كيفية التوبة والرجوع الى الله
التوبة
التوبة هي ترك المعصية والرجوع إلى الله عزّ وجلّ، وتُعدّ التوبة من الأمور التي أوجبها الله سبحانه على عبده في حال وقوعه في معصيةٍ ما، والتوبة من أعظم العبادات وأجلّها، وكفى التائب شرفاً؛ أنّه ينال بها رضا الله -سبحانه وتعالى- ومحبّته، فقد قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[1] ومن رحمة الله تعالى بعباده؛ أنّه جعل التوبة مفتاحاً لمغفرة الذنب كلّه مهما عَظُّم؛ فبالتوبة تُمحى السيئات وتتبدّل، وبها ينال المسلم الفلاح في الدنيا والآخرة، فتكون سبباً في دخوله الجنّة ونجاته من النّار، وهي كذلك سببٌ للبركة ونزول الرحمات، وممّا يجدر التنبيه إليه؛ أنّ المسلم الذي يحرص على علاقته بالله عز وجلّ، لا ينقطع عن تجديد التوبة، وممّا يُدلّل على ذلك، قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ: التَّوَّابونَ)،[2] فكيف تكون التوبة، وكيف يكون الرجوع إلى الله تعالى؟[3][4]
كيفية التوبة والرجوع إلى الله
إذا أراد المسلم الرجوع إلى ربّه عزّ وجلّ، فلا حاجة لواسطةٍ من الناس، بل يتوجّه إلى الله تعالى مباشرةً؛ بالوقوف بين يديه، فالله سبحانه يسمع كلامه ويجيب دعاءه، ومن فضل الله على الناس؛ أنّ باب التوبة مفتوحٌ إلى أن تُشرق الشمس من مغربها، أو تبلغ الروح الحلقوم، كما قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ)،[5] ومن كرم الله تعالى؛ أنّه يفرح بتوبة العبد، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مُسيء الليل، ويبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ولكن لا بُدّ من توفّر شروطٍ معيّنةٍ؛ حتى تكون التوبة صحيحةً، ومنها:[6]
- الإخلاص لله تعالى في التوبة؛ فلا تصحّ توبة من ترك المعاصي؛ خوفاً من الفضيحة، أو الشرطة، أو من مرضٍ معيّن، أو حرصاً على صحته عامةً.
- ترك المعصية مباشرةً دون تأجيلٍ.
- العزم على عدم العودة إلى المعاصي والذنوب.
- الندم على الوقوع في المعصية، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وطلب السماح منهم؛ في حال كانت المعصية متعلّقة بحقوق العباد.
- الصدق في التوبة، ويكون ذلك في القلب؛ إذ إنّ القول وحده لا يكفي، وإذا خالف القول ما في القلب، كانت تلك توبةً كاذبةً.
مفاتيح التوبة
ثمّة أمورٌ تعين الإنسان على الاستمرار في التوبة، ومنها ما يأتي:[7]
- مجاهدة النفس؛ فإذا كابد الإنسان نفسه ومنعها من المعصية، وألزمها طاعة الله تعالى، فُتحت عليه أبواب الخيرات، وتنزّلت عليه البركات، وأصبح ما كان يكرهه محبوباً، والصعب سهلاً، والثقيل خفيفاً، فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).[8]
- قصر الأمل وتذكّر الآخرة؛ إذ إنّ تذكر الجنّة وما فيها من نعيمٍ مُقيمٍ، والنار وما فيها من عذابٍ أليمٍ، وفهم حقيقة الدنيا وسرعة زوالها؛ يدفع إلى المسارعة في التوبة، وعدم الاسترسال في الشهوات.
- محبة الله تبارك وتعالى؛ فيمتلئ القلب بمحبّة الله تعالى، وذلك بالعلم النافع، والعمل الصالح، فإذا كان ذلك، أصبحت الطاعات سهلةً عليه، وابتعد عن الشهوات.
