-

الإسلام والإيمان والإحسان

الإسلام والإيمان والإحسان
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الإسلام

يعرّف الإسلام في اللغة بأنّه الانقياد والخضوع والذل، ويتفرّع إلى معنيَيْن في الشرع، فإمّا أن يكون إسلاماً كونياً أو إسلاماً شرعياً، فالإسلام الكوني هو استسلام وخضوع جميع المخلوقات إلى أوامر الله تعالى الكونية والقدرية، حيث قال الله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)،[1] فالاستسلام يجب أن يكون من أي مخلوق سواءً برضاه أم لا، فالمخلوق لا توجد له أي إرادة في صحة، أو مرض، أو حياة، أو موت، أو غنى، أو فقر، كما أنّ جميع المخلوقات تتساوى في الإسلام، فلا ميزة لأحد على أحد، وتجدر الإشارة إلى أن جميع المخلوقات تشترك في الإسلام الكوني، سواءً كان مسلماً أم كافراً، طائعاً أم عاصياً، أي أنّه لا يترتب على الإسلام الكوني أي ثواب أو عقاب، إلا في حالة صبر العبد وتحمّله للمرض أو الفقر، وفي حالة شكر الله تعالى على الصحة والرزق.[2]

والنوع الثاني من الإسلام هو الإسلام الشرعي المتمثّل بالاستسلام والخضوع والانقياد لأوامر الله تعالى الشرعية، ويتفرّع الإسلام الشرعي إلى إسلام عام وإسلام خاص، فالإسلام العام هو الدين الذي أُرسل به جميع الأنبياء عليهم السلام، أمّا الخاص فهو الدين الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما نصّ عليه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الإسلامُ أن تشهَدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتصُومَ رمَضانَ، وتحُجَّ البيتَ، إن استطَعْتَ إليه سبيلًا)،[3] وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في بيان الحديث السابق: (وَالْمَقْصُودُ تَمْثِيلُ الْإِسْلَامِ بِبُنْيَانِهِ وَدَعَائِمُ الْبُنْيَانِ هَذِهِ الْخَمْسُ، فَلَا يَثْبُتُ الْبُنْيَانُ بِدُونِهَا، وَبَقِيَّةُ خِصَالِ الْإِسْلَامِ كَتَتِمَّةِ الْبُنْيَانِ).[2]

الإيمان

يعرّف الإيمان في الاصطلاح بأنه التصديق الجازم الذي لا ريب فيه بأن الله تعالى رب ومليك وخالق ومدبّر كل شيء، والاعتقاد الجازم أيضاً بأن الله تعالى وحده المستحقّ لجميع أنواع العبادة، من صلاة، أو صيام، أو دعاء، أو رجاء، أو خوف، أو ذل، أو خضوع، والإيمان يشمل أيضاً الاعتقاد بأن الله تعالى متّصف بجميع صفات الكمال، وأنّه منزّه عن جميع صفات النقص والعيب، وتجدر الإشارة إلى أن الإيمان بالله تعالى لا يتحقّق إلا بالإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وتفرّده بها جميعاً، ولا يصحّ الإيمان ببعضها دون الآخر، كما كان في الجاهلية من الإيمان بالربوبية دون الألوهية، حيث قال الله سبحانه في حالهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا).[4][5]

يقوم الإيمان على ستة أركان، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر سواءً كان خيراً أم شرّاً، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه: (أن تَؤْمِنَ باللهِ وملائكتِه وبلقائِه ورسلِه، وتُؤْمِنُ بالبَعْثِ)،[6] ولتحقيق الإيمان لا بدّ من القول باللسان، والتصديق بالقلب، والعمل بالأركان، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإيمان يزداد بالطاعة والعبادة، وينقص بالعصيان والمحرّمات، ولا يصحّ إيمان العبد إلا بتوفّر القول والتصديق والعمل معاً، وقال الحسن البصري في ذلك :(ليس الإيمان بالتحلي، ولا بالتمني، ولكن هو ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال)، وممّا يدل على ما سبق ورود العديد من الآيات التي تربط بين الإيمان والعمل الصالح، أي أنّ التصديق وحده أو القول وحده لا يكفي لتحقّق الإيمان.[5]

الإحسان

بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم المقصود بالإحسان بقوله لجبريل عليه السلام: (الإحسانُ : أنْ تعبدَ اللهَ كأنكَ تراهُ ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّهُ يراكَ)،[7] والمقصود من الإحسان أداء العبادة على أحسن صورة ووجه تؤدّى به، مع استشعار العبد لمراقبة الله تعالى له، ومما يدل على ذلك قول الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)،[8] كما قال أيضاً: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)،[9] فالرسول عليه الصلاة والسلام قرن بين الإحسان وعبادة الله، لأن العبادة تمثّل الغاية من خلق الإنسان، كما أنّ للعبادة مكانة رفيعة ومنزلة شريفة، حيث قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).[10][11]

لذلك اشتُرط الإحسان في العبادة؛ لتكون مقبولة من العبد وينال بها الأجر العظيم من الله تعالى، ولا تؤدّى العبادة بحقيقتها إلا بتحقيق الحب لله تعالى، والخوف والخشية من عذابه، والرجاء في نيل الرحمة منه، ولا بدّ من الجمع بين الرجاء والخشية، فالرجاء وحده يسبّب طول الأمل بالحياة الدنيا، والجرأة على ارتكاب المعاصي والفواحش، وفي المقابل فإنّ الخشية دون الرجاء تسبّب القنوط واليأس من رحمة الله، مما يؤدي بالنهاية إلى الكفر، حيث قال الله تعالى: (وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ).[12][11]

يتفرّع الإحسان إلى نوعين؛ فإمّا أن يكون في العبادة أو في حقوق بني آدم، وإحسان العبادة يتمثّل بالقيام بما أمر به الله تعالى، والانتهاء عما نهى، وعبادته شوقاً وحبّاً وطلباً، وسعياً للوصول إلى اللذة في العبادة والأُنس في القرب من الله سبحانه، ومن صور الإحسان في حقوق المخلوقات: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الضيف، ومساعدة المحتاجين والضعفاء وغير ذلك، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللهَ كتب الإحسانَ على كلِّ شيٍء).[13][11]

المراجع

  1. ↑ سورة آل عمران، آية: 83.
  2. ^ أ ب "تعريف الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2018. بتصرّف.
  3. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
  4. ↑ سورة الفرقان، آية: 60.
  5. ^ أ ب "حقيقة الإيمان ومقتضياته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2018. بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 50، صحيح.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4777، صحيح.
  8. ↑ سورة الحديد، آية: 4.
  9. ↑ سورة ق، آية: 16.
  10. ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
  11. ^ أ ب ت "الإحسان وأنواعه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2018. بتصرّف.
  12. ↑ سورة يوسف، آية: 87.
  13. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 1955، صحيح.