معلومات عن صلاة الاستسقاء
صلاة الاستسقاء
يتصرَّفُ الله في الطَّبيعةِ التي من حولنا كيفما يشاء، فهو سبحانه الذي يُجري الرِّياح، ويُبدِّل ما بين الليل والنهار، ويُنزل المطر ليسقي به الزَّرع، والبشر، والحيوانات، وكلَّ شيءٍ حي، فهو الذي خلق الكون، ويفعل به ما يشاء، بحكمته، وقوَّته، فتعالى الله أحسن الخالقين.
جعل الله تعالى من الماء الذي ينزل علينا من السَّماء كلَّ شيءٍ حي، إذ يقول في محكم آياته: (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون) [الأنبياء: 30]، فإن أمسك الله تعالى هذا المطر هلكنا عطشاً، وإن أفلته بلا توقفٍ أيضاً هلكنا غرقاً، فالسؤال الآن، ماذا يفعل المؤمنون إن أمسك الله المطر عنَّا؟
تعريف صلاة الاستسقاء
الاستسقاءُ لُغةً كاستفعال الأمر، أي الطَّلب، وهنا تعني طلب السُّقيا، أي طلب أن يُنزل المطر من السَّماء ليُغيث الأرض وكلَّ شيءٍ حي [النِّهاية لابن الأثير (381/2)، لسان العرب لابن منظور (393/14)]، أمّا معناها اصطلاحاً، أي الطَّلب من الله سبحانه وتعالى أن يُنزل المطر بكيفيَّةٍ مخصوصة، وهذا عند الحاجة [الموسوعة الفقهية الكويتية (304/3)، وتُحفة المحتاج للهيتمي (65/3)].
حُكمُ صلاة الاستسقاء شرعاً
ذهب جمهور العلماء إلى أنّ صلاة الاستسقاء سُنَّة، المالكية [الكافي لابن عبد البر (255-268/1)، الذَّخيرة للقرافي (432/2)، والقوانين الفقهية لابن جزي (ص:60)، والشَّافعية [تحفة المحتاج للهيتمي (65/3)، نهاية المحتاج للرملي (413/2)]، والحنابلة [كشاف القناع للبهوتي (66/2)، والمُغْني لابن قدامة (319/2)، كما أنَّ النَّووي في كتابه شرح النووي على مسلم (187/6)، وابن حجر في كتابه فتح الباري (492/2)، وغيرهم كثير نقلوا أنّ العلماء قاطبةً أجمعوا على أن صلاة الاستسقاء مشروعةٌ، وأن أبا حنيفة هو الذي خالف هذه الأقوال كلِّها.
استدلَّ العلماء على عدةِ أحاديث صحيحة ومنها ما رواه عبد الله بن زيدٍ بن عاصمٍ رضي الله عنه قال: (رأيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً خرج يستسقي، قال: فحوَّل إلى النَّاس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثمَّ حوَّل رداءه، ثمَّ صلَّى لنا ركعتين، جهر فيهما بالقراءة) [البخاري (1025)، ومسلم (894)].
بعض أحكام صلاة الاستسقاء
حكم إعادة الاستسقاء
يُشرعُ للمسلمين أن يُعيدوا الاستسقاء إذا لم يُسْقَوا، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة، الحنفية [حاشية الطَّحطاوي (ص: 359)، والمالكية [مواهب الجليل للحطَّاب (595/2)]، والشَّافعية [تحفة المحتاج للهيتمي (67/3)]، والحنابلة [ المُغْني لابن قُدامة (326/2)]، أما الدَّليل من القرآن فهو بقول الله تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43]؛ حيث إنَّ وجه الدَّلالة من هذه الآية هو التَّضرُّعُ إلى الله في تكرار الاستسقاء [شرح منتهى الإرادات للبهوتي (337/1)].
