كيف كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصلاة
أمر الله تعالى بالمحافظة على أداء الصلاة في كلّ الظروف والأحوال، سواءً كانت في السفر أو الحضر، في الخوف أو الأمن، وفي الصحة أو المرض، ولم يجعل الرخصة لأحدٍ بتركها، وإن كان في الحرب والقتال، وكذلك الصبيّ الذي لم يبلغ مأمورٌ بالصلاة، ولا يُعذر أحدٌ بتركها إلّا المرأة الحائض والنفساء، فالصلاة هي الغذاء اليوميّ للروح، والقوة التي يستمدّها البدن، والصّلة بين العبد وربه، فقد كانت الصلاة قرّة عين النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يشتاق لها، ويتلهّف لوقتها، ويقول لبلال بن رباح: (ارحنا بها يا بلال)،[1] وهي العبادة الوحيدة التي لمّا فرضها الله على نبيه -عليه السلام- فرضها دون أيّ واسطةٍ بينهما في السماء، وكانت خمسون صلاةً، ثمّ خُفّفت إلى خمس صلواتٍ، ومع ذلك فإنّ كثيراً من الناس لا يصلّيها، وتعدّ الصلاة أكثر الفرائض ذكراً في القرآن الكريم؛ لأنّها عمود الدين، فقد قال محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سَنامِه الجهادُ في سبيلِ اللهِ)،[2] وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي التي أمر الله تعالى بها الأنبياء والرسل جميعاً، وفي الصلاة غذاء الروح وزاده، ففيها الدعاء، والتوسّل، والانحناء، والتواضع لله تعالى، ومن تركها فقد رضي لنفسه أن يكون شبيهاً لإبليس الذي تجبّر، وتكبّر، وطغى، وأبى السجود لله رب العالمين، وفيها من الودائع والحكم ما الله أعلم به.[3]
كيفية صلاة النبي عليه السلام
علّم رسول الله أصحابه الصلاة، فقال لهم: (صَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي)،[4] فقد كان رسول الله هو المصدر الأساسيّ في تعليم الصلاة لأصحابه ومن بعدهم، فلا بدّ من التأسي به حتى تكون الصلاة على أتمّ صورةٍ، وفيما يأتي بيانٌ لكيفيّة صلاة الرسول-عليه السّلام- بشكلٍ مفصّلٍ:[5]
- إسباغ الوضوء؛ فيتوضأ كما أمره الله تعالى بكتابه الكريم، قائلاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).[6]
- التوجّه إلى القِبلة بجميع بدنه، قاصداً الصلاة التي يريد أن يصليها، سواءً كانت فرضاً أم نفلاً، جاعلاً أمامه سترةً.
- التلفّظ بتكبيرة الإحرام، مع توجيه النظر إلى موضع السجود، ورفع اليدين إلى حذو المنكبين.
- وضع الكف اليمنى فوق الكف اليسرى، ووضعهما معاً على الصدر؛ لثبوت ذلك عن النبي عليه السّلام.
- قراءة دعاء الاستفتاح، وقد ورد العديد من الصيغ فيه عن رسول الله، ومن هذه الأدعية: (سبحانك اللهم، وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك)، والأكمل أن يقرأ في كلّ مرةٍ دعاءً مختلف الصيغة ممّا ورد عن النبي عليه السلام.
- الركوع مع التكبير، ورفع اليدين نحو المنكبين أو الأذنين، ويضع يديه على ركبيتيه، مفرّقاً أصابعه، مطمئناً في ركوعه، ويقول: (سبحان ربي العظيم)، والأفضل أن يكرّرها ثلاثاً.
