كيف تصلي الاستخارة
الاستخارة
يُصاب الشخص ببعض الظروف التي تتطلّب منه قراراتٍ حاسمةٍ، وقد يتردّد فيها كثيراً وتخفى عليه وجوه النفع والضرر فيها، وكان الناس في الجاهلية يعتمدوا على العديد من الوسائل الباطلة في مثل تلك الظروف، مثل اللجوء إلى الكهّان والعرّافين والدجّالين والضّاربين بالرمل والمنجّمين، أو اللجوء إلى التطيّر بشكل الطير أو صوته، وذلك ممّا نهى عنه الله -تعالى- بقوله: (وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ)،[1] وحرّم أيضاً بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[2] وتجدر الإشارة إلى أنّ الله تعالى لم يحرّم أي شيءٍ إلّا استبدله بأمرٍ حلال أفضل منه، فأُبيحت التجارة وحرّم الربا، وشرّع الزواج وحرّم الزنا، وأباح المشروبات إلّا الخمر منها، وكذلك فإنّ الله -تعالى- حرّم الاستقسام بالسهام إلّا أنّه شرع مقابل ذلك صلاة الاستخارة، وممّا يدلّ على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنه، حيث قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُنا الاستخارةَ في الأمورِ كما يُعَلِّمُنا السورةَ من القرآنِ)،[3] وإلى جانب الاستخارة شُرعت الاستشارة، ويقصد بها سؤال أهل المعرفة بالأمر الذي ينوي الشخص القيام به، فالشخص يعجز عن إدراك جميع أمور الحياة، وبالاستشارة قد يصل إلى القرار الصواب.[4]
صلاة الاستخارة
تتجلّى في صلاة الاستخارة معاني التوكّل على الله تعالى، وطلب الخير منه في الدنيا والآخرة، وتيسير أمور الخير له، وصرف أمور الشرّ عنه، ومن الجدير بالذكر أنّ الاستخارة لا تكون إلّا في الأمور المباحة، كالسفر والبيع والشراء، وفي تحديد أمرٍ ما مشروعٍ؛ أي أنّ الاستخارة لا تجوز في الأمور الواجبة والمفروضة والمستحبة؛ لأنّ الخير متحّقق فيها، ولكن إن تعارض أمران مستحبان تجوز الاستخارة في تلك الحالة، كما أنّ الاستخارة لا تجوز في الأمور المكروهة والمحرّمة؛ لأنّ الخير متحقّق في تركها، وكذلك فإن الخواطر التي تصيب النفس تتلاشى بسرعةٍ، ولا معنى للاستخارة فيها، ولكن ميل النفس لأمرٍ ما، والرغبة فيه لا بدّ من الاستخارة فيه.[5]
تكون صلاة الاستخارة بأداء ركعتين بنيّة الاستخارة، ويجوز أيضاً للمستخير صلاة نافلة ما وعقد النية للاستخارة بها، ومثال ذلك صلاة ركعتين بنية تحية المسجد والاستخارة، أو صلاة ركعتين من السنن الرواتب مع نية الاستخارة، وفي ذلك قال الشيخ السعدي: (مَن دخل المسجدَ وقتَ حضور الراتِبة، فصلَّى ركعتَين ينوي بهما الراتبةَ وتحيةَ المسجد حصَل له فضلهما، وكذلك لو اجتمعتْ معهما أو مع أحدهما سُنَّة الوضوء، أو صلاة الاستخارة، أو غيرها مِنَ ذوات الأسباب)، وعلى المستخير الالتزام بالألفاظ الخاصة بدعاء الاستخارة دون الزيادة عليها أو الإقلال منها، ويجوز للمستخير قراءة الدعاء الخاص بالاستخارة من ورقةٍ أو كتابٍ إن لم يحفظه غيباً، إلّا أنّ الأفضل والأكمل الدعاء به غيباً، بقول: (اللهم إني أستَخيرُك بعِلمِك، وأستَقدِرُك بقُدرَتِك، وأسألُك من فضلِك العظيمِ، فإنك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم إن كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي، في ديني ومَعاشي وعاقِبةِ أمري، أو قال: عاجِلِ أمري وآجِلِه، فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإن كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الأمرَ شرٌّ لي، في ديني ومَعاشي وعاقبةِ أمري، أو قال: في عاجِلِ أمري وآجِلِه، فاصرِفْه عني واصرِفْني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيث كان، ثم أرضِني به، قال: ويُسَمِّي حاجتَه)،[3] ويمكن للمستخير الدعاء بعد الانتهاء من أداء الركعتين أو قبل السلام وبعد التشهّد، وممّا يبيّن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجوز الدعاءُ في صلاة الاستخارة وغيرِها قبلَ السلام وبعده، والدعاء قبلَ السلام أفضل، فإنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان أكثرُ دعائه كان قبلَ السلام، والمصلِّي قبلَ السلام لم ينصرفْ، فهذا أحسنُ، والله تعالى أعلم)، ولا تخصّص القراءة بصلاة الاستخارة بسورٍ معينةٍ، فلا يوجد أي دليلٍ على تخصيص القراءة بسورتي الإخلاص والكافرون.[5]
أحكامٌ تتعلّق بصلاة الاستخارة
بيّن علماء الشريعة الإسلامية العديد من الأمور والأحكام المتعلّقة بصلاة الاستخارة، وفيما يأتي بيان البعض منها بشكلٍ مفصّلٍ:[6]
- ذهب بعض العلماء إلى القول بجواز الاستخارة أكثر من مرّةٍ في الأمر ذاته، ومنهم: العراقي، والشوكاني فيما بيّنه في كتاب النيل، حيث قال: (قد يستدل للتكرار بِأنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- كان إِذا دعا، دعاَ ثلاثاً، حديث صحيح، هذا وإن كان المراد به تكرار الدعاء في الوقت الواحد، فإن الدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له، كالاستسقاء).
- يمكن أن تكون الاستخارة في الأمور التي جزم الشخص على القيام بها، أو تردّد فيها، فالاستخارة في الحقيقة تُعدّ سؤال وطلب التوفيق من الله تعالى، وليس كما يعتقد البعض أنّ الاستخارة لا تكون إلّا في الأمور التي حصل التردّد فيها، فقد يعتقد الشخص أن الخير يكمُن في الأمر الذي عزم عليه إلّا أن واقع الأمر يُناقض ذلك، حيث قال الله تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).[7]
- تُمثّل الاستخارة مدى توكّل العبد على الله -تعالى- في أموره، كما أنّها من الأسباب والعوامل التي تزيد من حسناته وتُضاعف أجوره، وتُحقق الطمأنينة والسكينة في نفسه، وتُحقق له الخير وتطرد عنه الشرّ، وينال بها البركة والتوفيق في سائر الأمور.
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ سورة المائدة، آية: 90.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
- ↑ "الاستخارة والاستشارة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب "صلاة الاستخارة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2018. بتصرّف.
- ↑ "الاستخارة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 216.