دروس وعبر من خطبة حجة الوداع
حجة الوداع
بعد أن فتح المسلمون مكة المكرمة، وبلّغ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الرسالة، دخل الناس في دين الله أفواجاً، وتعلّموا من نبيهم محمد -صلّى الله عليه وسلّم- كلّ ما يخص صلاتهم، وصيامهم، وأمور حياتهم، وفي أواخر السنة التاسعة للهجرة فرض الله -تعالى- الحج على المسلمين، حيث قال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)،[1] وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد أتمّ تعليم المسلمين كلّ عباداتهم، ولم يبقَ إلّا تعليمهم كيفية أداء مناسك الحج، فقرّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذهاب للحج، وأعلن الخبر للمسلمين، فلمّا بلغهم الخبر، توجّهوا من كلّ مكانٍ نحو المدينة المنورة، كلّهم يريدون رفقة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحج، وقد أطلق علماء السيرة على حجّة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عدداً من الأسماء، منها: حجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الوداع، وقد سميت بحجة الوداع؛ لأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ودّع الناس فيها، حيث قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- قبل خروجه إلى اليمن: (يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري)،[2] ومن الجدير بالذكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خطب بالناس في حجة الوداع خطبةً بليغةً، عُرفت في التاريخ بخطبة حجّة الوداع.[3]
دروس وعبر مستفادة من خطبة الوداع
خطب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالمسلمين على جبل عرفةٍ في حجة الوداع خطبةً عظيمةً، فيها خير الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان بعض الدروس والعبر المستفادة من تلك الخطبة:[4]
- تأكيد مبدأ الوحدة والمساواة بين المسلمين: حيث إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أسّس لمبدأ الأخوّة الإيمانية، ووحدة المسلمين منذ بداية الدعوة في مكة، حين شجّع على إطلاق العبيد، وحرص على تكريس الوحدة بين المسلمين في المدينة المنورة، من خلال المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، والميثاق الذي تمّ بين الأوس والخزرج، وكما اهتمّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالوحدة بين المسلمين؛ لأنّه يعلم أنّ وحدة الأمة سببٌ لنصرها، وفي خطبة الوداع عاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ليؤكّد على أهمية الإخوّة الإيمانية، ووحدة المسلمين، حيث قال: (أَلَا إنَّ المسلمَ أَخُو المسلمِ)،[5] ثمّ أكّد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على المساواة بين المسلمين، وعمل على إلغاء أيّ شكلٍ من أشكال الطبقية، فلا جنس أفضل من جنسٍ، ولا لون أفضل من لونٍ، ولا عرق أفضل من عرقٍ، ولا قبيلة أفضل من قبيلةٍ، فكلّ المسلمين إخوةٌ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (يا أيُّها النَّاسُ ألا إنَّ ربَّكم واحدٌ وإنَّ أباكم واحدٌ ألا لا فضلَ لِعَربيٍّ على أعجميٍّ ولا لعَجميٍّ على عربِيٍّ ولا لِأحمرَ على أسودَ ولا لِأسودَ على أحمرَ إلاَّ بالتَّقوى).[6]
- ترسيخ العدل بين المسلمين: أكّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في خطبته على ترسيخ العدالة في المجتمع الإسلامي، وحذّر المسلمين من التهاون في الدماء، والأموال، وأكّد على حرمتها، حيث قال: (إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا)،[7] ولم يقتصر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على التحذير من ذلك النوع الخطير من الظلم؛ وهو سفك الدماء، واستباحة الأموال، بل أكّد على ضرورة عدل المسلمين في أدقّ الأمور، ومنها: علاقة الرجال بزوجاتهم، حيث أوصى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالنساء خيراً، وحذّر من ظلمهن في أيّ حقٍ من حقوقهن، كما حذّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- النساء من ظلم أزواجهن أيضاً، حيث قال: (إنَّ لكم على نسائِكم حَقّاً، ولنسائِكم عليكم حَقّاً، فأما حَقُّكُم على نسائِكم فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تَكْرَهُونَ، ولا يَأْذَنَّ في بيوتِكم لِمَن تَكْرَهُونَ، أَلَا وإنَّ حَقَّهُنَّ عليكم أن تُحْسِنُوا إليهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وطعامِهِنَّ).[5]
- التمسّك بدستور الأمة: وهو القرآن والسنة، حيث أكّد رسول الله في خطبته على ضرورة التمسك بدستور الأمة، حيث قال: (وقد تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتُم به، كتابَ اللهِ)،[7] فقد أنزل الله -تعالى- على نبيه محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- القرآن الكريم؛ ليكون دستوراً للأمة، وتعهّد بحفظ ذلك الدستور إلى يوم القيامة، وبيّن للناس أجمعين أنّ الهدى في اتباع شرع الله تعالى، والضلال في تركه، والبعد عنه، حيث إنّ الشرع الإسلامي جاء من لدن عليمٍ خبيرٍ، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فإنّه شرعٌ شاملٌ لم يترك كبيرةً ولا صغيرةً إلّا شملها، وقد صاغه خالق الكون؛ ليتناسب مع احتياجات البشر في كلّ مكانٍ وزمانٍ، وتحت أيّ ظرفٍ، وحتى تقوم الأمة الإسلامية قياماً صحيحاً، لا بُدّ من تطبيقه في مناهجها، وقوانينها، وسياستها، واقتصادها، وحربها، ومعاهداتها، فإنّه منهجٌ متكاملٌ، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).[8]
- التحذير من الربا: فقد حذّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من الربا؛ لأنّه من الذنوب المُهلكة للفرد والمجتمع، فهو إعلانٌ للحرب على الله ورسوله، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (وربا الجاهليةِ موضوعٌ، وأولُ رباً أضعُ رِبانا، ربا عباسٍ بنِ عبدِ المطلبِ).[7]
آخر ما نزل من القرآن في حجة الوداع
ذكر علماء التفسير أنّ آخر ما نزل من القرآن الكريم، كان في حجّة الوداع، وبالتحديد في يوم عرفةٍ، حيث إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- توفي بعدها بفترةٍ قصيرةٍ، ودليل ذلك قول أسماء بنت عميس رضي الله عنها: (حججت مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تلك الحجة، فبينما نحن نسير، إذ تجلّى له جبريلٌ -عليه السلام- على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت، فأتيته، فسجيت عليه برداءٍ كان عليَّ)، وكان آخر ما نزل من القرآن الكريم قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).[9][10]
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 647، صحيح.
- ↑ "حجة الوداع"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
- ↑ "وصايا النبي في حجة الوداع (1-2)"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه الترمذي، في صحيح الترمذي، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم: 3087، حسن صحيح.
- ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن من سمع النبي، الصفحة أو الرقم: 1536، صحيح.
- ^ أ ب ت رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
- ↑ سورة النحل، آية: 89.
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ "اليوم أكملت لكم دينكم"، www.islamweb.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2017. بتصرّف.