حكم الخروج للاستسقاء بعد نزول المطر
اختلف العلماء في الخروج للاستسقاء بعد ما أن سُقُوا على قولين:
- القول الأول: يُستحبُّ الخروج لصلاة الاستسقاء بعد أن سُقوا؛ وذلك لأن صلاة الاستسقاء شُرعت من أجل أن يقيهم الله من الجدْب؛ وحيث إنّ ذلك لا يكون فقط بنزول المطر [مطالب أولى النُّهى للرحيباني (822/1)]، وهذا مذهب الحنفية [ حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 359)]، والشَّافعية [المجموع للنَّووي (89/5)، والحنابلة [الإنصاف للمرداوي (321/2)].
- القول الثَّاني: أنّهم لا يخرجون للسُّقيا بعد نزول المطر؛ وذلك لأنّ صلاة الاستسقاء شُرِعت لطلب نزول المطر، فإذا نزل فعندها لا حاجة لها [الشَّرح الممتع لابن عثيمين (221/5)]، كما أنّ هناك قولٌ للشافعية نقله النَّووي في المجموع (89/5)، وهذا قول ابن قدامة في المُغْني (327/2).
حكم خروج الكفَّار من أهل الذِّمَّة وغيرهم للاستسقاء
ذهب جمهور العلماء المالكية [التاج والإكليل للمواق (206/2)]، والشَّافعية [المجموع للنَّووي (72/5)]، والحنابلة [كشاف القناع للبهوتي (69/2)] على أنَّ الكُفَّار وأهل الذِّمَّة لا يُمنعوا من الخروج للاستسقاء، ولكن يُؤمرون بالانفراد عن المسلمين، وذلك لأن مطلبهم دنيويٌّ في رزقهم من الله، ولأنَّ الله تعالى ضمن رزق الخلائق أجمعين كانوا كُفَّاراً أو مسلمين [ابن قُدامة في المُغْني (328/2)، والنَّووي في المجموع (66/5)].
حكم إخراج الدَّواب للمُصلَّى في صلاة الاستسقاء
ذهب المالكية [التَّاج والإكليل للمواق (206/2)]، وطائفةٌ من الشَّافعية [النَّووي في المجموع (71/5)، وقولٌ للحنابلة [الإنصاف للمرداوي (318/2)] إلى أنَّه لا يُستحبُّ إخراج البهائم إلى المُصلَّى، وذلك لأن النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسلام لم يفعل ذلك [ابن قدامة في المُغْني (319/2)]، ولأن في إخراجهم تعذيبٌ لهم، ولأن الناس سيشتغلون بأصواتهم أثناء أداء الاستسقاء، ولأنَّ الدوابَّ ليسوا من أهل التَّكليف، وليس هناك معنى لإخراجهم [الماوردي في الحاوي الكبير (516/2)].
حكم إذنُ الإمام في الخروج لصلاة الاستسقاء
لم يشترط أهل العلم إذن الإمام للخروج لصلاة الاستسقاء؛ وذلك لأن هذه الصَّلاةُ نافلة كباقي النَّوافل في عدم اشتراط إذن الإمام في أدائها [ابن قدامة في المُغْني (326/2)].
كيفية وصِفَة وسُنن صلاة الاستسقاء
- وقت صلاة الاستسقاء: يُستحبُّ أداء صلاة الاستسقاء في نفس وقت صلاة العيد، وذلك لأنَّها تشبهها في الموضع، والصِّفة، ولذلك ستشبهها في الوقت [ابن قُدامة في المُغْني (321/2)]، وقد ذهب جمهور العلماء على هذا، المالكية [الباجي في المنتقى (333/1)]، والشَّافعية [الماوردي في الحاوي الكبير (518/2)]، والحنابلة [البهوتي في كشاف القناع (67/2)].
