كيفية دعاء الحاجة
يلجأ المسلمون إلى ربّ العالمين في السرّاء والضرّاء، بالدّعاء والتضرّع ليلاً ونهاراً، وفي جميع الأوقات، ليزيل عنهم همومهم، وأوجاعهم، وبعض الكروب التي قد يمرّ بها أي شخص منّا في مرحلة من حياتنا، كأن يدعو الله الشّفاء من الأمراض أو الخلاص من مصيبة حلت به، كضيق الحال أو ما شابه، كما يتوسّل البعض الآخر لله تعالى لتحقيق بعض الأماني والأحلام المتأخرة عليهم، كأن يدعو بتوسعة الرّزق، أو الزّواج، أو الإنجاب، أو العمل، وغيرها.
كيفية دعاء الحاجة
يعتب رالدّعاء أساس العبادات، وللمسلم أن يدعو الله عزّ وجلّ بما يشاء من خيري الدّنيا والآخر، ممّا يجوز ويحلّ الدّعاء به، وعليه أن يأخذ بأسباب القبول للدعاء، ومن ذلك أن يتوسّل بين يدي الله عزّ وجلّ، ويطلب منه، ويثني على الله عزّ وجلّ، ويصلي على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" دعوة ذي النّون إذ هو في بطن الحوت، لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، فإنّه لم يدع بها مسلم ربّه في شيء قطّ إلا استجاب له ".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ورجل قائم يصلي، فلمّا ركع وسجد تشهّد ودعا، فقال في دعائه:" اللهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلا أنت، المنّان بديع السّموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إنّي أسألك، فقال النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - لأصحابه أتدرون بم دعا، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى "، رواه النّسائي والإمام أحمد.
ومن الأدعية المأثورة كذلك، والذي يسمّى بدعاء الحاجة، ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" من كانت له حاجة إلى الله تعالى، أو إلى أحد من بني آدم فليتوضّأ، وليحسن لوضوء، ثمّ ليصل ركعتين، ثمّ ليثن على الله عزّ وجلّ، وليصلّ على النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ثمّ ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين ". (1)
صفة صلاة الحاجة
إنّ صلاة الحاجة مشروعة في أقول الفقهاء في المذاهب الأربعة، وذلك كما دلت عليه النّصوص، وهي نصوص كثيرة لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الفقه الكبار، وقد نقل مؤلفوا الموسوعة الفقهيّة اتفاق الفقهاء على مشروعيتها، ولكنّهم اختلفوا في صفتها، حيث جاء في الموسوعة الفقهيّة:" اتفق الفقهاء على أنّ صلاة الحاجة مستحبّة، واستدلوا بما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن أوفى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء، ثمّ ليصلّ ركعتين ثم ليثن على الله، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين "، رواه ابن ماجه، وزاد بعد قوله: يا أرحم الراحيمين: ثمّ يسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يقدر ".
وقد اختلف العلماء في عدد ركعات صلاة الحاجة، فذهب المالكيّة والحنابلة، وهذا هو المشهور عند الشافعيّة، وقول عند الحنفيّة، إلى أنّها ركعتان، والمذهب عند الحنفيّة هو أنّها أربع ركعات، وفي قول عندهم ـ وهو قول الغزالي ـ أنّها اثنتا عشرة ركعةً، وذلك لاختلاف الرّوايات الواردة في ذلك، كما تنوّعت صيغ الدّعاء وذلك لتعدّد الرّوايات.
ومذهب الجمهور هو أنّ صلاة الحاجة ركعتان، وذلك على ما في حديث عبد الله بن أبي أوفى، وليس لهما قراءة مخصوصة، وعليه فتشرع صلاة هاتين الركعتين، ويقرأ فيهما المصلي بما شاء، ثمّ يدعو بعدهما بما شاء من خيري الدّنيا والآخرة.
وقد يرى بعض العلماء عدم مشروعيّة صلاة الحاجة، وذلك بناءً على ضعف الأحاديث الواردة فيها، حيث جاء في فتاوى اللجنة الدّائمة:" المشروع في حقّ المسلم أن يتعبد الله بما شرعه في كتابه، وبما ثبت عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ولأنّ الأصل في العبادات التوقيف، فلا يقال إن هذه عبادة مشروعة إلا بدليل صحيح، وما يسمّى بصلاة الحاجة قد ورد في أحاديث ضعيفة ومنكرة ـ فيما نعلم ـ لا تقوم بها حجّة ولا تصلح لبناء العمل عليها ". (2)
شروط إجابة الدعاء
إنّ الإنسان المسلم إذا ما دعا الله عزّ وجلّ وقد استكمل جميع شروط إجابة الدّعاء، وقد انتفت عنه موانع الإجابة، فإنّ الله سبحانه وتعالى سيجيب دعوته، وذلك إمّا عاجلاً في الحياة الدّنيا، وإمّا أن يدخر له حسنات في مقابل دعوته، أو يصرف الله عنه السّوء مثل دعوته، وقد دلت على ذلك نصوص الشّرع، حيث قال سبحانه وتعالى:" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "، البقرة/186، وقال سبحانه وتعالى:" وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم "، غافر/60.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإمّا أن يدخرها في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السّوء مثلها، قالوا: إذا نكثر قال: الله أكثر "، رواه أحمد والحاكم.
وأمّا شروط إجابة الدّعاء وموانع إجابته فهي ملخّصة في قوله سبحانه وتعالى:" فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي "، فإنّ الإنسان المسلم متى استجاب لأوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه، وصدّق وآمن بوعده، فإنّ شروط إستجابة الدّعاء قد تحقّقت له، وانتفت عنه موانع إجابة الدّعاء، والله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، وعلى الإنسان أن لا يستحسر عند الدّعاء، وأن لا يستعجل الإجابة، لأنّ ذلك من موانع الإجابة، كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدّعاء ".
وفي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - رجلاً يقول:" اللهم إنّي أسالك بأنّي أشهد أنّك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ". (3)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 49867/ أدعية قضاء الحوائج/ 13-6-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 130740/ صفة صلاة الحاجة/ 30-12-2009/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 2395/ شروط إجابة الدعاء/ 11-4-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net