- الرفع من الركوع بذات وضع اليدين، قائلاً: (سمع الله لمن حمده)، ثمّ يقول عند الوقوف: (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملئ السموات، وملئ الأرض، وملئ ما بينهما، وملئ ما شئت من شيءٍ بعد)، ويستحبّ أن يضع المُصلي يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع؛ لثبوت ما يدلّ على ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
- السجود على الأعضاء السبعة، قائلاً: (سبحان ربي الأعلى)، والأفضل أن يكرّرها ثلاثاً، ويستحبّ له أن يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)، ويُستحبّ الإكثار من الدعاء في السجود؛ لقول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (أمّا الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم).[7]
- رفع الرأس مع التكبير، وفرش القدم اليسرى، والجلوس عليها، ونصب اليمنى، ووضع الكفيّن على الفخذين، وقول: (ربّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني، واجبرني)، ويطمئنّ في هذا الجلوس، ثمّ يسجد الثانية كما الأولى.
- يرفع رأسه من السجود الثاني، ويجلس جلسةً خفيفةً، تسمى جلسة الاستراحة، ولا حرج عليه إن تركها، ثمّ ينهض للركعة الثانية، ويفعل فيها كما فعل في الركعة الأولى.
- في حال كانت الصلاة ثنائية، فإنّه يجلس بعد السجود الثاني من الركعة الثانية، ناصباً رجله اليمنى، مفترشاً اليسرى، واضعاً يده اليمنى على فخذه، قابضاً أصابعه كلّها إلّا السبابة، فإنّه يشير بها إلى التوحيد، ويقرأ التشهّد والصلاة الإبراهيميّة، ثمّ يستعيذ بالله من فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجّال، وعذاب النار، وعذاب القبر، ويدعو بما يشاء.
- إن كانت الصلاة رباعيّة فإنّه ينهض بعد التشهّد، والصلاة على النبي، ليُصلّي ما تبقى، ويقرأ الفاتحة فقط، ولا بأس إن زاد عليها أحياناً في صلاة الظهر، لثبوت ذلك عن النبي عليه السلام، ثمّ يتشهّد بعد الانتهاء من الركعة الأخيرة، ثمّ يسلّم عن يمينه وشماله، ويستغفر الله ثلاثاً، ويقول الأذكار المأثورة بعد الصلاة.
أهمية اتباع النبي
أمر الله تعالى بتقواه؛ وذلك باتباع ما جاء في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، حيث جعل الله اتباع رسوله علامةً من علامات محبته، ومقتضى الشهادة هو طاعة الرسول -عليه الصّلاة وسلّم- فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وتكون طاعة الرسول بعد موته بالتمسّك بسنته، وتقديم سنته على أيّ سنّةٍ سواها، واعتقاد صحّة أقواله وأفعاله، فإن شكّ أحدٌ بخلاف ذلك فإنّه لم يشهد أنّ محمداً رسول الله حقيقة، لأنّ الله أمر رسوله بالقول: (قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّـهِ إِلَيكُم جَميعًا)،[8] فلا يصحّ من أحدٍ بعد بعثة النبي إلاّ اتباعه، وقد أقسم الله بنفسه المقدّسة بنفي الإيمان عمن لا يتّبع شريعة الإسلام في كلّ شيءٍ، واشترط للإيمان ثلاثة شروط: أولها تحكيم النبي في كلّ ما يُختلف فيه، وثانيها الرّضا بحكمه، وثالثها أن يسلّموا لهذا الحكم، ويتلخّص ذلك في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً).[9][10]
المراجع
- ↑ رواه العراقي، في تخريج الإحياء، عن بلال بن رباح، الصفحة أو الرقم: 1/224، إسناده صحيح.
- ↑ رواه ابن القيم، في أعلام الموقعين، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 4/259، صحيح.
- ↑ مراد باخريصة (16-11-2011)، "الصلاة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 6008، صحيح.
- ↑ "كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 11-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6045، صحيح.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 158.
- ↑ سورة النساء، آية: 59.
- ↑ عبد العزيز الدهيشي (10-4-2012)، "اتباع النبي صلى الله عليه وسلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-10-2018. بتصرّف.