- مكان صلاة الاستسقاء: يُستحبُّ أداء صلاة الاستسقاء في المُصلَّى، والمقصود بالمُصلَّى هو مكانٌ في العراء أو الصَّحراء، كصلاة العيد، وقد نقل الإمام النَّووي الإجماع على هذا في المجموع (72/5)، كما أنَّ الحديث الصَّحيح يدلُّ على ذلك، وهو الحديث الذي رواه الشَّيخان البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيدٍ بن عاصمٍ: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ إلى المصلَّى، فاستسقى، فاستقبلَ القِبلةَ، وقلَب رِداءَه، وصَلَّى ركعتينِ).
- الدُّعاء بعد الخروج للاستسقاء: الخروج إلى المُصلَّى والدعاء سنةٌ عن النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام، وهذا كما ورد في الحديث السَّابق الذي ذكرناه عن عبد الله بن زيدٍ بن عاصم، وقد أجمع العلماء على ذلك [النَّووي في شرح النَّووي على مسلم (187/6)].
- عدد ركعات صلاة الاستسقاء: إن مذهب جمهور العلماء (المالكية، والشافعية، والحنابلة) يقول إنَّ صلاة الاستسقاء ركعتان، كما أنَّ النَّوويَّ في شرح النووي على مسلم (188/6)، وابن قُدامة في المُغني (319/2) وغيرهما قد نقلوا الإجماع على ذلك.
- صِفة صلاة الاستسقاء: كما ذكرنا قبل قليل أنّ صلاة الاستسقاء ركعتان، وصفتهما هو أن يُكبِّر في الأولى سبع تكبيراتٍ، وفي الثَّانية يُكبِّر خمس تكبيرات، وهذا مذهب الشَّافعية [الرملي في نهاية المحتاج (421/2)]، والحنابلة [البهوتي في كشاف القناع (67/2)]، كما أن الحديث الذي حسَّنه الألبانيُ في صحيح ابن ماجه (1053) يدلُّ على ذلك، فعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: " خرَج النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم متواضعًا، متبذِّلًا، متخشِّعًا، مترسِّلًا، متضرِّعًا، فصلَّى رَكعتينِ كما يُصلِّي في العيد، لم يخطُبْ خُطبتَكم هذه".
- الجهر في القراءة: إنَّ الأحاديث التي رويناها سابقاً كلُّها تتحدَّث عن أن النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام كان يجهر بالقراءة أثناء صلاة الاستسقاء؛ حيث إن الصَّحابة إمَّا أن يقولوا: "جهر فيهما"، أو أن يقولوا: "كصلاة العيد"، وإنَّه من المعروف أنَّ صلاة العيد جريَّة القراءة، كما أن الإجماع نُقِل على هذا [ابن رجب في فتح الباري (286/6)، وغيره].
- خُطبةُ صلاة الاستسقاء: يُشرعُ للإمام أن يخطب في الناس مع صلاة الاستسقاء، وقد نقل عددٌ من العلماء الإجماع على هذا كالنَّووي (102/5)، وقد نقل هذا الإجماع غيره، إلا أنَّ العلماء اختلفوا في موضع خطبة الاستسقاء من الصَّلاة، هل هي قبل الصَّلاة أو بعدها على قولين، وهما:
- تحويل الرِّداء: إنَّ تحويل الرِّداء وقلبه مُستحبٌّ للإمام والمأموم في صلاة الاستسقاء، وقد ذهب جمهور العلماء على هذا، المالكية [الحطَّاب في مواهب الجليل (596/2)]، والشَّافعية [النَّووي في المجموع (103/5)]، والحنابلة [البهوتي في كشاف القناع (72/2)].
- تكون بعد الصَّلاة كما في صلاة العيد، وهذا مذهب جمهور العلماء، المالكية [الحطَّاب في مواهب الجليل (596/2)]، والشَّافعية [النَّووي في المجموع (83/5)]، والحنابلة [البهوتي في كشاف القناع (69/2)].
- الإمام مخيَّرٌ في أن يجعلها قبل الصَّلاة أو بعدها؛ وذلك لأن السُّنَّة ورد فيها الحالتين [ابن قدامة في المُغْني (321/2)].