في أي عام فتح المسلمون الأندلس
الأندلس
يتغنّى المسلمونَ بالأندلس، ويبكونَ على ضياعها، فقد أقاموا فيها حضارةً لا تزال أطلالها شامخةً في إسبانيا، تتمثّل بالمباني المعماريّة الأندلسيّة الفخمة التي يزورها الناس من كلّ مكان حتى يومنا هذا، علماً بأنّ لفظة الأندلس تعود إلى قبائل الوندال ذوي الأصل الألمانيّ، والذين احتلّوا المنطقة منذ القرن الثالث، وحتى الخامس الميلاديّ، حيث إنّ المنطقة الواقعة في الجزء الجنوبيّ الغربيّ للقارّة الأوروبيّة، كانت تُسمَّى شبه الجزيرة الإيبيرية، وقد سُمِّيت في عهدهم أندلسيا؛ أي بلاد الوندال، وتُعَدّ الأندلس في العهد الإسلاميّ منطقةً تاريخيّة شملَت في أوجِ قوّتها أراضيَ دولة إسبانيا الحاليّة، ومعظم أراضي دولة البرتغال، ومن أهمّ المُدن التي ضمّتها الأندلس: مدينة قرطبة، وإشبيلية، وغرناطة، وطليطلة، ومالطة، وغيرها، وقد كانت الأندلس قبلَ الفتح الإسلاميّ تحتَ حُكم القوط الغربيّين، وذلك منذ القرن الخامس الميلاديّ، علماً بأنّ حُكمهم كان ظالماً؛ إذ عاثَ في الأرضِ فساداً كبيراً، وولَّدَ في المجتمع طبقات تُعاني من الاضطهاد، والإهمال.[1]
الفَتح الإسلامي للأندلس
بدأت فكرة الفتح الإسلاميّ للأندلس منذ عهد الخليفة عثمان بن عفّان، وقد بدأ يُخطّط لها موسى بن نُصير؛ فأرسلَ سريّة استكشافيّة مُكوَّنة من 500 جنديّ إلى جنوب إسبانيا سنة 710م، وقد نقلت أخباراً طيّبةً للمسلمين المُتأهِّبين للفتح، فبدأ موسى بن نُصير يُنفّذ خطته، حيث جهَّز جيشاً بقيادة طارق بن زياد، بلغَ عدده 7 آلاف جنديّ، أغلبهم من الأمازيغ، إضافة إلى نسبة قليلة من العرب، فعبروا من سبتة باستخدام السُّفُن إلى جنوب إسبانيا عام 711م، وعندَ وصولهم تجمَّعوا على جبلٍ كانَ يُدعى جبل كلبة، ثمّ سُمِّي فيما بعد جبل طارق، إذ التقوا على مقربة منه بمجموعة من الروم، فاقتتلوا، وكانَ النصر حليفاً للمسلمين، واستولوا على الجزيرة الخضراء، ثمّ توغَّل الجيش في أراضي إسبانيا، فسمعَ طارق بن زياد أنّ جيش الروم يستعدّ للقائهم بعدّة مقدارها 40 ألف جنديّ، فأرسلَ إلى موسى بن نصير يستنجدُه، ممّا جعل موسى بن نصير يرسلُ إليه خمسة آلاف جنديّ، والتقى الفريقان بوادي لكّة، إلّا أنّ جيش الروم كانَ أكبر عدّة، وعدداً من المسلمين، واستمرّت المعركة 8 أيّام كانَ القتال فيها شديداً، حيث ارتقى فيها العديد من جنود المسلمين شهداءَ في تلكَ المعركة، واستمرَّ القتال حتى تحقّق النصر للمسلمين، واستولوا على المدينة، وفرّ قائد جيش الرومِ من ساحةِ المعركة.[1][2]
وبعدَ هذه المعركة، توجّهَ طارق بن زياد بجيشه إلى طليطلة، فدخلها دونَ مقاومةٍ من أهلها، وأقامَ الجيشُ فيها لفترةٍ من الوقت، وفي هذه الأثناء، اعتصمَ أمير مدينة قرطبة، وأصحابه في كنيسة غربيّ المدينة، فعلمَ المسلمونَ بأمرهم، وحاصروهم حتى تحقّق لهم النصر، ومن الجدير بالذكر أنّ طارق بن زياد كان قد توغّل كثيراً في إسبانيا، حتى وصل إلى العاصمة، وتركَ خلفه مُدُناً لم يفتحها، فخافَ موسى بن نُصير من تكاتُف هذه المُدن، وهجومها على المسلمين، ممّا جعله يعبرُ بجيشٍ مُكوَّنٍ من 18 ألف جندي إلى الجزيرة الخضراء، حيث سارَ بهم حتى وصلَ قرمونة التي تعرّض فيها لمقاومةٍ شديدة، فحاصرها لمدّة شهر، ثمّ تمكّن من فتحها، ومن قرمونة توجّه موسى وجيشه إلى إشبيلية، وفتحها دونَ مقاومة، ثمّ توجّه إلى ماردة، فحاصرها شهوراً طويلة، حتى تواجه الجيشان، وتحقّق النصر للمسلمين سنة 713هـ.[2]
