-

عدم التركيز في الصلاة

عدم التركيز في الصلاة
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الصلاة

إن للصلاة مكانة عظيمة في الدين، فهي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين، كما أنها الفاصل بين الإسلام والكفر، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ)،[1] ومما يدل على عظم أهمية الصلاة أن الله -تعالى- فرضها في السماء يوم الإسراء والمعراج، وقد فرضها الله -عز وجل- خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خفّفها على عباده فأصبحت خمس صلوات بأجر خمسين صلاة، وتجدر الإشارة إلى أن الصلاة صلة العبد بربه، وفيها معاني الخضوع، والتذلل، والخشوع لله عز وجل، بالإضافة إلى تلاوة القرآن الكريم، والدعاء والمناجاة.[2]

عدم التركيز في الصلاة

يقع أغلب الناس في بعض الأحيان بحالة من عدم التركيز فيما يؤدّونه من أقوال وأفعال خلال الصلاة، ولكن بدرجات متفاوتة ومواضيع مختلفة، وفي الحقيقة أن السبب في ذلك يرجع للتكوين الطّبَعي للإنسان، فمن الطبيعي أن تراوده الأفكار والمعاني التي تُعتبر من مظاهر النشاط العقلي، ويزداد هذا النشاط كلما تعقدت الأمور، وتكاثرت المشكلات، بل إن الأفكار تدور في عقل الإنسان حتى أثناء نومه، ولذلك تتكون الأحلام والرؤى التي تُعتبر انعكاساً لما يجري في الواقع، ومن الجدير بالذكر أن الإنسان يحتاج في بعض المواقف لحصر تفكيره، واستحضار تركيزه في حيز معين، كما يحصل عند قيادة السيارة، أو الطيارة، أو تقديم الامتحانات، أو التعامل مع المواد الكيميائية، أو القيام بأي عملية أخرى، لأن عدم التركيز في مثل هذه الحالات يؤدي إلى عواقب خطيرة، ويمكن القول أن الصلاة من أهم الأمور التي يجب على المؤمن استحضار تركيزه فيها، وحصر تفكيره خلال أدائها، لا سيما أنها صلة العبد بربه عز وجل، ويترتب على ما يصدر منه خلالها جزاءٌ دقيق.[3]

ويُطلق على التركيز والاستحضار العقلي في الصلاة اسم الخشوع، وقد أثنى الله -تعالى- على عباده المؤمنين في العديد من مواضع القرآن الكريم بوصفهم بالخشوع، حيث قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)،[4] وقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ).[5] ولا بُد من الإشارة إلى أن الخشوع يتفاوت من مؤمن إلى آخر، ومن صلاة إلى صلاة، فقد يتعرض الإنسان خلال صلاته لبعض وساوس الشيطان التي تخلّ في خشوعه، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نوديَ بالأذانِ أدبرَ الشَّيطانُ، لهُ ضراطٌ حتَّى لا يسمعَ الأذانَ، فإذا قضيَ الأذانُ أقبلَ، فإذا ثوِّبَ بها أدبرَ، فإذا قضيَ التَّثويبُ أقبلَ يخطرُ بينَ المرءِ ونفسِهِ، يقولُ: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكرُ، حتَّى يظلَّ الرَّجلُ إن يدري كم صلَّى فإذا لم يدرِ أحدُكم كم صلَّى فليسجد سجدتينِ).[6][3]

ومن الممكن كذلك أن يفقد الإنسان تركيزه بسبب شرود ذهنه أو سهوه خلال الصلاة، فقد ثبت أن سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- سها في أحد الصلوات فزاد فيها أو أنقص منها، ولمّا راجعه الصحابة -رضي الله عنهم- قال لهم: (إنما أنا بشرٌ أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكروني)،[7] ولذلك فإن عدم التركيز أو الشرود الذهني خلال الصلاة أمر واقع، ولا يترتب عليه الإثم، ولكن يجب على المصلي محاولة عدم الاسترسال فيه بقدر ما يستطيع، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من توضأَ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه، غفر اللهُ له ما تقدمَ من ذنبِه)،[8] وقد بين الإمام النووي -رحمه الله- أن المراد بذلك عدم تحديث النفس بشيء من أمور الدنيا، ولو عَرَض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه حصلت له الفضيلة، وعُفي من ذلك لا سيما أن هذه الأمة معفيّة من الخواطر التي تعرض ولا تستقر.[3]

وبناءً على ما سبق يمكن القول أن عدم التركيز بالصلاة، أو شرود الذهن في أمور الدنيا خلالها، وإن كان مذموماً إلا أنه لا يُبطل الصلاة، إذ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكمل صلاته بعد أن خرج منها سهواً، فعاد ودخل فيها بعد أن تذكر، ولم يعيدها من بدايتها، وأمر من يحدث له ذلك بإكمال صلاته، وأن يسجد سجود السهو، مصداقاً لما رُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (وإذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فليتحرَّ الصوابَ، فلْيُتِمَّ عليه، ثم لِيسجدْ سجدتين).[7][3]

وسائل تساعد على الخشوع في الصلاة

يُعرّف الخشوع على أنه الإقبال على الصلاة بالقلب، واستحضار عظمة الله عز وجل، والتفكر في جميع الأقوال والأعمال المشروعة في الصلاة، والتدبر بآيات القرآن الكريم، مع مراعاة شروط الصلاة، وأركانها، وواجباتها، وسننها، وقد بين الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- أن محل الخشوع هو القلب، فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها لأنه مَلكها، وقال ابن كثير رحمه الله: (الخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحةً له وقرةَ عينٍ)، وفي الحقيقة هناك العديد من الوسائل التي تساعد على التركيز والخشوع في الصلاة، ويمكن ذكر بعضها فيما ياتي:[9]

  • دعاء الله عز وجل، وسؤاله التوفيق في الخشوع: حيث إن الدعاء والتضرع إلى الله -تعالى- من دأب عباد الله الصالحين، لا سيما أن الدعاء الصادق عندما يخرج من نفس صافية، وقلب سليم، يجد إجابة كريمة من رب رحيم بعباده، وقد وعد الله -سبحانه- باستجابة دعوة من دعاه، حيث قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)،[10] ولذلك فإن الدعاء من أهم الوسائل المساعدة على الخشوع في الصلاة.
  • إسباغ الوضوء: حيث إن المحافظة على أداء فرائض الوضوء وسننه تساعد على الخشوع في الصلاة، إذ إن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة، وقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما منِ امرئٍ مسلمٍ تحضرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسنُ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها، إلا كانتْ كفارةً لما قبلها منَ الذنوبِ).[11]
  • النظر إلى موضع السجود: فالنظر إلى موضع السجود يساعد على الخشوع في الصلاة، وقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينظر إلى موضع سجوده في الصلاة.
  • الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: والاستعاذة هي الاعتصام بالله تعالى، واللجوء إليه من كل ذي شر.

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 82، صحيح.
  2. ↑ "الركن الثاني _ اقام الصلاة"، 10-5-201-، www.knowingallah.com. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث "شرود الذهن في الصلاة"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-1-2019. بتصرّف.
  4. ↑ سورة المؤمنون، آية: 1،2.
  5. ↑ سورة البقرة، آية: 45.
  6. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 389، صحيح.
  7. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 572، صحيح.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 164، صحيح.
  9. ↑ صلاح الدق (31-5-2016)، "وسائل الخشوع في الصلاة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-1-2019. بتصرّف.
  10. ↑ سورة البقرة، آية: 186.
  11. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 228، صحيح.