دروس وعبر من السيرة النبوية
السيرة النبوية
كرّم الله تعالى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بمنزلةٍ رفيعةٍ، فهو المصطفى من البشر، وأفضل أنبياء الله تعالى، لذلك اهتم المسلمون بسيرته؛ وحرص الصحابة الكرام على متابعة أدقّ تفاصيل حياته، واعتنى من بعدهم من المسلمون بهذه التفاصيل؛ لميلهم العاطفي للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما تباعد الزمان والمكان ازداد الحنين إليه وإلى معرفة سيرته العطرة من الذين عايشوا هذه الأحداث وشاهدوها، فقد كان غالب كتّاب السيرة من أهل المدينة، لِما كان من غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، فقد أنعم الله تعالى على أهل المدينة بالمشاركة فيها، فقد حدّثوا بهذه الغزوات بروح الفخر والاعتزاز، وكانت وظيفة حفظ السنة بعد جيل الصحابة على عاتق التابعين، الذين تلقّوا تعاليم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بحبٍ كبيرٍ، وقاموا بنقل السيرة المباركة إلى رجال التدوين، ثمّ انتقلت السنة النبوية منهم إلى الأجيال التالية، وأقدم ما تمَّ تدوينه في السنة النبوية كان الموطأ لمالك بن أنس رضي الله عنه، وكانت المغازي من أوائل الموضوعات التي تم دوينها، فقد كان حرص الصحابة على الحديث عنها وتعليمها لأبنائهم كبير جداً، فقد كان همُّ التابعين يتمحوّر حول رواية الأحاديث ونقلها، وكان هم من بعدهم جمع هذه الأحاديث دون الانتقاد والانتقاء، ممّا أتاح الفرصة لدخول الأحاديث الضعيفة والمكذوبة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقام من بعدهم بإضافة الشروح والتعليقات على هذه المصنفات، وعندما اتسع علم التاريخ بظهور منهج النقد، قام العلماء بالتدقيق وإخراج السيرة الصحيحة، فكان لأهل الحديث قواعد صارمة في انتقاء الأحاديث وانتقاد الرجال.[1]
الدروس والعبر المستفادة من السيرة النبوية
تتعرّض السيرة النبوية لهجمةٍ شرسةٍ بشكلٍ متواصلٍ من أعداء الإسلام؛ لعلمهم بتأثيرها الكبير على من يقرأها بقصد الهداية، فالبعض أعلن إسلامه بعد أن قرأ السيرة النبوية وعلم أنّ المسلمين لا يسبّون الأديان الأخرى، والبعض أسلم أيضاً لعلمه من السيرة انعدام الوساطة في الإسلام بين العبد وربه، والبعض من أُعجب بأخلاق النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التي قام بغرسها في نفوس الصحابة الكرام، وأكدّت الدراسات أنّ غالب المسلمون الجدد من النساء؛ لأنهنّ وجدن في الإسلام التحرّر من المادية التي لا تُراعي جوهر الإنسان، وذلك ما كان من دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام،[2] كما أنّ أحداثها التي غيّرت مجرى التاريخ جعلت العبر في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من أن تُحصى، فلكلٍ منها وقعٌ خاص في نفوس المؤمنين، حيث تسمو إليه أرواحهم، وتُشرق بذكره نفوسهم، فالسيرة تُقدّم النموذج التربوي الأجدر بالدراسة والتطبيق، ولا يمكن الإحاطة بهذه الفوائد دون التعمّق بدقائق السيرة النبوية، ونقلها إلى التطبيق العملي، فهي حصيلة خبرةٍ قام الصحابة بدراستها وتدريسها وتطبيقها، فكانت حياتهم الأكثر نوراً و سروراً؛ لقربهم من المنهج الذي اختاره الله تعالى لهم، ومن تلك الدروس:[3]
- تدلّ السيرة النبوية على صدق نبوّة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فهي من أقوى العلامات والدلائل على صدق رسالته، فالسيرة النبوية تعدّ معجزةً من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام.
- يعيش القارئ للسيرة النبوية مع الصحابة الكرام لحظات الفرح، فيفرح لفرحهم، ويُعايش لحظات الشدّة التي ألَمّت بهم فيُدرك كم تكبّد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام من الصعاب لإيصال الدين، ممّا يدفع إلى عدم التفريط بتعاليم الإسلام.
- يصل الدارس للسيرة النبوية لحالةٍ من التزكية الروحية، والسمو الأخلاقي.
- يصل الداعية المتّتبع لأحداث السيرة النبوية إلى معرفة الأحكام الشرعية التي لا غنى له عنها في دعوته، كما ينتفع المربي من تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع جميع الفئات العمرية، ومع جميع المستويات الاجتماعية، في الوصول إلى الطريقة الأمثل في التربية، لما امتاز به من الأساليب التربوية، حتى وصفه الله تعالى بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).[4]
- تعدّ السيرة النبوية الطريقة الصحيحة لفهم الشريعة الإسلامية، وتطبيق أحكامها في المجتمع الإسلامي، كما أنّها المنهج الصحيح الذي لا بدّ أن يسير عليه الأفراد والمجتمعات المسلمة.
مواقف من السيرة النبوية
يروي الصحابي مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أنّه ذهب مع أصحابه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأقاموا عنده عشرين يوماً وليلةً، فلمّا شعر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّهم اشتاقوا إلى أهلهم، قال لهم: (ارجِعوا إلى أهلِيكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومروهم، وذكر أشياءَ أحفظُها، أو لا أحفظُها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرتِ الصلاةُ، فلْيؤذنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم)،[5] وقد ذكر أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بعثهُم إلى الحُرقة من جُهينة للقتال، فهزموهم، ثمّ تتبع أسامة مع رجلٍ من الأنصار رجلاً منهم، وعندما أمسكا به قال الرجل: لا إله إلا الله، فابتعد الأنصاري عنه، وقام أسامة بقتله، وحين وصل الخبر إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يا أسامةُ، أَقتَلْتَه بعدَ ما قال :لا إله إلا الله)،[6] فردّ عليه قائلاً: "يا رسول الله إنّما قالها للتعوّذ من القتل"، فقال أسامة: "فما زال يُكرّرها عليّ ، حتى تمنّيتُ أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم".[7]
المراجع
- ↑ د. عبد الحليم عويس (1-10-2013)، "السيرة النبوية"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2018. بتصرّف.
- ↑ د. محمد ويلالي (23-10-2012)، "السيرة النبوية وأثرها في بناء المشروع الحضاري للأمة "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2018. بتصرّف.
- ↑ أبو عبد الله الذهبي، "السيرة النبوية دروس وعبر (المقدمة)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 159.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاي، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 7246، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 6872، صحيح.
- ↑ د. سليمان العيد (20-4-2013)، "مواقف من السيرة النبوية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2018. بتصرّف.