كيف تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها
اللغة العربية
تعتبر اللغة العربية من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق، لذلك اختارها الله -عز وجل- لتكون لغة القرآن الكريم، فقد بلغت قبل الإسلام أوج كمالها في التعبير عن كل الأساسيات وكل ما يخص الحياة، ولا سيما عن الفصاحة والنتاج الأدبي شعراً ونثراً، وتزامن ظهور علوم عديدة مع نزول القران الكريم، فلذلك انتشرت الحضارة في العالم الإسلامي، ومن هذه العلوم: التاريخ، والطب، والكيمياء، والأسانيد، وعلوم اللغة العربية من صرف ونحو وبلاغة وغيرها، فارتفع شأن اللغة العربية وأصبحت اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمين، ويتضح هذا كله مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به من قوة بيانها، وأصالة ألفاظها، ووفرة معانيها.
وللأسباب المذكورة آنفاً، حرص المتكلمون بغير اللغة العربية على دراسة هذه اللغة، والتعرف على مفرداتها ومعانيها وقواعدها وكل ما يتعلق بها، فكان بذلك ظهور ما يسمى "تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها"، فظهور هذا العلم قد ساعد على تفعيل دور اللغة العربية في مواجهة التحديات، فانتشارها بين المسلمين غير العرب، يساعد على فهم أمور دينهم، فهي منبع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها سيكون باللغة العربية الفصحى وليس اللهجات العامية؛ لأن هذه العاميات تعجز عن تلبية حاجيات الأجانب في التعلم في مناحي الحياة المختلفة، فحرص المعلمون للغة العربية على تدريسها للناطقين على عدّة مستويات.
تدريس الأصوات
يبدأ معلم اللغة العربية هنا بهذا المستوى، حتّى يتعرّف الأجنبي على مخارج الحروف، وهي عشرة مخارج "الشفوي والشفوي الأسناني، والأسناني اللثوي، والجانبي، والغاري، والطبقي واللهوي والحلقي والحنجري، فنلاحظ أن الوحدات الصوتية في اللغة العربيه تغطّي الفراغ بأكمله.
ويرى الباحثون أنّ اللغة العربية لديها أكبر عدد من المخارج الاحتكاكية بالمقارنة مع لغات أخرى؛ كالإنجليزية والإسبانية والروسية، فتبلغ مواضع الاحتكاك بالعربية سبعة، في حين تتراوح في تلك اللغات خمسة مواضع، أو ثلاثة، لذلك يبدأ المعلم بهذا المستوى؛ لأنّ المتعلم الأجنبي يجد صعوبةً في نطق بعض الأصوات، نظراً لعدم وجودها أصلا في لغته الأم، كالصوتين اللهوي والحلقي، الذي يصعب عليهم نطقهما بسهولة، كصوت الحروف الآتية (ح، ع، ق، خ) فيستبدلون بها أصوات أخرى.
ومن هنا يبدأ المعلّم بالتركيز على هذه المفارقات حتّى يكتسب الطالب هذه المهارة، فيُقدّم المعلم بعض الكلمات التي تحتوي على صورة ثنائيات، وذلك بإيجاد كلمتين متشابهتين بجميع الأصوات ما عدا الصوت الذي يكون مصدر الصعوبة، مثلاً "علم وألم" فتحتويان على نفس الأصوات إلّا صوت حرف "ع"؛ فاللفظ الصحيح يكون "علم"، أمّا الصوت المنطوق من الطالب فيكون "ألم"، فهنا يجب توضيح المعنى عن طريق تقديم الرسومات والصور الواضحة للطالب.
تدريس الكلام
هنا ينتقل المدّرس إلى مستوى آخر ومختلف نوعاً ما، فيبدأ بتدريب الطلاب على بعض التعبيرات البسيطة، مثل جملة "هذا كتاب"، ومن ثمّ يتم تحويل العبارة إلى سؤال "هل هذا كتاب؟" ويجيب التلميذ بنعم أو لا، ومن ثم يبدأ المعلم بتغيير الأسلوب كأن يسأل على سبيل المثال "هل هذا كتاب أم ....؟" ويترك المجال للتلميذ بالإجابة.
ونستعين للتدريس في هذا المستوى عرض بعض الأشياء الحقيقية، أو صوراً معيّنة، ونكوّن جملة مكونة من اسم إشارة، فنقول: هذا + الشيء المراد تعلّمه. مثل "هذا كتاب"، ويطلب المعلم من الطلّاب بأن يردّدوا الجملة خلفه.