- العلم؛ فالعلم يشغل الإنسان بالخير عن الشر، ويُستحبّ للتائب أن يتعلم أحكام التوبة وفضلها، ووجوبها، وعاقبة المعاصي وقبحها، وما يترتب عليها من الذلّ.
- الصحبة الصالحة؛ لأنّ مصاحبة الأخيار تُنير الفكر وتُعين على الطاعة، وتُحيي القلب، وتُذكّر بالعيوب.
- مجانبة الأشرار؛ إذ إنّ أصدقاء السوء يُخفون عن الإنسان عيوبه، ويُحسّنون القبيح، ويُقبّحون الحسن، ويُفسدون على المرء دينه.
- استحضار فوائد ترك المعاصي؛ ومن هذه الفوائد ما يُحقّقه العبد في الدنيا كنعيم القلب، وانشراح الصدر، وقلة الهم والحزن، وتيسيير الرزق، وجعل مهابة العبد في قلوب الناس، وتسهيل الطاعات، واستجابة الدعاء، وبعد شياطين الإنس والجن، وقرب الملائكة الكرام من العبد، وأمّا في الآخرة؛ فالانتقال من سجن الدنيا إلى رياض الجنّة، ولقاء الملائكة بالبشرى.
قصصٌ من حياة السلف
كان للسلف الصالح قصصٌ عظيمةٌ، تدل على أنّهم فهموا معنى التوبة وحقّقوها، ونذكر منها:[9]
- توبة بشر بن الحارث؛ فقد كان رجلاً كثير اللهو، وفي أحد الأيام بينما هو في بيته مع أصحابٍ له يشربون ويطربون، إذ مرّ بهم رجلٌ، فطرق عليهم الباب، فخرجت الجارية وفتحت له، فسألها: صاحب هذا البيت حرٌّ أم عبدٌ؟ فقالت: بل حرٌّ، فقال: (صدقت لو كان عبداً لعلم أدب العبودية ولترك اللهو والطرب)، فسمع بشرٌ كلامه، فخرج نحو الباب مسرعاً، فلم يجد الرجل، فسأل الجارية عنه فأخبرته بما قاله الرجل وإلى أين ذهب، فتبعه بشر حافياً حاسراً، فلمّا وجده، قال له: (أنت الرجل الذي خاطبت الجارية عند الباب؟) فقال الرجل: نعم، فقال له: (أعد علي ما قلت)، فأعاده، فأخذ بشر يمرّغ وجهه بالتراب، ويقول: بل عبدٌ عبدٌ، ثمّ هام على وجهه حافياً حاسراً، وكان كلّما سألوه عن سبب مشيه حافياً، أجابهم قائلاً: (لأنّي ما صالحني مولاي إلا و أنا حافٍ، فلا أزول عن هذه الحاله حتى الممات).
- توبة الفضيل بن عياض؛ حيث كان الفضيل لصاً يقطع الطريق على الناس، وفي يومٍ من الأيام أحبّ جاريةً؛ فتسور البيت التي هي فيه، فسمع تالياً يتلو قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)،[10] فلمّا سمع ذلك قال: (بلى يا رب قد آن)، ثمّ انطلق إلى خربةٍ؛ ليقضي ليلته، فوجد فيها قافلةً قد اختلفوا بينهم، وقالوا: لا تمشوا في الليل؛ نخاف أن يقطع الفضيل علينا الطريق، قال: (ففكرتُ وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقومٌ من المسلمين ها هنا يخافونني، وما أرى الله ساقني إليهم؛ إلا لأرتدع، اللهمّ إنّي قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام)، فكانت توبته في جوار الحرام.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2499، حسن.
- ↑ "التوبة: فضائلها والأسباب المعينة عليها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "ما تعريف التوبة و ما شروطها؟"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 18
- ↑ "كيفية التوبة والرجوع إلى الله تعالى "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "ثمانية عشر مفتاحاً للتوبة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 69
- ↑ "مع السلف في التوبة"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الحديد، آية: 16.