كيف تصلى صلاة قيام الليل
قيام الليل
مدح الله -تعالى- عباده المقبلين إليه ليلاً، فأدّوا ما عليهم من العبادات اللازمة لهم، إضافةً إلى أنهم تقرّبوا إليه بالعبادات التي يتعدّى خيرها لغيرهم، حيث قال الله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)،[1] ممّا يزرع في نفوسهم الخوف والرجاء، وذلك حال المؤمن، وقال الحسن البصري بما يخصّ الآية السابقة: (أي أنَّهم لمَّا أخفوا أعمالهم -لأنَّ قيام الليل بينك وبين الله لا أحد يعلم أنَّك تقوم الليل- أخفى الله لهم من النعيم ومن اللذَّات ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن)، كما أنّ قيام الليل من علامات المُتَّقين، وذلك جزاءً لمكابدتهم لِلَّيل، وقيامهم وركوعهم وسجودهم فيه، واستغفارهم أيضاً، اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، الذي كان يقوم الليل حتى تتشقّق قدماه، فصلاة الليل تُعدّ من أفضل الصلوات مكانةً ومنزلةً بعد الفرائض منها، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أفضلُ الصلاةِ، بعدَ الفريضَةِ، صلاةُ الليلِ)،[2] وبيّن ابن رجب السبب في ذلك، فقال بأنّ صلاة الليل أقرب إلى الإخلاص، وفيها المشقة والتعب ومجاهدة النفس، والقراءة فيها أدعى إلى التفكّر والتدبّر والخشوع، ومن الفضائل المترتبة على قيام الليل دخول الجنة.[3]
كيفية صلاة قيام الليل
إذا أراد المسلم قيام الليل فله أن يصلّي ما يشاء من عدد الركعات، إلّا أنّه يسلّم من كلّ ركعتين، بعد أن يجلس للتشهّد، ويدلّ على ذلك ما رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رجلاً سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو على المنبر عن صلاة الليل، فقال له الرسول: (مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشيَ الصُّبحَ صلَّى واحِدَةً، فأوْتَرَتْ له ما صلَّى)،[4] ومثنى مثنى الواردة في الحديث تدلّ على التسليم من كلّ ركعتين، أمّا في عدد ركعات صلاة القيام فقد كان النبي يقومها بصلاة إحدى عشر أو ثلاثة عشرة ركعةً، كما أنّه كان يفتتح قيامه بأداء ركعتين خفيفتين، ولصلاة الوتر العديد من الكيفيات، فقد تُؤدّى ركعةً، أو ثلاث ركعاتٍ، أو خمس، أو سبع، أو تسع، أو غير ذلك، وإن نوى المسلم صلاة الوتر ثلاث ركعاتٍ فله أن يصلّيها جميعاً بتشهّدٍ وجلوسٍ واحدٍ، وله أن يصلّي ركعتين، ثمّ الوتر بركعةٍ واحدةٍ بنية الوتر من أول الصلاة، وإن نوى صلاة الوتر بخمسٍ أو سبع ركعاتٍ فيكون بتشهّدٍ واحدٍ، أمّا الوتر بصلاة تسع ركعاتٍ فلا يجلس المصلّي إلّا في الركعة الثامنة، فيتشهّد وينهض لصلاة الركعة التاسعة، ثمّ يتشهّد ويسلّم، ولا يوجد ما يُسّمى ويُعرَف عند الكثير من الناس صلاة الشفع كسُنّةٍ مستقلةٍ، فصلاة الشفع هي ذاتها صلاة الوتر التي تؤدّى ركعتين ثمّ ركعةٍ واحدةٍ منفصلةٍ، فالركعتين هي الشفع، والركعة المنفصلة هي الوتر، إلّا أن نية الوتر تكون قبل صلاة الثلاث ركعات.[5]
أحكام متعلّقة بقيام الليل
بيّن العلماء العديد من الأحكام المتعلّقة بصلاة قيام الليل، وفيما يأتي بيان البعض منها بشكلٍ مفصّلٍ:[6]
- يحرص المسلم على العديد من الآداب المتعلّقة بقيام الليل؛ فعليه أن ينوي قيام الليل قبل النوم، وبذلك أيضاً يكسب الأجر من الله على النوم إن كانت النية من النوم نيل القوة والعزيمة على طاعة الله تعالى، حيث قال عمر بن الخطاب أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)،[7] ومن الآداب أيضاً الحرص على الطهارة قبل النوم، والنوم على الشقّ الأيمن، وترديد أذكار النوم، وإن استيقظ من نومه عليه أن يمسح وجهه من النوم، ويذكر ربه، ويستاك ويتوضأ، مبتدأً التهجُّد بركعتين خفيفتين، ويُستحب في التهجُّد أن يكون في البيت، وذلك أفضل وأدعى إلى تحقق الإخلاص، كما يستحبّ من المسلم المداومة على عددٍ معيّنٍ من الركعات، ويطيل فيها إن كان مستطيعاً على الإطالة، ويخفّفها إن لم يكن كذلك، وإن غلبه النعاس والنوم ينام حتى يفيق ويستطيع القيام لأداء الصلاة، ويستحبّ له أيضاً إيقاظ أهله لقيام الليل، حيث قال الله تعالى: (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيها لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَّقوى).[8]
- من الجدير بالذكر أنّ صلاة قيام الليل لا تشترط فيها القراءة سرّاً أو جهراً، فالمسلم مخيّرٌ بين الإسرار بالقراءة أو الجهر بها، إلّا أن الجهر أفضل إن كان المسلم قادراً عليه، أو كان أحد يصلّي معه ويستمع لقراءته، والإسرار يفضلّ إن كان يصلّي بحضرة شخص ٍنائمٍ أو مريضٍ أو مُتهجّدٍ آخرٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ صلاة الليل بانفرادٍ أفضل من الجماعة، وذلك ما كان من فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلّا أن التطوع جماعةً يجوز أحياناً في الليل والنهار، دون أن يكون ذلك عادةً فيصبح سنةً راتبةً، كما على المسلم الحرص على الاستغفار وقت السحر من الليل، حيث قال الله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[9]
- يجوز للمسلم الذي فاته الوتر وقيام الليل قضاؤهما بعد ارتفاع الشمس وقبل الزوال، إلّا أن قضاء الوتر لا يكون إلّا شفعاً، فإن كانت عادة المسلم أن يصلّي الوتر ثلاث ركعات فيقضيه أربع ركعات من وقت الضحى، وإن كانت من عادته أداء الوتر خمس ركعات فيقضيه من وقت الضحى ست ركعاتٍ، وإن كانت من عادته أداء الوتر سبع ركعات فيقضيه ثمان ركعاتٍ، وهكذا.[10]
المراجع
- ↑ سورة السجدة، آية: 16.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- ↑ "فضل قيام الليل"، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 472، صحيح.
- ↑ "كيفية قيام الليل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2018. بتصرّف.
- ↑ "آداب قيام الليل"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
- ↑ سورة طه، آية: 132.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 17-18.
- ↑ "مسائل وأحكام قيام الليل"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2018. بتصرّف.