من ذلك من حيث التَّقسيم، فيجوز أن يوزِّع نصفها ويُبقي نصفها، كما يجوز أن يوزِّع ثلثها ويُبقي ثلثيها، والأفضل أن يُبقي الأقلَّ منها إلا إن كان مُحتاجاً فيجوز أن يُبقيها جميعها لعياله.
  • ذهب الحنابلة إلى استحباب تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث، فيُوزِّع ثلثها على جيرانه الفقراء، ويُبقي الثلث لأهل بيته، ويتصدَّق بالثلث الباقي على الفقراء والمساكين.

شروط الأضحية

يُشترط لجواز الأضحية إذا ما قام بها المُضحّي مجموعة من الشروط، ومن هذه الشروط ما يجب توافره في الشخص المُضحّي نفسه، ومنها ما يُشترط توافره في الأضحية، وبيان تلك الشروط في الآتي:

شروط المُضحّي

يُشترط في المُضحَّي لكي تُقبل أُضحيته مجموعة من الشروط منها ما يلي:[12]

  • الإسلام: فإن من أهم شروط قبول الأضحية أن يكون المُضحِّي مُسلماً، فالكافر ليس من أهل التكاليف، ولو قام بها لما قُبلت منه لفساد نيته.
  • الإقامة: فينبغي على المُضحي أن يكون مُقيماً في البلد الذي سيؤدي فيه الأضحية، لأن ذلك أبلغ في الأجر، وأجزل في تحصيل المقصود من الأضحية.
  • البلوغ والعقل: فالصبي والمجنون ليسا من أهل التكاليف، ولا تصحُّ العبادات الواجبة شرعاً عليهما، فمن باب أولى ألّا تجب عليهما الأضحية، وقد اختلف الفقهاء في حكمهما لكون العبادة إن قاما بها لم يلحقهما منها أجرٌ لعدم تحقق القصد لديهما، كما لا يأثمان بتركها.
  • القدرة على الأضحية: فينبغي على المُضحِّي إذا أراد الأضحية أن يملك المال الكافي لها، دون اللجوء إلى الاقتراض، وتكبُّد النفقات التي لا يقدر عليها لأجل الأضحية، فإن لم يجد المال الكافي لذلك لم تجب الأضحية عليه عند الذين قالوا بوجوبها، ولم يجز له إثقال كاهله بالدين من أجل الذبح عند القائلين بسنيَّتها.

شروط الأُضحية ذاتها

كما توجد شروط خاصة بالمُضحي الذي يريد أداء هذه الشعيرة فيوجد أيضاً بعض الشروط في الأضحية لقبولها، ومن تلك الشروط ما يلي:[12]

  • ينبغي أن تكون الأضحية مما يجوز فيه الأضحية: وهي الأنعام بأنواعها؛ الإبل، والبقر، والغنم، وما يدخل في معناها.
  • يجب أن تبلغ الأضحية السنّ الذي اشترطه الفقهاء لجواز الأضحية؛ فيشترط أن تبلغ الإبل من العمر خمس سنوات وتبدأ في السنة السّادسة حتى يصدق كونها مما يُقبل من الأضاحي، أما في البقر فيجب أن تكون الأضحية قد أتمت العامين ودخلت في الثالثة، ويُشترط في الغنم أن تبلغ سنةً من العمر، وفي الضّأن ستّة أشهر في قول بعض الفقهاء.
  • يُشترط أن تكون الأضحية خالية من العيوب الظاهرة، فلا يجوز تضحية العوراء البيِّن عورها، ولا العرجاء البيِّن عرجها، ولا القرناء المكسور قرنها، ولا المريضة، ولا الهزيلة.

وقتُ الأضحية الذي تُقبل فيه

كما أنّ لكل عبادةٍ وقتٌ مخصوص؛ فإن للأضحية وقتاً لا تُقبل إلا به، فإن وقعت خارجه قبله أو بعده لم تُعتبر أضحيةً بل ذبيحةً كغيرها، وقد اتَّفق العلماء على أنَّ أول وقت الأضحية يبدأ بعد شروق الشمس، مع خلافٍ يسيرٍ في تحديد ذلك الوقت، وقد اختلفوا كذلك في نهاية وقت قبول الأضحية، وبيان أقوالهم بهذا الخصوص فيما يلي:[13]

  • أول وقت الأضحية: يرى علماء الشافعيّة والحنابلة أنَّ وقت الأضحية يبدأ بعد طلوع شمس يوم عيد الأضحى الأول، المسمى يوم النّحر، بينما يرى المالكية أنه لا بدَّ للمضحي أن ينتظر إلى أن يفرغ الخطيب من صلاة العيد وخطبتها ويذبح هو إن كان ممن يريد الأضحية تأسّياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، أما الحنفيّة فإنهم يفرِّقون بين أول وقت الأضحية لأهل الأمصار عن أول وقتها لأهل البادية، فعندهم أن أول وقت الأضحية لأهل الأمصار كما يرى باقي الفقهاء يبدأ بنزول الخطيب عن المنبر بعد صلاة العيد وخطبته، أما أهل البادية فلهم الحق بالبدء بذبح الأضحية بمجرد طلوع الفجر.
  • آخر وقت الأضحية: يرى جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة أنَّ آخر وقت الأضحية ينتهي بمغيب شمس ثالث أيام عيد الأضحى الذي هو الثّاني من أيام التّشريق، بينما يرى الشافعيّة أن وقت الأضحية ينتهي بمغيب شمسِ رابع أيام عيد الأضحى المبارك وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وقد استدلَّ الشافعية على ما ذهبوا إليه بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ)[14]

المراجع

  1. ↑ يوسف القرضاوي (2004)، مئة سؤال عن الحج والعمرة والأضحية والعيدين (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة وهبة، صفحة 136.
  2. ↑ محمد أبو فارس (1980)، أحكام الذبائح في الإسلام (الطبعة الأولى)، الزرقاء: مكتبة المنار، صفحة 122.
  3. ↑ سورة الحج، آية: 36.
  4. ↑ سورة الكوثر، آية: 2.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5564.
  6. ↑ محمد صالح المنجد (9-12-2007)، "تعريف الأضحية وحكمها"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2017.
  7. ↑ روته أم سلمة، في صحيح مسلم، عن مسلم، الصفحة أو الرقم: 1977.
  8. ↑ سورة الكوثر، آية: 2.
  9. ↑ سورة الحج، آية: 28.
  10. ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 28-4.
  11. ↑ مجموعة مؤلفين (1993)، الموسوعة الفقهية (الطبعة الرابعة)، مصر: مطابع دار الصفوة للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 102-103، جزء 5.
  12. ^ أ ب محمد أبو فارس (1980)، أحكام الذبائح في الإسلام (الطبعة الأولى)، الزرقاء: مكتبة المنار، صفحة 131-132. بتصرّف.
  13. ↑ محمد أبو فارس (1980)، أحكام الذبائح في الإسلام (الطبعة الأولى)، الزرقاء: مكتبة المنار، صفحة 144.
  14. ↑ رواه الشوكاني، في الدراري المضية، عن جبير بن مطعم، الصفحة أو الرقم: 344.