أشعار نزار
نزار قباني
دبلوماسي وشاعر سوري معاصر ولد في دمشق 21 آذار عام 1923م وتخرج عام 1945م من كلية الحقوق بجامعة دمشق، والتحق بوزارة الخارجية السورية، وقد أصدر عدّة أشعار منها أشعار الحب والرومانسية، وتوفي في 30 نيسان عام 1998م عن عمر يناهز 75 عام في لندن.
أحبك أحبك والبقية تأتي
قال نزار قباني في قصيدته التي صنفها القارئ على أنّها رومانسية، حيث وصف حديث محبوبته كسجادة فارسية من جمال كلامها وكان يتغزل في عيونها:[1]
حديثك سجادةٌ فارسيه
وعيناك عصفورتان دمشقيتان
تطيران بين الجدار وبين الجدار
وقلبي يسافر مثل الحمامة فوق مياه يديك
ويأخذ قيلولةً تحت ظل السوار
وإني أحبك
لكن أخاف التورط فيك
أخاف التوحد فيك
أخاف التقمص فيك
فقد علمتني التجارب أن أتجنب عشق النساء
وموج البحار
أنا لا أناقش حبك فهو نهاري
ولست أناقش شمس النهار
أنا لا أناقش حبك
فهو يقرر في أي يوم سيأتي وفي أي يومٍ سيذهب
وهو يحدد وقت الحوار وشكل الحوار
دعيني أصب لك الشاي
أنت خرافية الحسن هذا الصباح
وصوتك نقشٌ جميلٌ على ثوب مراكشيه
وعقدك يلعب كالطفل تحت المرايا
ويرتشف الماء من شفة المزهريه
دعيني أصب لك الشاي هل قلت إني أحبك
هل قلت إني سعيدٌ لأنك جئت
وأن حضورك يسعد مثل حضور القصيده
ومثل حضور المراكب والذكريات البعيده
دعيني أترجم بعض كلام المقاعد وهي ترحب فيك
دعيني أعبر عما يدور ببال الفناجين
وهي تفكر في شفتيك
وبال الملاعق والسكريه
دعيني أضيفك حرفاً جديداً
على أحرف الأبجديه
دعيني أناقض نفسي قليلاً
وأجمع في الحب بين الحضارة والبربريه
أأعجبك الشاي
هل ترغبين ببعض الحليب
وهل تكتفين كما كنت دوماً بقطعة سكر
وأما أنا فأفضل وجهك من غير سكر
أكرر للمرة الألف أني أحبك
كيف تريدينني أن أفسر ما لا يفسر
وكيف تريدينني أن أقيس مساحة حزني
وحزني كالطفل يزداد في كل يوم جمالاً ويكبر
دعيني أقول بكل اللغات التي تعرفين والتي لا تعرفين
أحبك أنت
دعيني أفتش عن مفرداتٍ
تكون بحجم حنيني إليك
وعن كلماتٍ تغطي مساحة نهديك
بالماء والعشب والياسمين
دعيني أفكر عنك
وأشتاق عنك
وأبكي وأضحك عنك
وألغي المسافة بين الخيال وبين اليقين
دعيني أنادي عليك بكل حروف النداء
لعلي إذا ما تغرغرت باسمك من شفتي تولدين
دعيني أؤسس دولة عشقٍ
تكونين أنت المليكة فيها
وأصبح فيها أنا أعظم العاشقين
دعيني أقود انقلاباً
يوطد سلطة عينيك بين الشعوب
دعيني أغير بالحب وجه الحضارة
أنت الحضارة أنت التراث الذي يتشكل في باطن الأرض
منذ ألوف السنين
أحبك
كيف تريديني أن أبرهن أن حضورك في الكون
مثل حضور المياه
ومثل حضور الشجر
وأنك زهرة دوار شمسٍ
وبستان نخلٍ
وأغنيةٌ أبحرت من وتر
دعيني أقولك بالصمت
حين تضيق العبارة عما أعاني
وحين يصير الكلام مؤامرةً أتورط فيها
وتغدو القصيدة آنيةً من حجر
دعيني
أقولك ما بين نفسي وبيني
وما بين أهداب عيني وعيني
دعيني
أقولك بالرمز إن كنت لا تثقين بضوء القمر
دعيني أقولك بالبرق
أو برذاذ المطر
دعيني أقدم للبحر عنوان عينيك
إن تقبلي دعوتي للسفر
لماذا أحبك
إن السفينة في البحر لا تتذكر كيف أحاط بها الماء
لا تتذكر كيف اعتراها الدوار
لماذا أحبك