تدريس قواعد اللغة
هنا يحدّد المعلم بتدريس النحو والقواعد حسب مستوى الطلبة، بحيث يقوم باتباع إمّا النحو النظري، أو النحو الوظيفي، وذلك بتدريس القاعدة والتدريب عليها، ومن الأنشطة الأساسية لتدريس القواعد تتمثل في:
تدريس المفردات
يهتم المدّرس هنا بمجموعة من المعايير المهمة، وأكثر المعايير أهمية هي معيار الشيوع، ويعني كثرة دوران المفردة الواحدة في الاستعمال، والحاجة للمفردة في المواقف المعينة، واتساع الكلمة، مثل كلمة: مقعد أوسع من كرسي أو أريكة. ويتمّ تقديم المفردات ضمن السياق الطبيعية فلا فائدة من الحصول على الكلمات مجرّدةً ومعزولة من السياقات، حتى يفهم معانيها، ويستطيع التّعبير عن أمر ما بشكل صحيح، وأيضاً نستطيع شرح المفردات بطريقة الترجمة، أو الإشارة إلى الشيء، أو استعمال الرسومات والصور .
تدريس الاستماع
يبدأ المعلم هنا بعرض مجموعة من الكلمات والجمل على الطالب عن طريق سماعها، ويمكن أن نقدّم هذه الجمل في شكل تعليمات؛ يقوم الدارس بتنفيذها مدلّلاً على فهم التلميذ للنص، مثل أن يقول له: خذ القلم من الطاولة، وأيضاً هنالك طريقة أخرى في مرحلة لاحقةٍ من تدريس الاستماع، وهي استماع التلاميذ لقصص بسيطة، ولا يشترط هنا شرط الالتزام بحدود قدرة التلميذ اللغوية.
تدريس القراءة
هنا يعلّم المدّرس طلابه الحروف حسب ترتيبها الألفبائي، لكن يُفضّل أغلب المعلمون إلى تقديمها دون اعتبار لترتيبها، بل اعتبار قدرتها على إنتاج الكلمات تلك التي يحتاجها التلميذ لتكوين كلمات وعبارات، ويمكن أيضاً للمعلّم باستخدام الصور المعروضة على بطاقات، يقوم برسم الشيء وأسفله اسمه، وينطق المعلّم باسم الشيء، ويطلب من التلاميذ الترديد خلفه بصورةٍ جماعية، وبعدها على شكل مجموعات، ومن ثمّ بشكل فردي، ويجري التّدريب بعد ربط الحروف بأصواتها كلاّ على حدة، ثم يخفي المعلم الصور أو يمسحها من السبورة، ويعرّضها بالتناوب على الطلاب، ويقوم التلاميذ بقراءتها معزولة عن الصور.
تدريس الكتابة
يهدف هذا المستوى الى تمكين التلميذ من رسم الحروف العربية رسماً صحيحاً، أو تدوين ما يفهمه من قراءة النصوص، والتعبير عن أفكاره، وهناك ثلاثة اتجاهات لتقديم الكتابة، وكل معلم يتبع الطريقة التي تناسبه، وهي:
- أن يتدرب التلميذ على كتابة الحروف بالترتيب الألفبائي.
- أن يتدرب التلميذ على الطريقة السابقة، وأيضاً أن يتعلم رسم الحرف بجميع أشكاله، مثل الحرف في بداية الكلمة، وأوسطها، وآخرها، والأحرف التي تقبل الاتصال، وتلك التي لا تقبل الاتصال.
- أن يقدم المعلم الحرف دون ترتيب معين، بل حسب ورودها بالكلمة.
ماهية التدريس
يقوم المعلم بكتابة الكلمات، وبعض الجمل القصيرة على السبورة، ويكون التلميذ سبق له دراستها، وينقلها التلاميذ إلى دفاترهم، وبعد ذلك تُمحى بعض الكلمات، ويُطلب من التلاميذ كتابتها في المكان المناسب، وهنالك العديد من التمارين على هذا المستوى منها: تدريب إكمال العبارات، وترتيب كلمات لتكوين جملة، والإجابة عن الأسئلة القصيرة، واستبدال تعابير وكلمات أخرى.
وفي الختام نتمنّى لو أنّ اللغة العربية تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، فكل عربي واجب عليه تقديم هذه اللغة، وتعليمها بشتى الطرق، فكما قال الراحل مصطفى الرافعي:"إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها - وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها".
فعندما ننقل لغتنا، هذا لا يعني نقلنا المفردات والجمل فحسب، وإنما ننقل بذلك حضارتنا وتاريخنا المزدهر، وديننا الحنيف، حينها فقط تصبح اللغة العربية من اللغات الاولى، ومن اللغات تلك التي تدعي أن لها أصول تاريخية مرموقة، فمن الطبيعي أن لغتنا أحق بأن تتربع على عرش الأولية والأسبقية، نظراً لقدم عمرها الذي تجاوز آلاف السنين.