التقى موسى بن نُصير بطارق بن زياد، فتعاونا على إنهاء المقاومة التي حصلت عندَ نهرٍ غربيّ الأندلس، ثمّ دخلا مدينة طليطلة، وبعدَ مرور فترةِ الشتاء، توجّه جيش المسلمينَ إلى مدينة سرقسطة، ففتحوها، وتبعَها فتحُ مدينة وشقة، ولاردة، وطركونة، وأمَّنَ موسى مدينةَ قشتالة، وبعدَ ذلك، أكملَ المسلمونَ فتح المُدن المُتبقِّية، كمدينة برشلونة، وبنبلونة، ويابرة، وشنترين، وقلمرية، ومالطة ، وغرناطة، حتى وصلوا إلى شرق إسبانيا، ففتحوا مدينة مرسية،[2] ولم تتوقَّف الفتوحات إلّا بعدَ معركة بلاط الشهداء التي وقعت سنة 114هـ ضدّ الإفرنج؛ إذ كانَ الجيش الإفرنجيّ قويّاً، فاستمرّ القتال 10 أيّام، هُزِمَ بعدها المسلمون.[1]
الأندلس تحت الحكم الإسلامي
تميّزت الفترة الأولى من حُكم المسلمين للأندلس بمجموعة من الميّزات، كما نشأت حضارة إسلاميّة نهضت بالأندلس، وجعلت منها دولةً قويّة، ومن أهمّ مظاهر الدولة الإسلاميّة في الأندلس:[3]
- انتشار الإسلام: حيث أقبلَ على دخول الإسلام عدد كبيرٌ من أهالي مدينة الأندلس، وحرص المسلمونَ على تعليمهم تعاليم الدين، وعندما أنجبَ مسلمو الأندلس الجُدُد أبناءهم، أُطلِقَ عليهم جيل المُولِّدين.
- إلغاء الطبقيّة: أقامَ المسلمون العدلَ في الأندلس، فحرصوا على إلغاء الطبقيّة التي كانت سائدةً في المجتمع أثناء حكم القوطيّين.
- نشر الحرّية العقائديّة: لم يتعدَّ المسلمونَ على كنائسِ المسيحيّين بالهَدمِ، أو السرقة، إلّا أنّهم حوّلوا بعض الكنائس إلى مساجدَ للمسلمين بعدَ موافقة المسيحيين على ذلك، ومقابل دفعهم مبالغَ ضخمة لهم.
- النهضة المادّية: بنى المسلمونَ العديد من المباني المعماريّة الجميلةِ في الأندلس، كما أنشأوا القناطرَ، والكباري، ونهضوا بصناعة الأسلحة، والسُّفُنِ.
- انتشار اللغة العربيّة: تعلّمَ أهلُ الأندلس الأصليّين اللغة العربيّة، وكانوا يفتخرونَ بتعلُّمهم لها.
سقوط الأندلس
تعرّضت الأندلس لمعارك ضارية، شنّتها ممالك الشمال المسيحيّة، والتي عُرِفت آنذاك بمعارك الاسترداد، وقد استمرّت هذه المعارك ما يزيد عن أربعة قرون، فكانت مدينة بامبلونا شمال الأندلس أولى المُدن التي سقطت، وذلك عام 748هـ، ثمّ سقطت مدينة برشلونة عام 985هـ، ثمّ سقطت مدينة سانتياغو عام 997هـ، وبعد خمسة أعوام سقطت مدينة ليون، وبعدها هدأت الهجمات، إلّا أنّها عادت وسيطرت على عددٍ كبير من مُدنِ الأندلس، حتى وصلت إلى مدينة غرناطة، والتي بدورها سقطت سنة 1492م، الموافق 897هـ، وبسقوط غرناطة ضاعت الأندلس الإسلاميّة؛ لأنّها كانت آخر مدينةٍ يُرابط فيها المسلمون، فقد وقّعَ ملكها أبي عبدالله الصغير على معاهدة الاستسلام، وبذلك انتهت الخلافة الإسلاميّة في الأندلس، وفرَّ المسلمون، واليهود من البَطش المسيحيّ، واستقرّوا في مُدن شمال القارّة الأفريقيّة، ولم تتوقّف الهجماتُ على الأندلس، فقد امتدَّت حتى شملت أجزاءَ من مُدن أفريقيا الشماليّة، مثل مدينة مليلية المغربيّة. ويُؤكِّد المُؤرِّخونَ على أنّ من أسباب سقوط الأندلس: خوض الملوك العديد من المعارك التي أنهكَت الدولة، وخوضهم في حياة الترف، واللهو، بدلاً من تقوية الدولة، والإنفاق على حمايتها.[4]
المراجع
- ^ أ ب ت عبدالرحمن علي الحجي (1981)، التاريخ الأندلسي (الطبعة الثانية)، لبنان: دار القلم، صفحة 54،55 ،44،45،46 ،29،35،37،38. بتصرّف.
- ^ أ ب ت جامعة أم القرى، تاريخ الأندلس ، صفحة 7-14. بتصرّف.
- ↑ د.راغب السرجاني (2010)، قصّة الاندلس ، مصر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 87-89. بتصرّف.
- ↑ "سقوط الأندلس.. حكاية الفردوس المفقود"، www.aljazeera.net، 2-1-2017، اطّلع عليه بتاريخ 23-9-2018. بتصرّف.