إن الرصاصة في اللحم لا تتساءل من أين جاءت
وليست تقدم أي اعتذار
لماذا أحبك لا تسأليني
فليس لدي الخيار وليس لديك الخيار
حب بلا حدود
تعتبر قصيدة حب بلا حدود من أجمل قصائد نزار قباني بالحب والوفاء لمحبوبته، والذي لقب بشاعر المرأة ويعرف أيضاً بأنّه شاعر الغزل حيث يصف بقصيدته المرأة من ناحية المتعة والجمال:[2]
يا سيِّدتي
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العامْ
أنتِ الآنَ أهمُّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ
أنتِ امرأةٌ
صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ
ومن ذهب الأحلامْ
أنتِ امرأةٌ كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوامْ
يا سيِّدتي
يالمغزولة من قطنٍ وغمامْ
يا أمطاراً من ياقوتٍ
يا أنهاراً من نهوندٍ
يا غاباتِ رخام
يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ
وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ
لن يتغيرَ شيءٌ في عاطفتي
في إحساسي
في وجداني في إيماني
فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ
يا سيِّدتي
لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ
أنتِ امرأةٌ تبقى امرأةً في كلَِ الأوقاتْ
سوف أحِبُّكِ
عند دخول القرن الواحد والعشرينَ
وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ
وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ
و سوفَ أحبُّكِ
حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ
وتحترقُ الغاباتْ
يا سيِّدتي
أنتِ خلاصةُ كلِّ الشعرِ
ووردةُ كلِّ الحرياتْ
يكفي أن أتهجى إسمَكِ
حتى أصبحَ مَلكَ الشعرِ
وفرعون الكلماتْ
يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلكِ
حتى أدخُلَ في كتب التاريخِ
وتُرفعَ من أجلي الراياتْ
يا سيِّدتي
لا تَضطربي مثلَ الطائرِ في زَمَن الأعيادْ
لَن يتغيرَ شيءٌ منّي
لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريانْ
لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ
لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ
حين يكون الحبُ كبيراً
والمحبوبة قمراً
لن يتحول هذا الحُبُّ
لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيرانْ
يا سيِّدتي
ليس هنالكَ شيءٌ يملأ عَيني
لا الأضواءُ
ولا الزيناتُ
ولا أجراس العيد
ولا شَجَرُ الميلادْ
لا يعني لي الشارعُ شيئاً
لا تعني لي الحانةُ شيئاً
لا يعنيني أي كلامٍ
يكتبُ فوق بطاقاتِ الأعيادْ
يا سيِّدتي
لا أتذكَّرُ إلا صوتُكِ
حين تدقُّ نواقيس الآحادْ
لا أتذكرُ إلا عطرُكِ
حين أنام على ورق الأعشابْ
لا أتذكر إلا وجهُكِ
حين يهرهر فوق ثيابي الثلجُ
وأسمعُ طَقْطَقَةَ الأحطابْ
ما يُفرِحُني يا سيِّدتي
أن أتكوَّمَ كالعصفور الخائفِ
بين بساتينِ الأهدابْ
ما يَبهرني يا سيِّدتي
أن تهديني قلماً من أقلام الحبرِ
أعانقُهُ
وأنام سعيداً كالأولادْ
يا سيِّدتي
ما أسعدني في منفاي
أقطِّرُ ماء الشعرِ
وأشرب من خمر الرهبانْ
ما أقواني
حين أكونُ صديقاً
للحريةِ والإنسانْ
يا سيِّدتي
كم أتمنى لو أحببتُكِ في عصر التَنْويرِ
وفي عصر التصويرِ
وفي عصرِ الرُوَّادْ
كم أتمنى لو قابلتُكِ يوماً
في فلورنسَا
أو قرطبةٍ
أو في الكوفَةِ
أو في حَلَبٍ
أو في بيتٍ من حاراتِ الشامْ
يا سيِّدتي
كم أتمنى لو سافرنا
نحو بلادٍ يحكمها الغيتارْ
حيث الحبُّ بلا أسوارْ
والكلمات بلا أسوارْ
والأحلامُ بلا أسوارْ
يا سيِّدتي
لا تَنشَغِلي بالمستقبلِ يا سيدتي
سوف يظلُّ حنيني أقوى مما كانَ
وأعنفَ مما كانْ
أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّرفي تاريخ الوَردِ
وفي تاريخِ الشعْرِ
وفي ذاكرةَ الزنبق والريحانْ
يا سيِّدةَ العالَمِ
لا يُشغِلُني إلا حُبُّكِ في آتي الأيامْ
أنتِ امرأتي الأولى
أمي الأولى
رحمي الأولُ
شَغَفي الأولُ
شَبَقي الأوَّلُ
طوق نجاتي في زَمَن الطوفانْ
يا سيِّدتي
يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى
كي أستوطنَ فيها
قولي أيَّ عبارة حُبٍّ
حتى تبتدئَ الأعيادْ
قارئة الفنجان
من أجمل القصائد التي كتبها الشاعر نزار قباني للفنان عبد الحليم عندما عرف عن قصته مع قارئة الفنجان والتي غناها في محبوبته سعاد حسني بناءً على قصة الحب التي لم تكتمل بينهما:[3]
جَلَسَت والخوفُ بعينيها
تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت
يا ولدي لا تَحزَن
فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي
وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى وورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ
وطريقكَ مسدودٌ مسدود
فحبيبةُ قلبكَ يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ
من يدخُلُ حُجرتها مفقود
من يطلبُ يَدَها
من يَدنو من سورِ حديقتها مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها
يا ولدي
مفقودٌ مفقود
بصَّرتُ ونجَّمت كثيراً
لكنّي لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي
أحزاناً تشبهُ أحزانك
مقدُورُكَ أن تمشي أبداً
في الحُبِّ على حدِّ الخنجر
وتَظلَّ وحيداً كالأصداف
وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع
وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ
وترجعُ كالملكِ المخلوع
كتاب الحب
من أروع قصائد نزار قباني في الحب حيث وصف حبيبته كالعصفور الطائر في السماء ويوضح معنى الحب وجمال عاطفته والمشاعر الجذابة والتعلق العاطفي بمحبوبته من خلال قصيدة ما دمت يا عصفورتي الخضراء:[4]
ما دمت يا عصفورتي الخضراء
حبيبتي
إذن فإن في السماء
تسألني حبيبتي
ما الفرق بيني وما بين السما
الفرق ما بينكما
أنك إن ضحكت يا حبيبتي
أنسى السماء
الحب يا حبيبتي
قصيدة جميلة مكتوبة على القمر
الحب مرسوم على جميع أوراق الشجر
الحب منقوش على
ريش العصافير وحبات المطر
لكن أي امرأة في بلدي
إذا أحبت رجلا
ترمى بخمسين حجر
المراجع
- ↑ نزار قباني، "أحبك أحبك والبقية تأتي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-18.
- ↑ نزار قباني، "حب بلا حدود"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-18.
- ↑ نزار قباني، "قارئة الفنجان"، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-18.
- ↑ نزار قباني، كتاب الحب (الطبعة الاولى)، صفحة 1-3.